تصاعدت وتيرة الخلاف الصومالي الإماراتي خلال الشهور القليلة الماضية، على نحو وضع الأحاديث عن سعي أبوظبي لزعزعة استقرار مقديشو وتقويض نظامها السياسي موضع الجد، لا سيما أن سلطات البلد الذي تضربه الفوضى أصلاً كشَّرت عن أنيابها واتّخذت خطوات تصعيدية متلاحقة.

وانتقلت العلاقة بين البلدين بشكل مفاجئ من الدفء والتعاون إلى الشقاق وتبادل الاتهامات؛ فبعدما كانت مقديشو تثني على الدور الإماراتي في مساعدتها على مواجهة الاضطرابات والعنف، أصبحت تتهمها بتمويل الانفصاليين ودعم نشر الفوضى وشراء ولاءات في الداخل.

كما بدأت أبوظبي تتهم السلطات في مقديشو بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وأوقفت بعض مشروعاتها "الخيرية"، وهي التي كانت قبل شهور تعرب عن دعمها للسلطة نفسها في حربها على الإرهاب.

الأسبوع الماضي، أعلن وزير الدفاع الصومالي، محمد مرسل شيخ عبد الرحمن، إنهاء وجود الإمارات العسكري في البلاد، ونقل المهام التدريبية، التي بدأت عام 2014، إلى قيادة الجيش الوطني.

هذا الإجراء جاء بعد مصادرة سلطات مطار مقديشو الدولي، في الثامن من الشهر الجاري، 10 ملايين دولار كانت على متن طائرة إماراتية خاصة، واحتجاز طائرة أخرى خاصة، في الـ 14 من الشهر نفسه، كانت تقلّ معدّات وأجهزة عسكرية حاول ضباط إماراتيون نقلها إلى بلدهم.

وبعد مصادرتها الأموال، فتحت السلطات الصومالية تحقيقاً بشأن مصدر تلك الأموال وإلى أين تتجه، إلى جانب دوافع إدخال هذا المبلغ إلى البلاد. في حين اتهم تقرير حديث للأمم المتحدة حكومة أبوظبي بدعم "حركة الشباب" الصومالية الموالية لتنظيم القاعدة.

"الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات" كشفت أيضاً أن أبوظبي جلبت أكثر من ثلاثة آلاف مرتزق إلى الصومال بغرض تعزيز نفوذها في البلد المصاب بالفوضى. وذكرت الحملة (مقرها باريس) في بيان، أن الجزء الأكبر من هؤلاء المرتزقة تمركز في قاعدة "بربرة" العسكرية التابعة للإمارات، وأماكن دعم لوجستي في مناطق لا تخضع للسلطة المركزية الصومالية.

وتؤكد تقارير محلية ودولية سعي الإمارات لتعزيز وجودها العسكري بشكل غير مسبوق بالصومال؛ في إطار خطة لتوسيع انتشارها العسكري بمضيق هرمز وساحل اليمن وباب المندب وحتى سواحل القرن الأفريقي.

ويعتمد هذا الوجود الإماراتي في القرن الأفريقي على استراتيجية شراء واستئجار وإدارة موانئ ومطارات ذات أهمية عسكرية واقتصادية متنوعة؛ كما في حالتي عدن وجيبوتي، إضافة إلى بناء القواعد العسكرية؛ كما في "بربرة" شمال غربي الصومال.

وكانت جمهورية "أرض الصومال" أعلنت انفصالها عن باقي أراضي الصومال عام 1991، لكن المجتمع الدولي لا يعترف بها كدولة مستقلة.

في السياق ذاته ندّدت "الفيدرالية الدولية" بـ "استمرار التدخل الإماراتي في شؤون الصومال، ومن ذلك عقد اتفاقية لتشغيل ميناء بربرة مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، وإقامة قاعدة عسكرية في الإقليم المذكور.

وفي مارس الماضي، عبّرت الفيدرالية الدولية (مقرها روما) في بيان، عن خشيتها من تداعيات استمرار هذا التدخل السلبي على السلم والأمن الأهلي في البلاد. وقالت إن الإمارات تستخدم قواعدها العسكرية في الصومال ودول أفريقية أخرى لتعزيز نفوذها في القرن الأفريقي ولخدمة خططها في نشر الفوضى والتخريب في عدة بلدان.

كما أشارت إلى أن سلوك الإمارات "يحمل مخاطر جسيمة على السكان الصوماليين، وانتهاكات فاضحة لحقوقهم في الأمن، خاصة في ظل ما تواجهه من معارضة صومالية".

وأعادت الفيدرالية الدولية التذكير بالاتهامات المتكررة للإمارات بالتورط في جرائم حرب في الصومال، والعمل للنيل من وحدتها وتقويض استقرارها، معتبرة أن ذلك "يؤكد الحاجة إلى وقف تدخلها في شؤون البلاد فوراً".

وسبق أن تقدّم الصومال بشكوى للأمم المتحدة من إقامة الإمارات قاعدة عسكرية في "أرض الصومال" دون موافقة الحكومة الفيدرالية. وقد شدد المندوب الصومالي لدى المنظمة، أبو بكر عثمان بالي، على أن إجراءات الإمارات "تنم عن بلطجة". وقال إن هذه الممارسات "تستلزم تدخلاً من الأمم المتحدة"، وإن بلاده ستتخذ كل ما يلزم للدفاع عن سيادتها.

 أطماع إماراتية وتصعيد صومالي

ووقّعت شركة "موانئ دبي"، مطلع مارس الماضي، اتفاقية مع كل من إقليم أرض الصومال وإثيوبيا، بشأن الإدارة والاستثمار في ميناء بربرة على ساحل البحر الأحمر، وتوزيع حصص العائدات بواقع 51% و30% و19%، على الترتيب.

وبلغت قيمة الاتفاق 442 مليون دولار لتطوير ميناء بربرة من أجل استخدامه في أغراض عسكرية، بعدما كان يُستخدم بشكل أساسي لتصدير الماشية لمنطقة الشرق الأوسط. وحصلت الإمارات، عن طريق شركة "دي بي وورلد" التابعة لإمارة دبي، على حق إدارة ميناء بربرة (أهم موانئ أرض الصومال)، بعقد يمتد لـ 30 عاماً.
ويخشى فرماجو توريط بلاده عبر تلك القاعدة في صراعات إقليمية أو حرب بالوكالة، وقبل ذلك كله فهو يريد من أبوظبي التفاوض مع الحكومة المركزية في هذه القضية السيادية والمصيرية، والتي قد تؤثر بالسلب في شعبيته إذا بدا موقفه ضعيفاً منها.

ويقول مراقبون إن سياسة الإمارات في الصومال سعت نحو التمديد للرئيس السابق، حسن شيخ محمود، في الحكم، خاصة أن الأخير منحهم، إبان حكمه نفوذاً كبيراً في البلاد تمثّل بصورة أساسية في عقود لاستغلال وإدارة عدد من موانئ البلاد، التي تتمتع بموقع استراتيجي هام لحركة التجارة العالمية.

لكن فرماجو وصل إلى سدّة الحكم في فبراير 2017، رغماً عن إرادة أبوظبي، ما دفع الأخيرة إلى تغيير موقفها منه استجابة لضغط السعوديين، خاصة بعدما بدأ في مناهضة النفوذ الإماراتي المتصاعد في بلاده.

ونقل موقع "الخليج الجديد" عن مصار لم يسمها، أن سياسة الإمارات تجاه فرماجو قامت على إغرائه بالمال والمساعدات مقابل السماح بمزيد من النفوذ الإماراتي في البلاد، غير أنه لم يسمح لهم بذلك.

ومع اندلاع الأزمة الخليجية، رفض فرماجو عرضاً مالياً إماراتياً لقطع العلاقات مع قطر، بحسب المصادر. وكشف الكاتب الصحفي القطري، جابر الحرمي، أن وزيراً خليجياً (لم يسمه) حمل 80 مليون دولار للرئيس الصومالي مقابل قطع علاقاته مع قطر، لكنه (فرماجو) رفض العرض بعد ساعتين من المحاولات.

وآنذاك نقلت صحيفة "الصومال اليوم"، عن مصادر لم تسمها، أن "هناك ضغوطاً تمارسها السعودية والإمارات على الحكومة الصومالية لتغيير موقفها الحيادي حيال محاصرة قطر".

وقد استخدمت قطر المجال الجوي الصومالي لتجاوز الحصار الذي فرضته دول السعودية والإمارات والبحرين ومصر على طائراتها.

وعقب الحرب التي شنتها الرياض وأبوظبي في اليمن عام 2015، وسّعت أبوظبي شراكتها العسكرية مع أرض الصومال بشكل ملحوظ؛ عبر تسليح المقاطعات الصومالية. ومع مرور الوقت تحوّل وجودها الاقتصادي والتجاري إلى حضور عسكري فقط.

ولتعزيز عسكرة وجودها في القرن الأفريقي أسّست الإمارات، أواخر عام 2016، أول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها في ميناء "عصب" على سواحل إريتريا.

وأغلقت الإمارات، الاثنين 16 أبريل 2018، مستشفى "الشيخ زايد" في مقديشو .

وقال مصدر لـ "القدس العربي"، إن المستشفى توقف بعد تلقي إدارته قراراً بإغلاقه حتى إشعار آخر، لافتاً إلى أن معدات المستشفى سيتم نقلها إلى مقر السفارة الإماراتية شرقي العاصمة.
وبدأ تصاعد الأزمة عقب قول رئيس "موانئ دبي"، سلطان أحمد بن سليم، لقناة "دبي"، إن إقليم أرض الصومال دولة مستقلة منذ 27 سنة، وإن قرار الحكومة الفيدرالية ببطلان اتفاقية ميناء بربرة مجرد تصريحات لا تؤثر، ولا تقف عائقاً أمام الاتفاقية التي سيتم الشروع في تنفيذها سريعاً.

وسريعًا رفعت الحكومة الصومالية إلى الأمانة العامة للجامعة العربية شكوى تتهم الشركة الإماراتية بالتدخل السافر في الشأن الداخلي للبلاد، والسعي لتقويض وحدتها؛ من خلال التعامل مع انفصاليين غير معترف بهم دولياً.

وفي التاسع من مارس، أصدر الاجتماع الوزاري للجامعة العربية بياناً أكد فيه ضرورة الحفاظ على سلامة مجالي الصومال الجوي والبحري بشكل يعزز وحدته وسيادته في مواجهة التدخل الخارجي الهادف إلى التقسيم، لكنه لم يشر إلى شركة "موانئ دبي العالمية" بشكل صريح.

الكاتب الصومالي أنور ميو، قال إن هذا التوجه الإماراتي "يقوّي النزعة الانفصالية لدى أرض الصومال بدل المساهمة في المساعي الرامية للم شمل الصوماليين". وفي حديث لقناة "الجزيرة" الإخبارية، أكد ميو وجود "مطامع إماراتية للاستيلاء على موانئ الصومال".

وكانت الهيئة المستقلة لمراقبة الأمم المتحدة دعت مجلس الأمن الدولي إلى عقد جلسة طارئة لبحث تدخل دولة الإمارات في الصومال، وسعيها لتقويض استقراره النسبي، والعبث في الديمقراطية القائمة فيه.

وقالت الهيئة، في يناير 2018، إنها طالبت عدداً من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن بوضع حدّ للدور التخريبي للإمارات في الصومال، ومن ضمن ذلك دفع رشى مالية لتأليب البعض على الحكومة وتخريب الخريطة السياسية، في خرق سافر لسيادة الدول.

وحذرت الهيئة من أن الإمارات "تخطط لقيادة انقلاب داخل الصومال لبسط سيطرتها على القرن الأفريقي"، الأمر الذي "سيكون كارثياً على منطقة شرق أفريقيا"، مشددة على أن أبوظبي "متهمة بتمويل جماعات مسلحة متطرفة تتبع حركة الشباب الصومالي، ما يتطلب تدخلاً دولياً".

وترى الحكومة الفيدرالية الصومالية أن الإمارات "تقوم بدور تخريبي بداخلها"، خاصة بعد الكشف عن دعم أبوظبي للحركات الانفصالية. وفي ديسمبر 2017، أعلن النائب العام الصومالي، أحمد علي طاهر، أن عضوين في البرلمان الصومالي تلقيا مبالغ ضخمة من الإمارات بهدف تدمير الحكومة. وطالب برفع الحصانة عن النائبين تمهيداً لمحاكمتهما بالخيانة.

وكان الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، قد حذّر من أي تدخل أجنبي يهدد وحدة وسيادة بلاده، و"العبث في ثرواتها"، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية، في مارس الماضي.

تعزيز الوجود وتمويل الفوضى

في أكتوبر 2017، شهدت العاصمة الصومالية تفجيراً قيل إنه الأقوى في تاريخها (سقط فيه نحو 500 قتيل). وقد استهدف التفجير غير المألوف في طبيعته وحجمه أحد أكثر الأماكن حيوية بالقرب من وزارة الخارجية والسفارة القطرية، دون إعلان أي جهة مسؤوليتها عنه.

وعقب التفجير قال مراقبون إن الإمارات من بين المستفيدين من هذا التفجير؛ مستندين في ذلك إلى ما قالوا إنها "خلافات قديمة متجددة مع الحكومة الصومالية التي رفضت مقاطعة دولة قطر إبان أزمة يونيو 2017، فضلاً عن الخلاف القائم حول القاعدة العسكرية التركية التي أُنشئت مؤخراً بالصومال، والقاعدة الإماراتية بأرض الصومال".

الحديث عن تورط الإمارات في دعم الإرهاب بالصومال دلل عليه التقرير السرّي نصف السنوي الصادر عن فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات المفروضة من مجلس الأمن الدولي على الصومال وإريتريا، والمتضمن فرض حظر تسليح على البلدين.

وتضمّن التقرير، الذي جرى الكشف عن تفاصيله قبل أسبوعين من انفجار مقديشو المذكور، فقرات كاملة عن الانتهاكات التي تمارسها الإمارات للقرارات الدولية، سواء عبر تهريب السلاح، أو تزوير المستندات الرسمية من أجل تخطّي الحظر المفروض على تصدير الفحم من الصومال، الذي اعتبره مجلس الأمن من أهم المصادر المالية لحركة "الشباب".

وبالرغم من الموقف المعلن للإمارات بتأكيد وحدة الصومال، ورعايتها مبادرة مصالحة بين أطراف الأزمة الصومالية، بتوقيع الأطراف على ميثاق دبي للمصالحة بعد محادثات في لندن وإسطنبول، فقد سعت لتحقيق مكاسب اقتصادية واستراتيجية داخل "أرض الصومال"؛ عبر نشاط إعلامي واقتصادي وسياسي لم يدعم منطق الوحدة أبدًا.

وقد روّج الإعلام الإماراتي خلال العامين الماضيين لدولة "أرض الصومال" غير المعترف بها دولياً كأرضٍ للاستقرار والثقافة والديمقراطية. وفي يونيو 2015، كشف أحمد محمد سيلانو، رئيس أرض الصومال، عزم أبوظبي إنشاء مشاريع ضخمة في "صوماليلاند" شمال جمهورية الصومال الاتحادية.

ولاحقاً كشفت تقارير أن الرئيس الصومالي، خلال زيارته إلى السعودية، طلب وساطة الرياض لإقناع أبوظبي بالعدول عن مشروع إنشاء القاعدة العسكرية.