ما من حياة اجتماعية سوية تقوم مع تقييد الحريات.. ثم بعد الحصول على الحرية التي يسعى إليها كل إنسان لابد من أمر مهم نؤكد عليه في هذا الإطار ألا وهو انضباط الحريات بحيث لا يعتدي أحد على أحد بدعوى الحرية ولا ينتهك أحد المحرمات بدعوى الحرية ولا يضرب أحد بمبادئ المجتمع وقيمه وموروثاته عرض الحائط بدعوى الحرية. ولا ينتقد الإنسان كل شيء بدعوى الحرية ولا يتطاول الصغير على الكبير بدعوى الحرية ولا يتطاول الجهلة والسفهاء على العلماء بدعوى الحرية.

الحرية المنضبطة مرتبطة بحريات الآخرين، كما أنها مرتبطة بالضوابط الشرعية والعادات الاجتماعية، وكذا ترتبط بالقوانين المتبعة في البلاد. فالإنسان السوي يفعل ما يشاء في أي وقت يشاء ما لم يخالف أو يضر، أي لا يخالف الشرع أو القانون أو العادات والتقاليد. وهذا تنظيم وليس تقييدًا .
 
فمن أراد أن يفعل شيئًا فلا يقل: 
 
مالي وللآخرين؟ 
 
أنا أريد أن أفعل ذلك.
 
هذا سوف يكون ممتعًا لي.
 
أنا أحتاج إلى ذلك.
 
فأفعالنا إن اصطدمت بالعرف أو الشرع أو القانون أو حريات الآخرين فلا تكون حرية، بل انعدام ذوق وانعدام أدب وجهل بالدين.
 
الحرية المنضبطة تعني ألا يسير شخص عرياناً في الطريق العام لأنه حر, أو يدخن في وسائل المواصلات العامة أو في وجود تجمع من الناس فيهم الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن والمرضى لأنه حر, أو يقف بسيارته ليسد الطريق على الناس لأنه حر.
 
إنه لا ضرر ولا ضرار..هذه قاعدة فقهية وإنسانية أصيلة ينبغي أن تنضبط معها الحريات فلا يفعل المرء ما شاء وفي أي مكان أو زمان شاء لأنها ممتلكاته الخاصة فإن ما يؤثر في الناس سلباً ينبغي تجنبه لكي يتعاون الناس في المجتمع وتحسن العلاقات فيما بينهم بشكل يحقق السلامة الاجتماعية. 
 
إن الحرية في منظور الصهاينة تعني كل شيء ولو كان يهدم صرح الأخلاق ويدمر بنيان الفضيلة طالما أنها تحقق أغراضهم الخبيثة وقد عبروا عن ذلك بقولهم: الغاية تبرر الوسيلة.
أما الليبرالية فلا تنظر إلى مخالفة أو ضرر فكل إنسان ليبرالي يفعل ما يحلو له.
 
وعند العلمانيين والرأسماليين وأصحاب النفوذ تنطلق الحرية من (مبدأ القوة) الذي يقوم على إلغاء (قوة المبدأ) ، فقوة المبدأ تحول الضعيف إلى قوي حين يكون على الحق، وتحول القوي إلى ضعيف حين يكون على الباطل، أما مبدأ القوة فإنه يعطي الأولوية دائمًا للقوي وإن كان ظالمًا أو سارقًا أو خائنًا!!
 
وبحسب الأدبيات الماركسية اليسارية فإن إمكانية انتهاك الحرية الفردية والجماعية أمر وارد في سبيل تحقيق أهدافهم!!
 
إن القواعد والضوابط والقوانين التي تنظم حياتنا وسلوكياتنا أمر لا مفر منه. وأبناؤنا وشبابنا يجب أن يتعلموا أن هناك ما هو مسموح به وهناك ما هو غير مسموح به. وأنه لا توجد حرية مطلقة بل حرية منضبطة وإلا انتشرت المفاسد وضاعت المبادئ واختلط الصالح بالطالح.
*******