يفترض أن يكون معرض القاهرة الدولي للكتاب مجالا حيويا لعرض الأفكار والآراء المختلفة من خلال الكتب المعروضة أو النشاطات الثقافية المتنوعة في المحاضرات والندوات والمناقشات . لكن المعرض هذا العام أراد أن يكون الوجه الآخر لفكر داعش – التصويرلبوق من أبواق الانقلاب – وهو الفكر الذي يحدثنا عنه الإعلام الصليبي ، وإعلام الأعراب والعسكر واللصوص الكبار . داعش وفقا لهذا الإعلام - تطلب فهما واحدا في اتجاه واحد لايقبل الاختلاف ولا المشاركة ولا المحاورة ، ومعرض القاهرة الدولي فعل الشيء نفسه ، فقد آثر أن يروج لفكر الانحطاط والبذاءة وهجاء الإسلام ، ومصادرة الكتب التي تقدم مفاهيم الإسلام وعلومه ، وتجاوز ذلك إلى مصادرة الكتب العلمية المحضة التي لا علاقة لها بالفكر السياسي أو الحركة الإسلامية لأن أصحابها ليسوا على هوى المخبرين والحظائريين .


أنبأتنا الصحف أنه تم منع كتب الإمام حسن البنا ، والشهيد سيد قطب ، والشيخ القرضاوي وآخرين من المعرض ، وأن دورالنشر التي تبيع هذه الكتب قد سحبتها من أجنحتها ، مع حملة دعائية شرسة في قنوات النظام العسكري وصحفه شيطنت هذه الكتب ، ووصفتها بالإرهاب ، ونسبت إليها صناعته .، لدرجة أن بعضهم رأى أن النسخة الواحدة من كتاب واحد يمكن أن تصنع ألف إرهابي!!


مثقفو البيادة وقادة الحظيرة الثقافية الذين صدعوا رءوسنا على مدى سنوات طويلة بالكلام عن الدولة المدنية وحرية الفكر وحق التعبير ، وأعلنوا أنهم مع حرية الإبداع بلاحدود إلى حد تجسيد الأنبياء وسب الذات الإلهية كما جرى في رواية الوليمة لحيدر حيدر ، وهجاء الفكر الإسلامي بوصفه فكرا ظلاميا متخلفا ، كانوا هم الذين يقومون اليوم باستنساخ محاكم التفتيش الصليبية والتنقيب في نصوص الكتب وصدور مؤلفيها ومصادرة الكتب الموجودة في المكتبات منذ عقود طويلة ويتداولها الناس في مصر والعالم ، ويتناولها الباحثون والكتاب بالدرس والقراءة دون أن تسيل نقطة دم واحدة ، في الوقت الذي يقوم فيه الانقلاب العسكري الدموي بصناعة أنهار من الدم ، ويحرق أسراه في سيارة الترحيلات ، أو في ميادين رابعة والنهضة وشوارع الوطن التعيس، أو يقتلهم صبرا كما في المعتقلات والملاعب الرياضية .


لم يكتف مثقفو البيادة وقادة الحظيرة الثقافية بالمصادرة ومحاكم التفتيش ، بل جلبوا نفرا من أحط أعداء الإسلام وخصومه وخونة الأوطان ؛ ليجدّدوا (!) في الخطاب الإسلامي ويغيّروه ، ويكونوا جبهة علمانية لمقاومة دين الأمة وإنشاء قطيعة معرفية مع التراث الذي يعلم الإرهاب ويصنع التخلف .


ثم لك أن تتأمل على سبيل المثال ذلك الاحتفال الصاخب الذي أقامه معرض داعش من أجل كتاب يمجد أحد القتلة المعاصرين وهو المدعو  "سمير جعجع" قائد قوات الصليبيين اللبنانيين ، الذين توحشوا في قتل الفلسطينيين اللاجئين والمسلمين اللبنانيين في مذابح مروعة يعرفها العالم كله في أثناء الحرب الطائفية في لبنان ( 1975-19990) .  إنهم يصفون القاتل الصليبي المجرم بأنه يتميز بالإصراروالنضال والثبات على الرأي ، ويعد بعض الحظائريين وجود الكتاب الذي يمجد القاتل فى مصر ، دليلا على أن مصر تستطيع أن تحمى المدّ الثقافى، وتستطيع أن تعيد هيمنتها على المشهد الثقافى، وذلك من خلال مناقشتها واحتفالها بتوقيع كتاب لشخصية غير مصرية، داخل أحد الفنادق، فى ظل ظروف استثنائية .


منذ متى تبني مصر وجودها الثقافي على تمجيد قاتل صليبي في الوقت الذي تنفي وجودها على أشلاء شهداء في مقدمتهم حسن البنا وسيد قطب ؟


وفي مقام التدليس والتضليل يطرح أحد اليساريين من أهل الحظيرة في ندوة له بمعرض داعش للكتاب ؛ معادلة خائبة تقول :



اعتبرنا عصا موسى "السحرية" حق و"علم"فرعون باطل !


ثم يزعم أنه لا يوجد خطاب دينى واحد ثابت فى الزمان والمكان، فالزمان والمكان هما عماد التغيير، ويؤكد أن لغة الوحى نفسه تغيرت من لغة فى التوراة إلى لغة فى الإنجيل إلى لغة فى القرآن، ومن ثم التوراة بالعبرية والإنجيل باليونانية وكان فى الأصل بالأرامية والقرآن بالعربية، ومن ثمة فالوحى تغيرت لغته وتغير زمانه ومكانه وربما تغير مضمونه.


ويواصل اليساري الحظائري الذي يمثل دور المعارض مزاعمه فيرى أن الذى يُثبَّت الخطاب ويحرص على عدم تجديده هما السلطة الدينية والسلطة السياسية، فالسلطة الدينية تفعل هذا حرصًا على سلطتها، والسلطة السياسية تفعل هذا حرصًا على استعمال تفسير السلطة الدينية لتبرير سلطتها السياسية. ويستمر صاحبنا في تلفيق القضايا والمزاعم لينتهي منها إلى إدانة الخطاب الإسلامي وبالتالي إدانة الإسلام نفسه !


هل تجوز المقارنة بين عصا موسى التي تمثل معجزة نؤمن بها في عقيدتنا ، وعلم فرعون الغبي الذي لم يصنع غير حضارة الكرباج والاستعباد والإذلال ؟ لمن يتقرب صاحبنا اليساري ؟ الانقلاب لايعزّ إلا البيادة وصندوق الذخيرة يامولانا ويكره العلم والعلماء والحضارة جميعا ، واسأل ستين عاما من الحكم العسكري لمصر عن الهزائم والخيبات والتخلف والتراجع ، في الوقت الذي صعدت فيه الهند إلى المريخ ، وماليزيا إلى مقدمة الدول المصدرة ، وكوريا إلى مصاف الدول القوية ، وبلاش تركيا وإندونيسيا وسنغافورة وجنوب إفريقية والبرازيل والأرجنتين وبقية دول أميركا اللاتينية ! أيها الحظائريون اليساريون لا تضحكوا علينا!


ختم معرض داعش للكتاب بالقاهرة مصادراته الإرهابية وقمعه الفكري وسلوكه العنصري الفاشي بالإعلان عن جوائز المعرض لأحسن الكتب وأفضل دور النشر ، وكانت النتيجة مضحكة مبكية ، فقد منح معظم جوائزه لليساريين الحظائريين ، ولم يفتح الله عليه أن يتحرك في اتجاه آخر غير الاتجاه الداعشي ، ولم يجد كاتبا غير يساري أو حظائري يمنحه جائزة واحدة ذرا للرماد في العيون !


أما الكتب الفائزة فهي تشهير رخيص بالإسلام والمسلمين، وترسيخ لقيم الانحطاط الإنساني ، واستباحة لجماليات الأدب الرفيع وخصائصه !


 وفي الوقت الذي تفشت فيه المصادرة بمعرض داعش للكتاب ، قام حظائري مسئول بإصدار قرار يعرض الأفلام دون حذف المقاطع الإباحية التي سموها الساخنة في تحد صارخ لقيم الأمة وأخلاقها فضلا عن دينها ، وبالمخالفة لأحكام المادتين 10، 47 من الدستور الذي وضعه العسكر ومؤيدوهم من العوالم والغوازي والمشخصاتية. 


أليست داعش الأولى أكثر اتساقا مع نفسها من داعش الأخرى الحظائرية ؟


الله مولانا . اللهم فرّج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !