منذ سقوط الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك وجمعية الاتحاد والترقي سنة 1924 والتاريخ العثماني يتعرض لحملة منظمة من التشويه ساعد على ذلك نجاح حملات التغريب والعلمنة في الأوساط الأكاديمية التي أخذت على عاتقها نقل المناهج الغربية في كتابة العلوم الاجتماعية؛ بما تحمله من أحقاد على الإسلام والمسلمين.
فأضفت على كتاباتها المعادية غلالة من العلم والحياد، رغم أنها تصب كلها في خانة العداء والتحيز، فأصبح من المعتاد أن نجد في المكتبة العربية من يذكر "مساوئ الاحتلال العثماني ونتائج الحملة الفرنسية"، مع أن الوجود العثماني في البلاد العربية لم يكن احتلالاً، مثل الحملة الفرنسية التي مارست القتل والنهب وإحراق قرى مصرية كاملة.
لكن من تأثروا بوجهة النظر الغربية لثقافتنا وتاريخنا نسجوا على منوال الثقافة الوافدة الدخيلة، فكان مما نسجوه التحامل الشديد على الدولة العثمانية والسلطان عبدالحميد.
وقد دافعت الأقلام المخلصة عن تاريخنا وثقافتنا أمام الهجمة الحاقدة، فكان كتاب "الأسرار الخفية وراء إلغاء الخلافة العثمانية" وغيره ممن حمل على عاتقه مهمة مواجهة تزييف تاريخ الأمة.
وهؤلاء الذين فعلوا ذلك كانوا قلة من الباحثين، القارئين التاريخ بتمعن، المتفحصين الوثائق الرسمية والكتب والمراجع الموثوقة، وكان أحدثهم المؤرخ والأكاديمي حسان حلاق، مؤلف كتاب "دور الصهيونية العالمية والقوى الدولية في خلع السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش"، وهو يستعد لطباعته قريبًا في لبنان، يستند فيه لوثائق تاريخية تشرح كيف تآمر الصهاينة في تركيا، مع بعض العلمانيين والحركة الماسونية لخلع السلطان عبد الحميد عن عرشه، ونجاحهم في ذلك.
ويشرح المؤلف بالدلائل كيف بدأ المخطط لبناء دولة الصهاينة، وأوضح أن ما جمعه من وثائق ومحفوظات ومعلومات منذ عام 1975 تؤكد تورط الصهاينة في إزاحة السلطان عبد الحميد، عبر محاولة إقناعه بقبول مبالغ كبيرة تقدّر بخمسين مليون ليرة ذهبية من صهاينة العالم مقابل السماح لهم بدخول فلسطين.
وبحسب حلاق، فإن هذه العروض قدّمها الصحفي الصهيوني النمساوي ثيودور هرتزل (مؤسس الحركة الصهيونية) للسلطان العثماني؛ الذي كان يقود الدولة العثمانية التي تتضمن آنذاك فلسطين، لكن الأخير قابلها بطرد الأول ورفضها.
التصدي للصهاينة
وأشار حلاق في كتابه إلى أن السلطان عبد الحميد عارض هجرة الصهاينة من الغرب، إذ كانوا يصلون فلسطين بواسطة السفن مدعومين من القوى الاستعمارية البريطانية؛ بذريعة زيارة الأراضي المقدسة الخاصة بالديانة اليهودية، لكنهم يبقون فيها، وهو ما تنبه إليه السلطان العثماني، وأطلق ما سُمّي وقتها بالبطاقة الحمراء التي تسمح لليهودي الزائر بالمكوث في فلسطين لمدة شهر كحد أقصى.
وكشف المؤرخ العربي عن وثائق حصل عليها من مراجع بريطانية كبيرة، تؤكد دور الماسونية العالمية في التخلص من عبد الحميد، وكيف بدأت المؤامرات في سنة 1890 تزداد على السلطنة العثمانية بين قوى المعارضة الداخلية والخارجية.
وكشف أيضًا كيف أن المتآمرين على عبد الحميد من معارضي الداخل أخذوا "فتوى شرعية" تحت تهديد السلاح من مفتي الديار الإسلامية محمد ضياء الدين عام 1909 للتخلص من السلطان، وتم ذلك بواسطة جيش كبير أحاط بقصر يلدز (مكان إقامته)، وتم نفي السلطان بعد ذلك إلى جزيرة سالونيك اليونانية.
وينقسم الكتاب إلى أربعة فصول: الأول عن الجذور التاريخية للقضية الفلسطينية من العام 1882 حتى 1908، ويتناول الثاني السياسة الإسلامية والدولية للسلطان عبد الحميد الثاني، ويعالج الثالث موضوع الوفاق الصهيوني الدولي الماسوني المحلي في ثورة 1908، فيما يكشف الأخير دور الصهاينة والماسونية في خلع السلطان عبد الحميد الثاني سنة 1909