سم الله الرحمن الرحيم

 

في ذكرى الملحمة….
نصر المرحلة استمرار النضال الثوري
تُبتلى الثورات كما يُبتلى الأفراد, وتبتلى الحضارات كما تبتلى الأمم.. (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
وتفاوتت ثورات الربيع العربي في مواجهة الثورات المضادة والانقلابات العسكرية، ومن خلفهم من أعداء الثورة العالميين الذين اعتمدوا أساليب الخديعة والمكر، ثم القمع والقهر؛ للانحراف بالثورة عن مسارها والمساومة على أهدافها.
فبعد أن حققت الحضارة الغربية بقيمها الليبرالية والديمقراطية نصرًا على الحضارة الاستبدادية الإلحادية الشرقية وتفكك الاتحاد السوفيتي, وانفردت الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة النظام العالمي, سرعان ما تخلى النظام العالمي عن قيم الليبرالية والديمقراطية في تعامله مع الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم.
فبعد انتهاء الحقبة الاستعمارية حاولت الشعوب المستقلة إنشاء نظم ديمقراطية تحقق لها الكرامة الإنسانية وفق ثقافتها ومعتقداتها، فأبت الدول الاستعمارية المهيمنة على النظام العالمي إلا أن تحرم الدول المستقلة من حقوقها, ووجدت في المفسدين والمستبدين من حكامها وكلاء وعملاء يحققون لها أطماعها، فعانت الشعوب ما عانت، ثم صبرت ما صبرت, ثم ثارت حينما طفح الكيل، وطفّ الصاع، وكان ما عرف بـ”الربيع العربي”.. ثورة سلمية حضارية شهد لها العقلاء والمنصفون في العالم كله، لكن ما لبث أن تنكرت القوى الاستعمارية المهيمنة على النظام العالمي لقيم العدل والديمقراطية وأثارت النعرات الطائفية المهلكة والأحقاد المنتنة, وساندت المستبدين الطغاة من الحكام والرؤساء ودعمت الانقلابات العسكرية, وسكتت وتعامت عن انتهاكات حقوق الإنسان، فاستدرج بعض الثوار إلى العنف المذموم؛ الذي كان أولُ ضحاياه الثوار السلميين، وأصبحت جماهير الثورة وحاضنتها الشعبية المحلية والعالمية بين مطارق الثورات المضادة وسندان التعامي والتغافل العالمي.
وأصبحت الحضارة العالمية المادية النفعية أمام اختبار دقيق وفي انتظار ربيع عالمي بدت بشائره من تركيا، تشبه بداية الربيع العربي من تونس.. (ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعًا).
فالأمة الإسلامية كلها ومن بقي فيه خير من الأمم الأخرى باتوا يدعون للشعب التركي ليجنبه الله ظلم بني آدم لأنفسهم.
وهذا الربيع العالمي المرتقب سيبقى هاجسًا مرعبًا وخطرًا يحاول النظام العالمي منعه كما سيبقى أمانيَّ لدى المستضعفين في الأرض حتى يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، يجاهدون في سبيل الله، لا يخافون لومة لائم، وهذه الأيام ما زالت الأعين تراقب والألسنة والأفئدة تدعو للثورة السورية؛ أن يحفظ الله وحدتهم، ويحقنوا دماءهم، ويستنقذوا وطنهم من الاستكبار الروسي والخداع الغربي والتآمر الطائفي الذي يحمي الطاغية العلوي من ثورة شعبه, وما نشهده في اليمن وليبيا- من تغطية وتعمية على جرائم الانقلابيين ودعم خفي ومعلن لهم بزعم محاربة الإرهاب واستمرار معاناة الشعوب- صورة من صور تعامل النظام العالمي لإخماد ثورات قدمت فيها الشعوب أعظم التضحيات.
ويبدو أن التضحيات سوف تستمر حتى تستكمل الشعوب وعيها وتلتف حول ثورتها لتواجه أعداء الثورة المحليين والعالميين.
أما في مصر فقد تنامى الوعي الثوري واستفاق أغلب الذين خدعوا في 30 يونيو، ولم يضع دم الشهداء ولاحقت اللعنة قاتليهم فأحبط الله أعمالهم، وفضح فسادهم، فمضوا من فشل إلى فشل, فلجأ الفاشلون إلى مزيد من القهر والظلم وإرهاب الدولة في محاولة للانحراف بالثورة عن مسارها السلمي واستدراجها إلى مستنقع العنف, ولكن الله أحبط كيدهم وسلَّم جسم الثورة وحاضنتها الشعبية من الانزلاق، واستمر النضال السلمي، واستعصوا على المساومات والتهديدات ومحاولات التيئيس من جدوى الحراك الثوري في الوقت الذي يزداد السخط الشعبي من ضياع الكرامة الإنسانية وافتقار الضروريات، وتردي المعايش، وتفشي الفساد؛ بما يؤذن بغضبة أشد من غضبة يناير، وأصبح الحراك السلمي هو صمام الأمان من الانفجار العشوائي المدمر.
واليوم، القلة الثابتة المرابطة في الحراك الشعبي تقتدي بالعباس بن عبد المطلب يوم حنين.. هؤلاء المرابطون يستغيثون بربهم، وينادون شعوبهم في ذكرى ملحمتي رابعة والنهضة.
يا ثوار يناير.. يا أصحاب موقعة الجمل.. يا من أسقطتم الطاغية في 11 فبراير بوحدة نضالكم.. هذا يومكم لتكملوا مسيرتكم وتحرروا أوطانكم، وإذا قيل لكم لا طاقة لكم بالانقلاب وجنوده، فقولوا: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين).
(يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون).
د.محمود عزت
القائم بأعمال فضيلة المرشد