يعتمد الاقتصاد الروسي بشكل رئيسي على صادرات النفط والغاز والمعادن، مما أتاح له تحقيق فائض كبير بالميزان التجاري الروسي بلغ 179 مليار دولار بالعام الأسبق، ورغم العجز المستمر بميزان التجارة الخدمية الروسي، والذي بلغ بالعام الأسبق 57 مليار دولار بسبب زيادة المدفوعات السياحية عن ايرادات السياحة.

وكذلك العجز بميزان التحويلات، نتيجة زيادة التحويلات المدفوعة للخارج، عن قيمة التحويلات الواردة من العمالة الروسية خارج البلاد، فقد أتاحت ضخامة فائض الميزان التجاري، تحقيق فائض بميزان المعاملات الجارية الروسى بلغ 33 مليار دولار .

ومن تلك الفوائض بالميزان الكلي للمدفوعات، أمكن تكوين احتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية بلغت 516 مليار دولار بنهاية العام الأسبق، حتى احتلت روسيا المركز الخامس عالميا بتلك الاحتياطيات، وإنشاء عدة صناديق سيادية للاستثمار، منها صندوق الاحتياطيات بأصول 89 مليار دولار، وصندوق الثروة القومي بقيمة 80 مليار دولار .

وفي ضوء الاحتياطيات الضخمة من النفط الخام، واحتلال روسيا المركز الثاني عالميا في صادراته، وتبوءها المركز الأول عالميا في احتياطيات الغاز الطبيعي، والمركز الأول في صادرات الغاز، فقد تدفقت عليها الاستثمارات المباشرة من العديد من الدول حتى بلغت قيمتها 79 مليار دولار، بالعام الأسبق لتحتل المركز الرابع عالميا بعد أمريكا والصين وجزر فرجن.

وساعد خروج الاقتصاد الروسي من الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية، وتحسن مؤشرات النمو للاقتصاد، الرئيس الروسي على التدخل في أوكرانيا في محاولة لاعادتها الى حظيرة النفود الروسي مرة أخرى بعد خروجها منه .

إلا أن ذلك التدخل قوبل بمعارضة حادة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وصلت إلى حد فرض عقوبات اقتصادية على روسيا بفرض حظر على منتجاتها وتجميد أموال وحظر سفر لعدد من المحيطين بالرئيس الروسي.

ولم يتقصر الأمر على جولتين من العقوبات، بل تعداه إلى محاولة سلب الاقتصاد الروسي من موطن قوته، المتمثل في ايرادات البترول والتى مثلت نسبة 54 % من قيمة صادراته بالعام الأسبق، في ضوء احتلاله للمركز الثاني عالميا بصادراته الخام، والمركز الأول عالميا في صادرات منتجاته، من خلال الضغوط الأمريكية على دول أوبك الخليجية للاستمرار في نفس معدلات الانتاج للخام رغم نقص الطلب العالمي، لدفع السعر للانخفاض، وهو ما حدث خلال النصف الثاني من العام الماضي، واستمر خلال الفترة المنقضية من العام الحالي، ليفقد سعر البترول أكثر من نصف قيمته منذ يونيو من العام الماضي.

وتسبب انخفض أسعار البترول السلعة الرئيسية التى يعتمد عليها الاقتصاد الروسى والموازنة الروسية، في ضعف الثقة في الاقتصاد، فزاد خروج الاستثمارات من روسيا، وتراجع سعر صرف الروبل الروسي بشدة، وانخفض التصنيف الائتماني لروسيا، وحققت البورصة الروسية أعلى نسبة انخفاض بين بورصات العالم خلال العام الماضي.

وزاد معدل التضخم الأمر الذي زاد من معاناة المواطنين، مما أدى لرفع نسبة الفائدة لنسب عالية، وهو ما يعود على الشركات الروسية بالضرر ، ويقلل من جاذبية السوق الروسية أمام الاستثمارات الأجنبية، وانخفضت نسبة نمو الناتج الروسي الى 6ر0 % بالعام الماضي، مقابل نسبة نمو 3ر1 % بالعام الأسبق ، كما توقع صندوق النقد الدولي تحول الناتج المحلي الروسي للانكماش بنسبة 3 % خلال العام الحالي، واستمرار الانكماش خلال العام المقبل بنسبة 1 % ، كما يتوقع زيادة نسبة العجز الموجود أصلا بالموازنة الروسية نتيجة انخفاض سعر النفط والذي يمثل أكثر من نصف ايرادات الموازنة.

ورد الرئيس الروسي على العقوبات الأوربية والأمريكية بمنع استيراد السلع الأوربية والأمريكية، لكنه استمر في تصدير النفط والغاز الطبيعي الذي لم تهبط أسعاره كثيرا ، حيث تعتمد أوربا في ثلث احتياجاتها من الغاز على الغاز الروسي، في ضوء احتياج بوتين إلى موارد للوفاء بتكاليف الواردات السلعية الروسية ، والتي بلغت قيمتها 344 مليار دولار بالعام الأسبق، الى جانب الواردات الخدمية التي بلغت قيمتها 123مليار دولار بالعام الأسبق .

وقام بوتين بالاتفاق مع الصين على إنشاء خط أنابيب لامدادها بالغاز الطبيعى باستثمارات ضخمة ، واستخدم الذهب كمعيار لتقويم ومبادلة الغاز مع الصين، وطلب منها اتخاذ الذهب كمعيار للسلع التي سيستوردها من الصين، في محاولة لضرب الاحتكار والهيمنة الأمريكية بتقويم التجارة العالمية للنفط بالدولار الأمريكي.

كما اتفق مع تركيا على مدها باحتياجاتها من الغاز الطبيعي، استعدادا للتقليص التدريجي الذي تمارسه أوربا لتقليل اعتمادها على الغاز الروسي.

وفي نفس المضمار تجىء زيارته لمصر لتعويض نقص قيمة الصادرات الروسية وتقلص مجال تحركها ، خاصة وأن الميزان التجاري بين البلدين يميل دائما لصالح روسيا، حيث بلغت قيمة صادرات روسيا لمصر بالعام الأسبق 866ر1 مليار دولار ، مقابل 266مليون دولار فقط للواردات الروسية من مصر ، بفائض تجارى لصالح روسيا بلغ 600ر1 مليار دولار .

كما اتجه بوتين الى اقامة اتحاد أوراسى سياسى اقتصادى ، يضم الى جانب روسيا دول : بيلاروس وكازاخستان وأرمنيا وقيرغيزستان ، وهى الدول التى ما زالت تدور فى الفلك الروسى من بين دول الاتحاد السوفيتى السابق ، والتى اتجه معظمها للسير فى فلك النفوذ الغربى ، وانضم بعضها للاتحاد الأوربى . لكن هذا الاتحاد يضم دولا صغيرة السكان والاقتصاد مما يقلل من فاعليته ، حيث يبلغ عدد سكان أرمينيا 3 ملايين نسمة ، وقرغيزستان أقل من 6 ملايين نسمة وبيلاروس أقل من 10 ملايين نسمة ، فإذا كان عدد سكان الاتحاد يبلغ 161 مليون شخص ، فإن سكان روسيا يمثلون نسبة 78 % من سكانه .

ونفس الأمر للناتج المحلى الاجمالي لدول الاتحاد، حيث يصل نصيب روسيا من الاجمالي 87 %، فبلد مثل قيرغيزستان يبلغ قيمة ناتجها المحلي الاجمالي سبع مليارات دولار فقط. واذا كانت صادرات الاتحاد الأوراسي السلعية تبلغ 656 مليار دولار بالعام الأسبق، فإن روسيا تستحوز على نسبة 80 % منها، حيث تبلغ قيمة صادرات كلا من قيرغيزستان وأرمنيا أقل من 2 مليار دولار، وهكذا تستحوذ روسيا على نسبة 79 % من اجمالي التجارة الخارجية لدول الاتحاد .

كما أن دول الاتحاد متخمة بالديون الخارجية والتى تبلغ 714 مليار دولار بالنسبة لروسيا و131 مليار دولار لكازخستان ، كما تزيد قيمة الديون الخارجية عن قيمة الاحتياطيات من العملات الأجنبية فى كل دول الاتحاد الأوراسى عدا بيلاروس فقط، روسيا تحتاج لمن يساعدها.