في مثل هذا اليوم من عام 1928م، أُعلن عن قيام دعوة الإخوان المسلمين بمدينة الإسماعيلية، إذ زار الإمام الشهيد حسن البنا في ذلك اليوم ستة من إخوانه، وهم: حافظ عبد الحميد، أحمد الحصري، فؤاد إبراهيم، عبد الرحمن حسب الله، إسماعيل عز، وزكي المغربي- وهم ممن تأثروا بدروسه ومحاضراته، وقد جلسوا يتحدثون إليه وفي صوتهم قوة، وفي عيونهم بريق، وعلى وجوههم سنا الإيمان والعزم، وقالوا: ما الطرق العملية إلى عزة الإسلام وخير المسلمين؟! ونحن لا نملك إلا هذه الدماء تجري حارة بالعزة في عروقنا، وهذه الأرواح تسري مشرقة بالإيمان والكرامة مع أنفسنا، وهذه الدراهم القليلة من قوت أبنائنا، وكل الذي نريده أن نقول لك ما نملك؛ لنبرأ من التبعة بين يدي الله، وتكون أنت المسئول بين يديه عنا، وعما يجب أن نعمل.

وكان لهذا القول المخلص أثره البالغ في نفس الأستاذ البنا، ولم يستطع أن يتنصل من هذه التبعة، وقال في تأثر عميق: "شكر الله لكم، وبارك هذه النية الصالحة، ووفقنا إلى عمل صالح يرضي الله وينفع الناس، وعلينا العمل وعلى الله النجاح، فلنبايع الله على أن نكون لدعوة الإسلام جندًا، وفيها حياة الوطن وعزة الأمة.. وقال قائلهم: بِمَ نسمي أنفسنا؟ وهل نكوّن جمعية، أو ناديًا، أو طريقة، أو نقابة؛ حتى نأخذ الشكل الرسمي؟ فرد الأستاذ البنا قائلاً: لا هذا ولا ذاك، دعونا من الشكليات، ومن الرسميات، وليكن أول اجتماعنا وأساسه: الفكرة والمعنويات والعمليات، ونحن إخوة في خدمة الإسلام، فنحن إذًا "الإخوان المسلمون".

 

من هم الإخوان المسلمون؟ وما أغراضهم؟

الإخوان المسلمون- حسب ما جاء في لائحتهم العامة-:

هيئة إسلامية جامعة، تعمل لإقامة دين الله في الأرض، وتحقيق الأغراض التي جاء من أجلها الإسلام الحنيف، ومما يتصل بهذه الأغراض:

 

- تبليغ دعوة الإسلام إلى الناس جميعًا وإلى المسلمين خاصة، وشرحها شرحًا دقيقًا يوضحها ويردها إلى فطرتها وشمولها، ويدفع عنها الأباطيل والشبهات.

 

- جمع القلوب والنفوس على مبادئ الإسلام، وتجديد أثرها الكريم فيها، وتقريب وجهات النظر بين المذاهب الإسلامية.

 

- العمل على رفع مستوى المعيشة للأفراد، وتنمية ثروات الأمة وحمايتها.

 

- تحقيق العدالة الاجتماعية والتأمين الاجتماعي لكل مواطن، ومكافحة الجهل والمرض والفقر والرذيلة، وتشجيع أعمال البر والخير.

 

- تحرير الوطن الإسلامي بكل أجزائه من كل سلطان غير إسلامي، ومساعدة الأقليات الإسلامية في كل مكان، والسعي إلى تجميع المسلمين حتى يصيروا أمة واحدة.

 

- قيام الدولة الإسلامية التي تنفِّذ أحكام الإسلام وتعاليمه عمليًّا، وتحرسها في الداخل، وتعمل على نشرها وتبليغها في الخارج.
- مناصرة التعاون العالمي مناصرة صادقة في ظل الشريعة الإسلامية التي تصون الحريات وتحفظ الحقوق، والمشاركة في بناء الحضارة الإنسانية على أساس جديد من تآزر الإيمان والمادة، كما كفلت ذلك نظم الإسلام الشاملة.

 

وما وسائلهم لتحقيق هذه الأغراض؟

يعتمد الإخوان المسلمون في تحقيق هذه الأغراض على الوسائل الآتية:

- الدعوة: بطرق النشر والإذاعة المختلفة، من الرسائل والنشرات والصحف والمجلات والكتب والمطبوعات، وتجهيز الوفود، والبعثات في الداخل والخارج.

 

- التربية: لتطبع أعضاء الجماعة على هذه المبادئ، وتعكس معنى التدين قولاً وعملاً في أنفسهم أفرادًا وبيوتًا، وتربيتهم تربية صالحة؛ عقيديًّا وفق الكتاب والسنة، وعقليًّا بالعلم، وروحيًّا بالعبادة، وخلقيًّا بالفضيلة، وبدنيًّا بالرياضة، وتثبيت معنى الأخوة الصادقة والتكامل التام والتعاون الحقيقي بينهم؛ حتى يتكون رأي إسلامي موحد، وينشأ جيل جديد يفهم الإسلام فهمًا صحيحًا، ويعمل بأحكامه، ويوجه النهضة إليه.

 

- التوجيه: بوضع المناهج الصالحة في كل شئون المجتمع من التربية والتعليم والتشريع والقضاء والإدارة والجندية والاقتصاد والصحة والحكم، والتقدم بها إلى الجهات المختصة، والوصول بها إلى الهيئات السياسية والتشريعية والتنفيذية والدولية؛ لتخرج من دور التفكير النظري إلى دور التنفيذ العملي، والعمل بجد على تنقية وسائل الإعلام مما فيها من شرور وسيئات، والاسترشاد بالتوجيه الإسلامي في ذلك كله.

 

- العمل: بإنشاء مؤسسات تربوية واجتماعية واقتصادية وعلمية، وتأسيس المساجد والمدارس والمستوصفات والملاجئ والنوادي، وتأليف اللجان لتنظيم الزكاة والصدقات وأعمال البر والإصلاح بين الأفراد والأسر، ومقاومة الآفات الاجتماعية والعادات الضارة والمخدرات والمسكرات والمقامرة، وإرشاد الشباب إلى طريق الاستقامة، وشغل الوقت بما يفيد وينفع، ويستعان على ذلك بإنشاء أقسام مستقلة طبقًا للوائح خاصة.

 

- إعداد الأمة: إعدادًا جهاديًّا؛ لتقف جبهة واحدة في وجه الغزاة والمتسلطين من أعداء الله، تمهيدًا لإقامة الدولة الإسلامية الراشدة.

 

وما الذي تتميز به هذه الدعوة عن بقية الدعوات؟

- تعتمد دعوة الإخوان المسلمين على الفهم العام الشامل للإسلام، لذا فإن فكرتهم تشمل كل نواحي الإصلاح في الأمة، ويلتقي عندها كل محبي الخير الذين عرفوها وفهموا مراميها.. فهم يطالبون بإصلاح الحكم، وتربية الشعب على العزة والكرامة، ويطالبون بجعل العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.. ويعدون أنفسهم عقليًّا وروحيًّا وجسديًّا، اعتقادًا منهم بأن تكاليف الإسلام كلها لا يمكن أن يؤديها سوى مسلم قوي البدن مثقف الفكر.. وهم يعنون بتدبير المال وكسبه من وجهه الحلال، كما يعنون بأدواء المجتمعات الإسلامية، ويحاولون الوصول إلى طرق علاجها وشفاء الأمة منها.

 

ويعتقد الإخوان المسلمون أن الاستقامة والفضيلة والعلم من أركان الإسلام، وأن المسلم مطالب بالعمل والكسب، وأنه مسئول عن أسرته، ومن واجبه إحياء مجد الإسلام بإنهاض شعوبه وإعادة تشريعه، كما يعتقدون أن المسلمين جميعًا أمة واحدة، تربطها العقيدة الإسلامية.. وأن السر في تخلفهم هو ابتعادهم عن دينهم.

 

وهم قوم ينتهجون الربانية في حياتهم الخاصة، وفي الوقت ذاته هم اجتماعيون "يختلطون بالمجتمعات كلها على اختلاف أنواعها، ينشرون دعوتهم ويروجون لفكرتهم.. ويجاهدون في إصلاح المجتمع الذي تنخر فيه الأمراض الاجتماعية، وتفتك به العلل الأخلاقية، ضاربين المثل بأنفسهم في البذل والتضحية".

 

والإخوان المسلمون كما قال مؤسسهم: "هم الغرباء الذين يصلحون عند فساد الناس، والعقل الجديد الذي يريد الله أن يفرق به للإنسانية بين الحق والباطل، في وقت التبس عليهم فيه الحق بالباطل، وهم دعاة الإسلام، وحملة القرآن، وصلة الأرض بالسماء، وورثة محمد صلى الله عليه وسلم وخلفاء صحابته من بعده..".

 

وهم ليسوا حزبًا سياسيًّا، وإن كانت السياسة على قواعد الإسلام من صميم فكرتهم، وليسوا جمعية خيرية إصلاحية، وإن كان عمل الخير والإصلاح من أعظم مقاصدهم، وليسوا فرقة رياضية، وإن كانت الرياضة البدنية والروحية من أهم وسائلهم.. ولكنهم: فكرة وعقيدة، ونظام ومنهاج، لا يحده موضع ولا يقيده جنس ولا يقف دونه حاجز جغرافي، ولا ينتهي بأمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ وذلك لأنه نظام رب العالمين، ومنهاج رسوله الأمين.

 

ما العوامل التي ساعدت على ظهور الجماعة؟

شهدت السنوات التي سبقت ظهور دعوة الإخوان عام 1928م، عددًا من المتغيرات، المحلية والعالمية، كانت سببًا في ظهور الجماعة، منها:

 

- ظهور دعوات التحرر الوطني.. فقد شهد مطلع القرن العشرين دعوات مخلصة ترنو إلى التحرر والاستقلال، بداية من الزعيم مصطفى كامل إلى ثورة 1919م، وما بعدها من حركات وطنية تصب في تيار العمل الوطني.

 

وفي وسط هذا الجو الملبد بالغيوم والأفكار المتضاربة، والدعوات متعددة الاتجاهات نشأ الإمام البنا- رضي الله عنه- وتفتحت عيناه، فأدرك أن بلده وأمته قد استولى عليها عدوها، واستبد بشئونها خصمها، فهي أمة تجاهد ما استطاعت في سبيل استرداد الحق السليب، والتراث المغصوب، والحرية الضائعة، والأمجاد الرفيعة، ولم يكن غريبًا أن يشارك في الثورة على الإنجليز عام 1919م، حين كان عمره ثلاثة عشر عامًا وهو طالب بالمدرسة الإعدادية بالمحمودية، وكان يردد مع الناس:

 

حب الأوطان من الإيمان

إن لم يجمعنا الاستقلال

وروح الله تنادينا

ففي الفردوس تلاقينا

- سقوط الخلافة عام 1924م.. وتحطم آمال الأمة الإسلامية على صخرة الخيانة الأتاتوركية، بعد إخراج آخر خليفة من تركيا، وتجريده وأهله من كل ما يملكون.. وقد هبت دعوات مخلصة لإنقاذ الخلافة، وضرورة وجود خليفة وإمام للمسلمين.

 

لقد كان سقوط الخلافة الإسلامية باعثًا لهمة الإمام الشهيد حسن البنا، ودفعه أن يتحرك من أجل إيقاظ الأمة وقيادتها نحو استعادة مجدها السليب، ومن ثم كان لاستعادة الخلافة الراشدة مكانة عظيمة في دائرة أهداف الجماعة التي أسسها؛ لتحمل راية الإسلام وتحفظ للأمة دينها وكيانها.

 

- تغلغل حركات التبشير في المجتمع المصري.. كانت تلك الحركات جزءًا من الخطة (الاستعمارية) عند غزو مصر وبقية البلاد الإسلامية، بهدف هدم العقيدة الإسلامية في قلوب المسلمين.. فقد انتشر المبشرون في أنحاء البلاد في الوجهين البحري والقبلي، وفي المدن والقرى المختلفة، تحت سمع المسئولين من الحكام وبصرهم، بل إن هؤلاء الحكام كانوا بحكم تعليمات رؤسائهم يسهلون للمبشرين وسائل دخول المدن والقرى، كما يسهلون لهم وسائل الاتصال بالأهالي وإجراء ما يشاءون من إجـراءات، وإقـامة ما يـشاءون من منشـآت، بل واختــطاف مَن يشـاءون من أطفال ونساء، في الوقت الذي يضربون فيه بيد من حديد كل من تسوّل له نفسه أن يعترض سبيل هؤلاء الغزاة ولو بكلمة، معتبرين ذلك اعتداء على الحكومة.

 

- ولقد كانت البلاد الإسلامية على حالة من الجهل المزري والفساد الكبير، على المستويات كافة.. وكانت مصر على وجه الخصوص بحاجة ماسة إلى تلك الحركة التي قلبت الموازين وغيَّرت مجرى التاريخ.. كانت البلاد تعاني الأمرّين من المحتل الإنجليزي الذي كان جاثمًا على صدر البلاد، وقد انتزع خيرها وكبّل أبناءها، وعمل على فرض هويته العلمانية على الناس، فلم يعد الإسلام هو أساس الهوية، بل صارت ثوابته عُرضة للتشكيك.

 

- اشتداد تيار التحلل.. في النفـوس وفي الآراء والأفـكار باسـم التـحرر العقلي، ثم في السلوك والأخلاق والأعمال باسم التحرر الشخصي، فكانت موجة إلحاد إباحية قوية جارفة طاغية، لا يثبت أمامها شيء.. وفي هذه الظروف زاد سفور المرأة واختلاطها بالرجال، وتم استيراد كثير من العادات والتقاليد الغربية التي تتعارض مع ديننا وآدابنا، فأشاعوا الملاهي والمراقص، وظهرت موجات عاتية من الرذيلة وسوء الخلق، ولقد أكد من عاصروا تلك الفترة أن القاهرة على سبيل المثال، تحولت إلى ماخور كبير، وخصوصًا الأزبكية والوسعة، حتى ضج الناس من زوارها الأجانب، ومن الأخلاق المتردية التي وصلت إليها البلاد.

-------
نشر في "إخوان أون لاين" بتاريخ 20 مارس 2012م.