التخلي عن أداء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له آثار سلبية على المجتمع:

سيطرة الأشرار والفساق على مقاليد الأُمور: من عواقب التخلي عن أداء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ازدياد عدد المنحرفين وأهل الشر والفساد في الأرض، وانحسار عدد الصالحين وأهل الخير والتقى، وبازدياد عدد المفسدين والأشرار وانحسار عدد المصلحين والأخيار تكون الأجواء والظروف مهيأة لأهل الفجور للتمادي في انحرافهم وشرّهم وإفسادهم لعباد الله، وذلك لغياب من يردعهم، ومن يقف في وجوههم ليصدهم عن شرهم وفسادهم، حيث يأمنون من عدم الاعتراض وعدم الملاحقة، فتنطلق إرادتهم الضعيفة أمام الشهوات، وأنفسهم الشريرة من عقالها، فيعملون ما يحلو لهم، ثم يكون الأمر لهم ليسيطروا على مقاليد الأمور، ويوجهوا الناس حسبما يرون ويشاءون. أُثر عن  الفاروق رضي الله عنه أنه قال: "توشك القرى أن تخرب وهي عامرة, قيل وكيف تخرب وهي عامرة، قال إذا علا فجارُها أبرارَها وساد القبيلةَ منافقوها"[1].

قال السعدي رحمه الله عن عواقب ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: " أن ذلك يجرئ العصاة والفسقة على الإكثار من المعاصي إذا لم يردعوا عنها، فيزداد الشر، وتعظم المصيبة الدينية والدنيوية، ويكون لهم الشوكة والظهور، ثم بعد ذلك يضعف أهل الخير عن مقاومة أهل الشر، حتى لا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه أوَّلا"[2].

فساد الأخلاق: إن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدي إلى انتشار الرذائل وتقلص الفضائل، فتتسع جوانب الشر، وتظهر الفواحش علناً، ويعم الانحلال الأخلاقي ويحقر أصحاب الفضل والصلاح، وتضعف شوكتهم، فيصعب عليهم عند ذلك مقاومة المنكرات لكثرتها، ويتفكك كيان الأسرة التي هي نقطة البدء في إصلاح الجيل الناشئ، وتنعدم المروءة بين أفراد المجتمع فلا ينظرون إلى المنكر أنه منكر، ويغتر الناس بالمعصية وتتزين في قلوبهم لعدم إنكار أهل الدين والعلم لها، فيظن بعض الجاهلين أنها ليست بمعصية، قال الشيخ السعدي: "السكوت على معصية العاصين، ربما تزينت المعصية في صدور الناس، واقتدى بعضهم ببعض، فالإنسان مولع بالاقتداء بأضرابه وبني جنسه[3].

يقول سيد فى ظلاله "فلا بُدَّ من جماعة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المُنكر، وهو تكليفٌ ليس بالهيِّن ولا اليسير، إذا نظرنا إلى طبيعته، وإلى اصطدامه بشَهَوات النَّاس ونَزَواتهم، ومصالح بعضهم ومنافعهم، وغُرُور بعضهم وكبريائهم، وفيهم الجبَّار الغاشم، وفيهم الحاكم المُتسلِّط، وفيهم المُنْحَلُّ الذي يكره الجِدَّ، وفيهم الظالم الذي يكره العدل، وفيهم المُنحرف الذي يكره الاستقامة، وفيهم من يُنكرون المعروف ويعرفون المُنكر. ولا تُفلِح الأُمَّة، ولا تُفْلِح البشريَّة، إلا أن يسود الخير، وإلا أن يكون المعروف معروفاً والمُنكر منكراً"[4].

الاختلاف والتناحر والانقسام: إن من أنكى العقوبات التي تنـزل بالمجتمع المهمل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يتحول ذلك المجتمع إلى فرقٍ وشيع تتنازعها الأهواء، فيقع الاختلاف والتناحر "قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ .."[5] وذلك التناحر يجعل المجتمع عرضة للانهيار والانهزام أمام العدو الخارجي المتربص .

ولا يحمي المجتمع من التفرق والاختلاف إلا شريعة الله، لأنها تجمع الناس، وتحكم الأهواء، أما إذا ابتعد الناس عن شريعة الله تعالى أصبح كل امرئ يتبع هواه, وأهواء الناس لا يضبطها ضابط. وإن ما يدل على ارتباط التفرق والتناحر بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن الله عز وجل قال: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون يالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"[6] ثم قال بعد ذلك مباشرةً "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات" [7].

عموم العقاب والعذاب: إن وجود المصلحين في الأمة هو صمام الأمان لها، وسبب نجاتها من الإهلاك العام، فإن فقد هذا الصنف من الناس؛ فإن الأمة – وإن كان فيها صالحون – يحل عليها عذاب الله؛ كلها صالحها وفاسدها؛ لأن الفئة الصالحة سكتت عن إنكار الخبث، وأهملت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاستحقت أن تشملها العقوبة .

ولقد بوب الإمام مالك في الموطأ على هذا الحديث باباً سماه: ( باب ما جاء في عذاب العامة بعمل الخاصة ) وساق تحت هذا الباب أثراً عن عمر بن عبدالعزيز، قوله: كان يقال إن الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عُمل المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم [8] وفي صحيح البخاري: " مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا" [9].

والقائم على حدود الله, هو المستقيم مع أوامر الله تعالى ولا يتجاوز ما منع الله تعالى منه والآمر بالمعروف الناهي عن المنكر, أما الواقع فيها فهو التارك للمعروف المرتكب للمنكر. و(استهموا) أي اقترعوا ليأخذ كل منهم سهما أي نصيبا. و(أخذوا على أيديهم) أي منعوهم من خرق السفينة. فسكوت أصحاب السفينة عن شركائهم الذين أرادوا خرقها سبب هلاكهم في الدنيا، فكذلك سكوت المسلمين عن الفاسق وترك الإنكار عليه سبب هلاكهم جميعا في الدنيا بنزول العقوبة العامة وفي الآخرة بالعذاب الأليم.

فالمجتمع تماماً كأصحاب السفينة هؤلاء، فإن الذين في أعلى السفينة إن تركوا الذين في أسفلها ليخرقوا في نصيبهم خرقاً وقالوا: هذه حرية شخصية لهم، فليفـعلوا ما شاءوا, فإن النتيجة غرق السفينة وهلاك الجميع, وإن أخذ الذين في الأعلى على أيدي الذين في الأسفل وقالوا لهم: ليس الإضرار بالملك العام من الحرية الشخصية, فالنتيجة نجاة الجميع, وهكذا حال المجتمع فإن أهل الفساد الواقعين في حدود الله يخرقون بمعاول انحرافهم في سفينة المجتـمع, فإن أخذ المصلحون على أيديهم ومنعوهم من الإضرار بالمجتمع، نجا الجميع, وإن تركوهم في غيهم وتخاذلوا عن الأنكار عليهم هلكوا قاطبةً .

 وفي الصحصحين: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمأْجُوجَ مِثْلُ هَذَا، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ، وَبِالَّتِي تَلِيهَا» فَقَالَتْ زَيْنَبُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ»[10].

في فتح الباري لابن حجر: قَالَ ابن الْعَرَبِيِّ فِيهِ الْبَيَانُ بِأَنَّ الْخَيِّرَ يَهْلِكُ بِهَلَاكِ الشِّرِّيرِ إِذَا لَمْ يُغَيِّرْ عَلَيْهِ خُبْثَهُ وَكَذَلِكَ إِذَا غَيَّرَ عَلَيْهِ لَكِنْ حَيْثُ لَا يُجْدِي ذَلِك ويصر الشرير على عمله السييء وَيَفْشُو ذَلِكَ وَيَكْثُرُ حَتَّى يَعُمَّ الْفَسَادُ فَيَهْلِكَ حِينَئِذٍ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ ثُمَّ يُحْشَرُ كُلُّ أَحَدٍ عَلَى نِيَّتِه"[11].