كتب ـ أحمد مصطفى:

اختتم المهرجان القومي للسينما المصرية فعاليات دورته الـ22, وتم إعلان أسماء الفائزين بالجوائز, وكان الفيلم الفائز هو الذي اعترض عليه الأزهر, ويحمل اسم "مولانا".  

ومن حقنا أن نسأل: هل في مصر سينما بالمعايير التي تعارف عليها العالم؟ وإذا كان القائمون عليها يمضغون لبانة" الفن رسالة", فما هي الرسالة التي قدموها من خلال السينما؟ وكم فيلما يمكن الإشارة إليه بعد تاريخها الطويل في مصر؟, وكم فنانا جاء بحجم نجيب الريحاني ويوسف وهبي؟. 

إن قائمة الأعمال التي تستحق الإشادة بها قليلة جدا بالنسبة إلى حجم الإنتاج الهائل, وعند البحث والتدقيق لا يمكن أن نذكر شيئا غير "إحنا بتوع الأتوبيس", و"الكرنك", و"الزوجة التانية" وعدد آخر قليل جدا. 

إن السينما من أكثر أنواع الفنون شعبية، وقد لعبت السينما المصرية دورا في تسجيل جوانب من حياة المجتمع, وفق رؤية الكاتب والمخرج في تناول العمل.

واقتصرت موضوعاتها منذ نشأتها في عام 1927 وصولاً إلى عهد الملك فاروق، على فنّ الاستعراض والمونولوج، والأفلام الكوميدية الهزلية، وتلك التي تعرض الفواجع الإنسانية، ولها نهايات سعيدة دائماً.

وانحصر أبطال هذه الأفلام بشخصيات مثل: الراقصة، الهانم الجميلة، الباشا الحنون، القصر الفخم، والريف السعيد...

وكانت عملية الإنتاج السينمائي تجارية بحتة؛ فكان صناع السينما كلهم من طبقة الأغنياء والتجار، بالإضافة إلى الأجانب. لذا كان التوجه الأساسي للسينما المصرية حينها هو إنتاج أفلام التسلية والترفيه لضمان الربح، وتجنّب الأفلام السياسية أو الاجتماعية.

وبعد عام 1938م حينما عرض فيلم لاشين الذي كان يحمل أفكارا ثورية ،حذّر القانون من التطرّق إلى الموضوعات السياسية والأخلاقية في الأفلام، بالإضافة إلى منع تناول مناظر الأحاديث والخطب السياسية، ومشاهد الإضرابات والتظاهرات. ومنع القانون أيضاً التعرض لمهنة الباشا، وضابط الشرطة، والطبيب.


*السينما والعسكر 


وبعد ثورة 23 يوليو 1952 تغيرت السينما تحت حكم العسكر عن الصورة النمطية السابقة وأصبحت تهدف إلى تمجيد رجال الثورة وقادتها وبطولاتهم المزيفة، بل وتغير مبادئهم التي نادوا بها مع الأيام الأولى للثورة، حتى أن بعض الضباط ذكروا – كما يقول الرئيس محمد نجيب في كتاب كنت رئيسا لمصر صـ 201: "أننا طردنا ملكا وجئنا بثلاثة عشرا ملكا أخر".

وجسد فيلم "رد قلبي" والذي عرض عام 1958م حياة العسكر الذين ظلوا يعملون من اجل ترسيخ قواعد العدالة الاجتماعية والصراع مع البرنس وعائلته، لكن كما يذكر محمد نجيب الواقع كان مغايرا لهذه العدالة الاجتماعية حيث هجم العسكر على كل شيء ليكنزوا لأنفسهم كل ما تصل إليه أيديهم فيقول في صفحة 203: ترك أحدهم شقته المتواضعة واستولى على قصر من قصور الأمراء في جاردن سيتي حتى يكون قريب من إحدى الأميرات، وكان يهجم على قصرها في حالة سكر فكانت تستنجد بنا وحينما نصحته كان يقول: إننا نسترد جزءا مما دفعناه لسنوات طويلة، وكان أخر يجري وراء ناهد رشاد زوجة الطبيب يوسف رشاد.

قال الناقد الفني محمود قاسم، إن فيلم "رد قلبي" تم إصداره في عام 1958، وصنعه رجال ثورة 23 يوليو، حيث جاء تنفيذه بأمر مباشر من جمال عبد الناصر موضحا أن مؤلف الفيلم هو يوسف السباعي وكان ضابطا، والممثل أحمد مظهر كان ضابطا ودفعة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

وأضاف "قاسم" في حوار ببرنامج "مصر النهاردة " على قناة " مصر الأولى"، أن الفصول الأولية من رواية "رد قلبي"، التي تم تحويلها إلى فيلم تؤكد أن "محمد نجيب هو من قام بثورة يوليو وتروي تفاصيل العلاقة بينه وبين ضباط قيادة الثورة، لكن الفيلم أنكر ذلك تماما".

ولم ينته الأمر على ذلك فقد أنتجت عشرات الأعمال التي حاولت أن تضفي على عبد الناصر القدسية مثل فيلم بورسعيد والذي عرض في 8 يوليو 1957م، والذي صور أنه لولا عبد الناصر ووجوده ما انتصرت مصر على العدوان الثلاثي، ففي مشهد يجمع سراج منير – الذي قام بدور محافظ بورسعيد – والقائد الانجليزي والفرنسي، حينما طالبوه بالتسليم ورفض لأنه لو سلم فلن يسلم المصريون ثم طالبوه بإنزال صورة عبد الناصر فنظر لها بشموخ وقال لو أزلتموها من على الجدار فلن تستطيعوا أن تزيلوها من قلب 23 مليون مصري أو 80 مليون عربي، فانسحب الميجور كمدا، ثم في نهاية الفيلم جاءت مقولة فريد شوقي واصفا عبد الناصر أنه سيظل زعيما طول العمر ثم كانت أغنية التأميم التي تمجد عبد الناصر.

يقول الكاتب محمد صبحي في صحيفة المدن الإلكترونية: وإذا كنا اليوم نستطيع تأكيد أن "هذا الواقع" الذي قدمته "سينما الثورة" قد شابته المبالغات الميلودرامية والتلفيقات الأيديولوجية، وهذا هو التبرير المنطقي الوحيد لخروج أفلام تمجّد "الثورة" بعد خمس سنوات كاملة على قيامها، أفلام تأتي بتكليف مباشر من جمال عبد الناصر وأخرى تُنجز على عجل وبمستوى فني ضحل، نذكر منها "بور سعيد" و"سجين أبو زعبل" و"السمان والخريف" و"لا تطفئ الشمس".

ثم يضيف: المدهش بالفعل، أن السينمائيين الذين صنعوا أفلام تمجيد يوليو ورجالها، هم أنفسهم من قدّموا الأفلام الناقدة والمتهمة لجمال عبد الناصر، مثل "احنا بتوع الاتوبيس" و"الكرنك"و "العسكري الاسود" والتي وصلت أحيانًا إلى حد التجريح الشخصي في بعض الأفلام. فهل هي مفارقة أم أنهم كانوا "مخدوعون.

لقد سيطر العسكر على السينما بصدور قرار جمهوري في 1957 ينص على إنشاء مؤسسة دعم السينما، للارتقاء بالإنتاج السينمائي وتقديم الدعم المادي من خلال المساهمة في عرض الأفلام في الخارج. كما تم إنشاء معهد السينما عام 1959. وكانت مهمة الثقافة مدمجة تحت وزارة الإرشاد. كما عملت الحكومة على تأميم صناعة السينما وذلك بتأميم أكبر شركات الإنتاج ولم يتبق إلا بعض الدور القليلة جدًا التي تنتج أفلامًا لحسابها الخاص وهذا ما دفع بعض السينمائيين الكبار إلى مغادرة مصر إلى بيروت مثل يوسف شاهين وفريد شوقي وعاطف سالم.

*ما بعد عبد الناصر

لقد ظلت السينما تسير في فلك النظام القائم في تمجيده ولا تستطيع أن تنقده أو تنقد سياسته إلا بعد وفاته أو رحيله وحسب سياسة النظام الذي يخلفه.

ففي عهد السادات جاءت بعض الأفلام التي تنتقد سياسة عبد الناصر ومراكز القوى، وحاول من جاء بعد السادات في إظهاره بطل الحرب والسلام في فيلم أيام مع السادات.

ويرى النقاد – كما جاء في تقرير على "الجزيرة نت"  أن الفيلم سرد تاريخ شخصية السادات وتطورها بعين الحاضر وليس كما كان عليه في الأربعينيات وما تلاها حتى لحظة اغتياله أثناء احتفاله بذكرى حرب السادس من أكتوبر1981.

ويؤكد الناقد طارق الشناوي أن ذلك تكرار لخطأ وقع فيه يوسف شاهين في فيلم "المصير" عندما قرأ حياة الفيلسوف الأندلسي ابن رشد بعيون القرن العشرين وليس بواقع القرن الثاني عشر الميلادي. 

وقد ركز الفيلم على فترة ما قبل مرحلة يوليو 1952، ثم قفز بعد ذلك في اختصار سريع لتبرير قرارات السادات والخطوات التي بنى عليها سياساته الداخلية والخارجية.

ويبرز الفيلم السادات كشخصية منسجمة صلبة ذات مبادئ منزهة عن المطامع والمصالح الشخصية تضع مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات في فترة النضال ضد الحكم الإنجليزي.

ويرى نقاد ومشاهدون أن الفيلم قفز مرارا فوق الأحداث وقدم تبريرات لمواقف سياسية عديدة اتخذها السادات مثل اتفاقيات كامب ديفيد ومواقف أخرى عديدة.


*أفلام المخلوع

وعلى النهج نفسه لم يخل عهد مبارك من إنتاج الأفلام التي تصور المخلوع مبارك بالرئيس الحكيم الطيب المهتم بمشكلات الشعب, لكن سبب التقصير هو وجود بعض القيادات واعضاء بالحكومة  لا يقومون بدورهم دون تدخل الرئيس، حيث حاول فيلم طباخ الرئيس تجسيد ذلك بصورة واضحة، والذي يعتبر أول عمل فني يسمح فيه بتجسيد شخصية مبارك.

ولقد اعتبر بعض النقاد – وفق تقرير للجزيرة بعنوان طباخ الرئيس" انه يفجر جدلا متزايدا بالشارع المصري عام 2008م- أن الفيلم يمثل "دعاية" للرئيس، ويرون أنه كرر ما تقوم به الصحف الحكومية حينما تصب غضبها على الحكومة والوزراء دون التعرض لمؤسسة الرئاسة، ومحاولة إظهار الرئيس دائما بأنه "رمز الدولة المقدس".


ويرى الفنان عبد العزيز مخيون أن الفيلم يتضمن "استخفافا" بعقول الجماهير "خاصة عندما يتحدث عن أن من يحكم مصر حاليا رجل مثالي، وأن الحاشية هي من تضلله".

 

*قائد الانقلاب وفشل أول فيلم


حاول قائد الانقلاب السيسي تقديم عمل فني يجسده كشخصية أنقذت البلاد مما كانت تتعرض له في عهد الرئيس محمد مرسي، حيث تحاول أذرع إعلامه  تصويره بالخارق الذي قام بآلاف المشروعات لكنها غير ظاهرة للشعب بسبب تراخي الحكومة وأجهزة الدولة في تنفيذ سياساته, وأنه لولا وجوده لاجتاحت الدولة الحرب الأهلية، ولضاع الجيش ومؤسسات الدولة، ولتأخرت الدولة قرنا من الزمان عما هي فيه.

وهكذا رسمت الاذرع الاعلامية للانقلاب الصورة الخادعة, وحينما حاولوا تجسيد ذلك في فيلم ببطولة أحمد السقا وأحمد رزق كان الفشل مصير الفيلم، حيث جاء في تقرير على موقع العربي الجديد تحت عنوان [حقيقة إيقاف فيلم "سري للغاية" بأوامر من السيسي، يونيو 2018م]، أن أنباء مفادها أن فيلم "سري للغاية" لن يرى النور، وذلك بعد أن شاهده مقرّبون من قائد الانقلاب وأبدوا استياءهم من مستواه.

الفيلم الذي يؤدي فيه أحمد السقا دور السيسي كان من المفترض أن يكون أبرز بند في خطة الترويج لمهزلة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إلا أن شخصيات نافذة لدى الانقلاب اعترضت على الفيلم، وانتقدت خروج العمل بصورة متواضعة، رغم كل التسهيلات والإنفاق الذي خُصص له.

وتردد أيضاً أن أداء السقا لدور السيسي كان من أبرز أسباب القرار، خصوصاً مع غياب أوجه الشبه في الملامح بين الشخصين. فيما ضاعفت محاولات السقا تقليده بشكل كاريكاتوري المخاوفَ من تحوّل الأمر إلى فضيحة كتلك التي جرت بعد تسريب الصور الأولى من شخصيات الفيلم، واضطر السقا حينها للرد بخطاب مفكك وغير مقنع زاد الهجوم عليه.

ويرى الناقد الفني حسام الغمري: أن فيلم "سري للغاية" استمرارً لنهج الحكام العسكريين الذين اعتادوا اللجوء للسينما لتمجيد أنفسهم وتشويه تاريخ المعارضين، وأن الفيلم سيخصم من رصيد السقا كفنان لدى جمهوره لاسيما الشباب.

وترى المخرجة شيرين غيث في إنتاج فيلم بهذه التكلفة التي تبدو ضخمة، استنساخاً لطريقة عبدالناصر في تمجيد الحكم العسكري وتشويه الخصوم، وهو ما يحتاجه السيسي، بمحاولة استدعاء صورة البطل الشعبي المنقذ.

والمعضلة برأيها تكمن في أن الفيلم السياسي الدعائي لا يحقق عوائد للمنتجين، وهنا سيكون على النظام إما إنتاجه من ميزانية الدولة المنهكة، وإما بأموال المنتجين التابعين للنظام، الذين سيعتبرون خسائرهم قرباناً للنظام المعادي لحرية التعبير الفني عموماً.

لم تختلف السينما السياسية المصرية بعد أحداث 30 يونيو عن السمة التاريخية التي ارتبطت بها طوال 60 عامًا، فهاجمت بضراوة فترة الثورة وعهد «محمد مرسي»، ظهر ذلك جليًا في فيلمي «المشخصاتي 2» و«الجزيرة 2».