ننشر اليوم هذا المقال النادر والمهم، وننفرد بنشره، والذي يستمد أهميته وخطورته من عدة أشياء:

أولاً: هو أول مقال يكتب عن الأستاذ البنا، وأول إشارة إلى الدور الإيجابي الذي تقوم به جماعة الإخوان المسلمين، وذلك في فترة مبكرة جدًّا من حياة الدعوة عام 1930م.

 

ثانيًا: أن كاتبه هو السيد محب الدين الخطيب، صاحب مجلة الفتح العصماء التي كانت منبر الإسلام الأول في النصف الأول من القرن العشرين، وصاحب المطبعة السلفية التي نشرت روائع التراث الإسلامي المجيد.

 

ثالثًا: أن كاتبه كان في ذلك الوقت شخصيةً مرموقةً وكاتبًا وصحفيًّا مشهورًا، بينما لم يكن الأستاذ البنا قد ذاع صيته وعرفه الناس بعد، والجدير بالذكر أن الشيخ محب الدين الخطيب عمل مع الإمام البنا وتحت قيادته لمدة عشرين عامًا في تحرير صحف الإخوان المسلمين ابتداءً من جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية عام 1933م حتى جريدة الإخوان المسلمين اليومية عام 1948م.

 

رابعًا: أن كاتبه كان عالمًا "سلفيًّا " جليلاً.. وفي هذا نموذج للعلماء الفقهاء الذين قدروا الإمام البنا وانضووا تحت قيادته وهم كثير، ولعل في هذا درسًا للمتعالمين المتطاولين على الإمام ودعوته.

 

خامسًا: أن كاتب المقال هو آخر من كتب عن الإمام البنا في حياته (سبتمبر 1948) مشيدًا بجهدِه وجهادِه ودعوتِه وأثرها في كل الميادين، ومذكرًا بأنه كان أول من تنبَّه إلى ما يمتلكه هذا الشاب الموفق من طاقات وملكات، وما ينتظره من مستقبل حافل مجيد.

 

(نص المقال)

جمعية الإخوان المسلمين

"لا شك أن الإسلام وأهله إلى خير لأن الله اختص هذا الدين بطائفة من أهله لا يزالون قائمين على الحقِّ إلى يوم القيامة، يعملون له غير ملتفتين إلى حمد مَن يحمدهم ولا إلى شغب من يشغب عليهم.

 

ومن هذه الطائفة إخوان لنا في مختلف أنحاء القطر المصري يعملون، ولعل هذه الإشارة إلى أعمالهم في الفتح هي الأولى من نوعها.

 

فقد أسسوا في الإسماعيلية ومحمودية البحيرة وشبراخيت مراكزَ لجمعية الإخوان المسلمين تحض على التحلِّي بمكارم الأخلاق، وتسعى لعمارة ما يتهدم من المساجد، وتتوسط في إزالة الخصومات التي تقع بين أفراد المسلمين وجماعاتهم.

 

وكل مَن يعلم بلدة الإسماعيلية القائمة على قناة السويس يعلم أنها تكاد تكون بلدةً إفرنجية، والمسلمون فيها كانوا يشعرون بحاجةٍ إلى من يتولَّى إرشادهم ويسير بهم في طريق الخير، فقامت هذه الجمعية، وعلى رأسها أخونا المجاهد في سبيل الله الأستاذ حسن أحمد البنا، بسد حاجة مسلمي الإسماعيلية من هذه الجهة.

 

وكان من أعمالها أداء واجب الإرشاد والتعليم وأنشأت مسجدًا كانت البلدة في مسيس الحاجة إليه، واستطاع أخونا الأستاذ حسن البنا أن يقنعَ شركة قنال السويس بدفع خمسمائة جنيه للاستعانة بها في إنشاء هذا المسجد حتى تمَّ على أحسن حال ولله الحمد.

 

وفي بلدة شبراخيت أسست هذه الجمعية المباركة مكتبًا لتحفيظ القرآن، أطلقت عليه اسم (مكتب حراء) على اسم الغار الشريف الذي كان يتحنَّث فيه هادينا الأعظم صلى الله عليه وسلم، وفيه نزل الوحي بالقرآن المجيد.

 

ومن أعمال جمعية شبراخيت تأسيسها لجنة المصالحات؛ وهي تباشر أعمالها بين المسلمين، و(لجنة المسجد) وهي تسعى لعمارة وتصليح المساجد، و(لجنة المحاضرات والدروس الدينية) تقوم بالإرشاد والتعليم ليليًّا في نادي الجمعية، وأسبوعيًّا ببعض المساجد، و(لجنة المكتب) وأول آثارها مكتب حراء فيه ما يربو على مائة من أبناء المسلمين يحفظون كتاب الله ويتعلمون مجانًا على معلمين أكفاء تدفع لهم الجمعية راتبهم الشهري.

 

وفي مقدمة القائمين بهذه الجمعية في شبراخيت أخونا العالم العامل الأستاذ الشيخ حامد عسكرية، كما أن في مقدمة القائمين بالعمل في جمعية محمودية البحيرة أخونا المخلص العمل لله الأستاذ أحمد أفندي السكري، فنرجو لهم من الله المثوبة والتوفيق.

 

وقد ردَّ عليه الأستاذ البنا بخطابٍ طيبٍ، تبرز فيه سمات الداعية الموفق الذي يستشعر التقصير في حق الله ودعوته مع ما يبذله من جهد ويقدمه من عمل، وتبرز به سمات دعوة الإخوان المسلمين كما عبر عنها مؤسسها الإمام، حين ذكر أن من أهم سماتها "إيثار الناحية العملية على الأقوال والدعاية"، وحين تساءل مثبتًا ومؤكدًا "هل نحن قوم عمليون؟".

 

(نص المقال)

حول جمعية الإخوان المسلمين

"سيدي الأستاذ الأجل السيد محب الدين الخطيب صاحب الفتح الأغر:

أحييك وأحيي روحك الطيب الذي يشع نور الهداية على قلوبِ المؤمنين فيضيء لهم سبيل العمل لخدمة العروبة والإسلام والشرق المحبوب.

 

وأشكر لك جهادًا متواصلاً شكره الله لك قبل خلقه، وعرفه منك قبل أن يعرفه الناس، وقدره صالحو المؤمنين حقَّ قدره إذ تطلع به غرة الفتح مبشرةً بالنصر المبين، فالسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

 

وبعد.. فما كنت أود أن نتحدَّث إلى قراء مجلتنا ومجلة الإسلام (الفتح) عن جمعية الإخوان المسلمين الآن وهي نبت لم يتكامل نموه بعد، وكنت أوثر السكوت حتى تنطق آثار الجمعية بغاياتها، ويراها الناس في جهودها، ويسمعون صوتها بلسان أعمالها، فقد تكلمنا كثيرًا فيما مضى حتى شغلنا القول عن العمل، وفكرنا حتى أنسانا التفكير سبيل التنفيذ، وقد مللنا هذا السبيل، ولعله داء الشرق الوبيل.

 

وإن من الناس مَن يفهم الأمر على غير وجهه وينسى حسن المقصد فيه فيظن- من الكلمة التي كتبها صاحب الفتح في العدد الماضي عن الجمعية- أننا نحاول الإعلان عن أنفسنا أو المفاخرة بجهود هي أقل مما أوجبه الله على كل مسلم.

 

ولهذَيْن السبَبَيْن كنت أتحاشى ذكر شيء عن أعمال جمعية الإخوان المسلمين تاركًا للزمن أن يعرفها للناس.

 

أما ما ذكره الفتح بخصوصي فلا أعتقد أني أديت عُشر الواجب عليَّ، وأصارحك يا سيدي بأني وجدت من الأهلين هنا بالإسماعيلية تشجيعًا كبيرًا وتقبلاً حسنًا لكلمة الحق واستعدادًا عظيمًا لمعاضدة الدعاة إلى الله، وهم يحبون دينهم كل الحب ويتفانون في الذود عنه، إلى أنهم على جانبٍ عظيمٍ من التقوى والخير وكرم النفوس، فلهم الفضل الأول في معاونة الجمعية في مهمتها ومساعدتها على تحقيق أغراضها الشريفة، وكذلك كان موقف الجمهرة العظمى من الأهلين في البلدان التي أُنشئت فيها مراكز للجمعية مما نحمد الله عليه ونذكره لحضراتهم بالإعجاب والثناء.

 

وأما وقد نشر الفتح كلمته الطيبة يستعجل بها البشرى إلى قلوب المسلمين، ويحدوهم بها إلى النهوض والعمل لخير هذا الدين، فلا يسعني إلا شكر هذه النية الصالحة، وأن أعتب على السيد الأجل عتبًا محمودًا عواقبه بما شهَّر بي، غفر الله له، وأمدَّه بالقوَّة التي تحقق آمال الإسلام والمسلمين فيه.

19 من ذي القعدة سنة 1349

حسن أحمد البنا