في صبيحة يوم الجمعة 10 مايو من عام 2019م الموافق 5 رمضان من عام 1440هـ نشرت صحيفة مكة السعودية قائمة - لما زعمت أنها - لـ "40 إرهابيا" حول العالم تأثروا بأفكار جماعة الإخوان المسلمين التي وصفتها بـ" الإرهابية". 

وقالت صحيفة "مكة" نقلا عن موقع "CEP"، إن الإخوان لديهم روابط أيديولوجية مع الجماعات "الإرهابية" العنيفة، مثل القاعدة وداعش والنصرة وغيرها.
 
وأضافت الصحيفة  أن الجماعة التي تأسست في مصر عام 1928 ونشرت فروعا لها في العالم، أثرت بشكل مباشرة على عدد من قادة الإرهاب البارزين الذين خرجوا من تحت عباءتها.
 
وحملت الصحيفة "الإخوان" مسؤولية أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، حين قالت إن الجماعة التي تعد أقدم جماعة أيديولوجية منظمة، ألهمت مؤسسي القاعدة من خلال أفكار زعيمها سيد قطب الداعية للجهاد العنيف، وكان الباعث الحقيقي لأحداث 11 سبتمبر، وضرب برجي التجارة العالمية، وكثير من الحوادث الإرهابية.
 
ومن أبرز الذين ذكرتهم الصحيفة في القائمة، الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وسيد قطب الذي وصفته بأنه الزعيم الحقيقي للإخوان، والرئيس المصري المعزول محمد مرسي، والأكاديمي اليمني الشهير عبد المجيد الزنداني مؤسس جماعة الإخوان في اليمن، ومحمد ضيف القائد العام لكتائب القسام، وغيرهم(1).
 
وكان لابد لنا بعد هذا التحول في السياسة للوقوف على محور هذه الاتهام والتي تتزامن مع علو لغة اليمين المتطرف في العالم حول الاسلام وأهله، والأسباب التي تدفع بدولة إسلامية لإعلان العديد من المجاهدين كإرهابين ومحاولة تحميل الجماعة مسؤولية أحداث 11 سبتمبر التي وقعت بأمريكا، رغم أن الجميع يعلم ضلوع السعودية فيها، وأن قانون جاستا سن من اجل تورط السعودية وأفراد منها في هذا الحادث، ولم يأتي ذكر الإخوان فيها أبدا بل قام الإخوان وقتها بالتنديد بهذا الحادث الأليم.
 
لقد ندد الإخوان بالحادث حيث جاء بيان المرشد العام الأستاذ مصطفى مشهور: إن الإخوان المسلمين وقد راعهم ما حدث بالأمس فى الولايات المتحدة الأمريكية من قتل ونسف وتدمير ، واعتداء على مدنيين أبرياء . ليعربون عن عميق أسفهم وحزنهم ، ويستنكرون بكل حزم وشدة هذه الحوادث التي تتعارض مع كل القيم الإنسانية والإسلامية ، ويعلنون استنكارهم ومعارضتهم لكل عدوان على حياة البشر وحرية الشعوب وكرامة الإنسان في جميع أنحاء العالم .
 
الإخوان المسلمون بيان الجماعة في 24 من جمادى الآخرة 1422هـ - 12 من سبتمـــبر 2001م(2).
 
علاقة الإخوان بالمملكة السعودية
 
كانت المملكة العربية السعودية عبارة عن قبائل وكل قبيلة تنشر نفوذها على مناطق معينة، وفي هذا الجو ظهر الشيخ محمد بن عبدالوهاب والذي ولد عام 1703م وتوفي عام 1791م وأسس الحركة الوهابية والتي رعاها محمد بن سعود، وهكذا التقت السلطة الدنية والتي تحميها قوة السلطان.
 
وعندما جاء عبدالعزيز آل سعود ووحد هذه الممالك عام 1926م تبنى الفكر الوهابي في بلده، وكانت تعرف البلاد بالحجاز حتى أطلق عليها رسميا اسم المملكة العربية السعودية عام 1932م، وكانت العلاقة بين مصر والسعودية في ذلك الوقت متوترة خاصة بعد حادث المحمل الذي أراد كل ملك سواء الملك السعودي أو الملك فؤاد الأول أن تكون له اليد الطولى عليه.
 
ويعد أول اتصال بين جماعة الإخوان والسعودية حينما اتصل الأستاذ محب الدين الخطيب بالإمام الشهيد وعرض عليه السفر للعمل كمدرس في المعاهد السعودية، وكان ذلك في نوفمبر 1928م بالإمام البنا للسفر إلى المملكة السعودية للتدريس فيها، إلا أن الموضوع لم يتم بسبب عدم اعتراف الحكومة المصرية بحكومة السعودية في ذلك الوقت تحت ضغط من إنجلترا (كما جاء في مذكرات الشيخ البنا).
 
إلا أن الواقع الذي تعيشه المنطقة الشرق أوسطية منذ انقلاب الجيش على أول رئيس مدني منتخب في مصر عام 2013م بمباركة ومعاونة السعودية والإمارات، دفع كتابهم ومراكزهم إلى محاولة تبرير هذا الانقلاب وأسباب دولهم في معاونة الانقلاب، بل شنوا هجمة في تشويه التاريخ والواقع لصالح ملوكهم وأمرائهم وصلت باتهام الشيخ البنا بأنه يهودي ماسوني، ولذا دفعنا البحث في الصحف السعودية القديمة لنظهر حقيقة وضعية حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين، ومواقف الحكومة المصرية تجاه الشيخ حسن البنا، الذي يتهمه الآن صبيان الملك بأنه يهودي مغربي.
 
بداية الاتصال بين الإخوان والسعودية
 
كان أول اتصال بين الشيخ البنا وبين مؤسسات الدولة السعودية الجديدة، حينما اختير للتدريس في السعودية من قبل الشيخ حافظ وهبة - مستشار الملك ابن آل سعود - وكان ذلك في نوفمبر 1928م في جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة، والتي لم يفكر حسن البنا للانتقال إلى السعودية للعمل كمدرس فحسب، لكن وضع للشيخ شرطا وهو [ألا أعتبر موظفا يتلقى مجرد تعليمات لتنفيذها، بل صاحب فكرة يعمل على أن تجد مجالها الصالح في دولة ناشئة هي أمل من آمال الإسلام والمسلمين، شعارها العمل بكتاب الله وسنة رسوله وتحري سيرة السلف الصالح  وأما ما عدا ذلك من حيث المرتبات والامتيازات المادية وما إليها فلم أجعله موضع حديث فيما بيننا، وقد أظهر سروره لهذه الروح ووعدني أنه سيقابل وزير الخارجية ويتفاهم معه في هذا الشأن ويفيدني](3)، إلا أنه لم يتم السفر لعدم اعتراف الحكومة المصرية - آنذاك - بحكومة السعودية الجديدة، وصراع الخلافة الزعامة بين الملك فؤاد والملك عبدالعزيز بن آل سعود.
 
أضف لذلك موقفا أخر جرى في بداية عهد الجماعة والدولة السعودية حيث قام الشيخ حسن البنا – المرشد العام – يرافقه الشيخ مصطفى الطير الحديدي - وكيل مكتب الإرشاد - والأستاذ فتح الله درويش أفندي، والأستاذ أسعد أفندي راجح – عضوا المكتب – بزيارة السيد عباس القطان - محافظ المدينة المنورة - بمناسبة نجاح العملية التي أجراها في مصر في إحدى عينيه على يد الطبيب محمد بك صبحي، حيث تحدثوا عن شئون الحجاز والمسلمين عامة، ثم استأذنوا من سعادته فودعهم إلى سلم الفندق شاكرًا للإخوان المسلمين على حفاوتهم به، ووعد أن يرد الزيارة لهم في مكتبهم العام(4).
 
بل حينما تعرضت المدينة المنورة لأزمة ومجاعة بادر الإخوان بتقديم المساعدات المادية للمستغيثين من المسلمين، من ذلك تأليف لجان لجمع التبرعات من المساجد والمصالح الحكومية لأهل المدينة المنورة، بمجرد معرفة الإخوان بحاجتهم إلى المال، وقد ورد ذلك في تقرير سكرتير المكتب محمد أسعد راجح عن أعمال المكتب في العام المنصرم(5).
 
كما ورد في جريدة الإخوان أن حضرة الشيخ محمد شكر الزيني بالمدينة المنورة قد افتتح مدرسة للتعليم "مجانًا" وجعل برنامجها كبرنامج معاهد حراء التابعة لجمعيات الإخوان المسلمين، وقد أرسل يطلب إلى الإخوان إرسال برامج الدراسة واللائحة، والقانون.. إلخ، ويخبرهم أنه كون مجلس إدارة يعاونه فيه صديقه حسين أفندي عزي المحامي بشارع الساحة بالمدينة يقوم على نشر تلك المبادئ والأهداف التي تبناها الإخوان(6).
 
وحينما وقعت الحرب بين اليمن والمملكة السعودية الناشئة عام 1924م بسبب إمارة الأدارسة والتي تحولت لحرب ضروس بين المملكتين عام 1934م والتي انتهت باتفاقية الطائف في نفس العام، حيث قام الجيش السعودي بموجبها بالانسحاب من الحديدة وحجة وتراجع جيش المملكة المتوكلية اليمنية من نجران عام 1934م، واعتراف كل طرف باستقلال وسيادة الطرف الآخر، وقاموا بتعين الحدود بينهما، وفي 12 يونيو 2000م، تم توقيع معاهدة نهائية لترسيم الحدود بين المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية تضمنت التزام الطرفين بمعاهدة الطائف.
 
وبهذه المناسبة كتب الشيخ حسن البنا عن سعادته بذلك، تحت عنوان: "في الجزيرة العربية معاهدة الطائف بين الإمامين ربح للمسلمين والعرب جميعًا" قال فيه: تتبعنا حوادث الجزيرة العربية بكل دقة واهتمام لأنها الحوادث التي يخفق لها قلب كل مسلم، وتحتل من نفسه وتفكيره المكان الأول وأمسكنا عن الكتابة عنها لنفسح المجال لوفد المؤتمر الإسلامي ولمساعي كبار المسلمين الطيبة حتى تثمر ثمرتها المطلوبة، ولقد كان سرورنا عظيمًا حين انتهت الحوادث على هذا الشكل من الاتفاق الودي وأثمرت تلك المعاهدة الموفقة إن شاء الله تبارك وتعالى.
 
وقد كان الإمام البنا حريصًا كل الحرص على الصلح بين الطرفين مما دفعه إلى الرد على كل من يحاول أن ينتقص من هذا الاتفاق الذي تم بينهما، ففي نفس المقال السابق كتب يرد على من يدعي الحاج "عبدالله فلبي" وهو مسلم إنجليزي وصديق للإمام ابن سعود حيث حاول من خلال كتاباته في صحف إنجلترا أن يعيد الخلاف ويعكر صفو العلاقة الودية بين الإمامين، يقول الإمام الشهيد: "وإنك لتقرأ نصوص تلك المعاهدة فتمتلئ نفسك سرورًا وإعجابًا وفرحًا واغتباطًا بما وفق إليه الطرفان المتعاقدان من حسن السياسة وقوة الإيمان، والمرونة في سبيل المصلحة والمحافظة كل المحافظة على الوحدة الإسلامية العربية، وقد تجلى هذا المعنى واضحًا في كل نص من نصوصها فهي ولا شك ربح عظيم للعرب وللمسلمين.
 
ولكن الحاج "عبدالله فلبي" المسلم الإنجليزي وهو صديق الإمام ابن سعود والذي أولته البلاد العربية نعمتها التي ينعم بها من ثروة ومال وعز وجاه يحاول بما يكتب في جرائد إنجلترا أن يعيد الخلاف خدعة، وأن يعكر صفو العلائق الودية وأن يثير الفتنة من جديد، وهو فيما يدعيه غير محقق وإنما يستعين على قصده بالأساليب المرنة والخلابة اللفظية.
 
فنحن نقول للحاج عبدالله اتق الله لأن الإسلام الذي اعتنقته واستظللت بظله يأمرك بهذا ويفرض عليك أن تكون داعية إصلاح لا تفريق، فإن لم يكن للإسلام فلأنك صديق للملك ابن سعود وأقل واجبات الصداقة أن تفرح لانتهاء مشكلة كانت ستكون شغلة للطرفين معًا فإن لم تكن لصداقتك للملك ابن سعود فليكن ذلك للأمة العربية التي غمرتك بخيرها ووسعتك في أرضها، وإني مع هذا ضعيف الأمل في أن الحاج "عبدالله فلبي" سوف يكف عما يفعل(7).
 
وعلى الرغم من الادعاءات التي يكتبها الصحفيون السعوديون والإماراتيون وغيرهم نقلا عن بعض بعضًا بأنه تم لقاء بين الملك عبد العزيز آل سعود والشيخ البنا عام 1936م والذي طلب فيه البنا إنشاء فرع لجماعة الإخوان المسلمين في السعودية، فكان جواب الملك عبد العزيز ذكيا ودبلوماسيا حين رفض الطلب قائلا للبنا: "كلنا إخوان مسلمون".
 
وعلى الرغم من أن صحف الإخوان أو كتابهم لم يتطرقوا لمثل هذا القول، ولا أن البنا طلب من الملك عبدالعزيز مثل هذا الطلب لوقوفه الجيد على طبيعة الوضع القائم في السعودية، سواء من انتشار الوهابية التي يرعاها حكم آل سعود، إلا أن صحف الإخوان ذكرت عام 1937م أسماء مندوبين لها في أماكن متفرقة في السعودية، حيث ذكرت أن الحجاز كانت دائرة وبها عدد من الشعب ومنها:
 
1- شعبة مكة المكرمة ورئيسها الشيخ عبد السلام غالي – مدير أوتيل مكة
 
2- شعبة المدينة المنورة ورئيسها السيد حسن عزي – المحامي
 
3- شعبة جدة ورئيسها الشيخ محمد حسين نصيف(8).
 
وهذا ما يجعلنا نقتفي أثر الصحف السعودية التي تناولت علاقة الإخوان وموقفهم مع المملكة السعودية منذ بدايتها، لنضع أمام الصحفيين والكتاب والباحثين حقيقة جذور
العلاقة من البداية.
 
صحيفة أم القري والإخوان
 
قبل الخوض في البحث يجب أن نتعرف على صحيفة أم القرى، والتي وضع حجر أساسها الملك عبد العزيز آل سعود حيث خرج أول عدد منها يوم الجمعة 15 جمادى أول 1343هـ، الموافق 12 ديسمبر 1924م، حيث اعتبرت إحدى الصحف الرسمية في المملكة العربية السعودية والتي كانت تصدر في مكة المكرمة، وأخذت أهميتها بأنها أولى الصحف في العهد السعودي وكانت لمدة ٣ عقود هي الجريدة التي تعد بمثابة المرجع الأساسي والموثوق لكل من يرغب في التعرف على ملامح الثقافة والفكر والأدب والتاريخ للدولة السعودية منذ نشأتها وهي ذاكرة الثقافة وتعد نموذجاً للحراك الثقافي والاجتماعي بالسعودية(9).
 
وقد تناوب عليها رؤساء تحرير في فترها الأولى وهم:
 
1. يوسف ياسين من سنة 1343هـ إلى سنة 1347هـ ( 1924ـ 1928م).
 
2. رشدي ملحس من سنة 1347هـ إلى سنة 1349هـ (1928 ـ 1930م).
 
3. محمد سعيد عبدالمقصود من سنة 1350هـ إلى سنة 1355هـ (1931 ـ 1936م).
 
4. فؤاد شاكر من سنة 1355هـ إلى سنة 1359هـ (1936 ـ 1940م).
 
5. عبد القدوس الأنصاري من سنة 1359هـ إلى سنة 1360هـ (1940 ـ 1941م)(10).
 
وبعد نشأة جماعة الإخوان وانتقالها للقاهرة، وضعت الجماعة لائحة الحج لتنظم هذه الزيارات والهدف منها، والتي اعتمدها مجلس الشورى العام الثالث للإخوان المسلمين المنعقد في القاهرة بتاريخ 12 من ذي الحجة 1353هـ الموافق 17 من مارس 1935م؛ حيث حرص الإمام البنا على أداء فريضة الحج، ودعا الإخوان لأدائها سنة 1354هـ / 1936م فلبى دعوته على الفور مائة من الإخوان المسلمين كان منهم ثماني عشرة امرأة، وكانت أول اتصال للإخوان بالعالم الخارجي(11).
 
على الرغم من كون الشيخ حسن البنا وجماعته كان مجهولين - على حسب ادعاء الباحثين السعوديين والإماراتيين والمصريين المعاديين للإخوان - إلا أن صحيفة أم القرى - الصحيفة الرسمية للدولة السعودية آنذاك - اهتمت بالشيخ حسن البنا وجماعته، فنشرت تحت عنوان: "على الرحب والسعة" تقول: "وصل على الباخرة كوثر التي أقلت الفوج الأخير من الحجاج المصريين كثير من الشخصيات المصرية المحترمة لم تسعفنا الظروف بالتعرف إليهم إلا بعد صدور العدد الماضي وإنا نذكر منهم الأستاذ الكبير حسن أفندي البنا المرشد العام لجمعية الإخوان المسلمين، ومدرس بالحكومة المصرية، والشيخ حامد عسكرية واعظ مركز شبين الكوم ومن علماء الأزهر، والشيخ عبدالله سليم بدوي رئيس مدرسة أولية، ونائب الإخوان المسلمين بأبي صوير، وإبراهيم أفندي يوسف، وأحمد أفندي محمد عطية وهما من المدرسين بالحكومة المصرية، ومحمد أفندي سالم كاتب بمصلحة الري بالقناطر الخيرية، والحاج محمد إبراهيم مندوب الإخوان المسلمين بالمرج، والحاج محمد الخضراوي مقاول بالقاهرة، ولبيب أفندي سيد أحمد كاتب أول مركز طوخ، وعلي أفندي صالح بمستشفى الرمد بمصر وجميع هؤلاء أعضاء في جمعية الإخوان المسلمين.
وقدم على الباخرة كوثر أيضًا الأستاذ عبد الوهاب أفندي خضير صاحب مطبعة ومكتبة خضير المشهورة في القاهرة، والسيدة لبيبة أحمد صاحبة مجلة النهضة النسائية، وقدم من الهند الأستاذ الفاضل أبو حمد حافظ عبدالله مدير جريدة تنظيم أهل الحديث فنرحب بهم جميعًا"(12).
 
وحينما أقام الشباب العربي السعودي ندوة أدبية في أوتيل مكة، مثل الإخوان فيها الأخ محمد أفندي عبد العزيز خاطر الذي ألقى قصيدة بعنوان: كفانا لنيل العز دين محمد، وقد نشرتها صحيفة أم القرى والتي جاء فيها:
 
وقفت على الإخوان روحي ما دعوا إلى الله لم يخشوا نذيرًا وجاهدا
 
إذا مدت الآلام في الحق لي يدا مددت لها من كل جارحة يدا
 
أجيبوا شباب العرب دعوة صادق فإن سعيدًا من يلي دعا الهدى
 
وهبوا فقد نمتم وطال رقادكم فهذا ضياء الشمس للعين قد بدا(13).
 
الإخوان في مؤتمر الشباب العربي السعودي
 
وبعد انتهاء مراسم الحج دعا الشباب العربي السعودي لحضور حفله السنوي المقام بمنى الشخصيات البارزة من الحجاج ورؤساء البعثات من الأقطار المختلفة، وكان حاضرًا عن مصر الدكتور محمد حسين هيكل، وكان ذلك في اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة وقد بدأ الاحتفال في الموعد المحدد في الساعة الثالثة بعد الظهر وتبارى فيه الخطباء والمدعوون، حيث ألقى الشيخ حسن البنا كلمة نقلتها جريدة أم القرى كاملة تحت عنوان [خطاب الأستاذ الكبير حسن أفندي البنا]حيث جاء فيها:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، فلست بالخطيب الرسمي في حفلكم هذا الميمون وها أنتم ترونني بينكم بملابس المناسك وإنما هي سنة مباركة استنها الشباب العربي السعودي وفقه الله وأيده، له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة سنة دعوة الحجيج إلى التعارف والتآلف وتبادل الآراء والأفكار فيما فيه صلاح الحجاز، الوطن الإسلامي المقدس أولا وما فيه سعادة الأقطار الإسلامية ثانيًا.
 
أيها الشباب العربي الكريم: لا تستصغروا أنفسكم، ولا تحقروا مهمتكم، فإنكم أساتذة العالم وأئمة الشعوب، وأمناء الله على هدايته العظمى للبشرية كلها، ولئن تعالت أصوات الغرب من كل جانب: ألمانيا فوق الجميع، وإيطاليا فوق الجميع، وسودي بريطانيا واحكمي، وكانت تلك كلمات اخترعوها لأنفسهم، وابتدعوها يريدون بها التهام الضعفاء والعدوان على الآمنين، فإنكم أنتم يا شباب العروبة والإسلام أحق الناس بهذه النعوت والأوصاف لا بدعة تبتدعونها ولا خدعة تستترون وراءها ولكن حقًا مقدسًا سجله الله لكم في كتابه يوم أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110] لا لتستبدوا بحقوق الضعفاء ولا لتعتدوا على الآمنين ولكن كما قال الله تعالى: (تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) [آل عمران: 110] وثقوا يا إخواني أني حينما أخاطب شباب العروبة لا أريد للعروبة ذلك المعنى الضيق المحدود الذي يحصرها في قطر من الأقطار، ولكن أريد ذلك المعنى الفسيح الرحب الذي يضم كل شبر أرض فيه مسلم يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
 
إن العروبة لفظ إن هتفت به فالشرق والضاد والإسلام معناه
 
أيها الشباب العربي الكريم: إن الله تبارك وتعالى قد اختار نبيكم لهداية البشر كافة فهو صلى الله عليه وسلم أستاذ الإنسانية وقد بلغكم الرسالة وأدى إليكم الأمانة وترككم من بعده لتتموا ما بدأ به، فأنتم أساتذة الإنسانية من بعده، والله تبارك وتعالى يقول: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة: 143].
 
فاذكروا دائمًا أنكم ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وورثة الغر الميامين من بعده من صحابته(14).
 
كانت هذه هي الزيارة الأولى للشيخ البنا وإخوانه إلى السعودية، والتي لاقى ترحيب سواء في الأوساط الرسمية أو الإعلامية السعودية.
 
وبعدما أقر الإخوان لائحة الحج الجديدة في عام 1944م قرروا أن يوفدوا بعثة رسمية للأقطار الحجازية للحج، تمثلهم وتدعو لفكرتهم، وتوثق الصلات بينهم وبين الزعماء العرب والمسلمين، وكان على رأسها مرشد الإخوان الشيخ حسن البنا.
 
وفي هذه الرحلة حدثت مستجدات على الواقع حيث بعد أن كان الإخوان يحضرون المؤتمرات في السنوات السابقة، قاموا بعمل مؤتمر عاما بعدما انتهت مناسك الحج وقبل أن يغادروا الأراضي المقدسة عائدين إلى الأراضي المصرية، وقد حرص العديد من وزراء ووجهاء المملكة السعودية على حضور المؤتمر كان على رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير منصور وزير الدفاع للمملكة العربية السعودية، والأمير عبد الله الفيصل نيابة عن جلالة الملك عبد العزيز، كما كبار رجال الأعمال بمكة والقائمين بشئونها الحكومية والتجارية والعملية، كما دعت الإخوة الأفاضل مبعوثي الأقطار الإسلامية كالهند وفلسطين والمغرب وبلاد الشام، وقد انعقد المؤتمر في فندق شركة مصر للملاحة البحرية "بنك مصر" إحياءً لسنة الحق -تبارك وتعالى- في فرض الحج بأن يكون برلمانًا جامعًا، ومؤتمرًا عامًا للمسلمين يتلاقون فيه؛ فينظروا إلى أحوالهم، ويحاولوا رسم خطة عملية لأمورهم.
 
وقد خطب في هذا الحفل سعادة صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين، والأستاذ نمر الخطيب رئيس جماعة الاعتصام بفلسطين، وشاعر جلالة الملك عبد العزيز السيد أحمد الغزاوي، والشاعر أحمد العربي(15).
 
وقد تكلم فيه الشيخ البنا حيث شكر حضور الأمير منصور وزير الدفاع للمملكة العربية السعودية، والأمير عبد الله الفيصل نيابة عن جلالة الملك عبد العزيز.
 
ثم ذكر أن الإسلام استوعب كل القوانين في أروع صورها؛ عقيدة سليمة، وعبادة صحيحة، وأحكام عادة، جعل العربي أخًا للصيني والصيني أخًا للهندي، ولكن اتصالنا بالأمم الأجنبية أضعف فينا الخلق الإسلامي والفكر الإسلامي؛ ففسدت أخلاقنا، ووهنت عقائدنا، وضلت عبادتنا بالتقليد الأوروبي والفلسفة والزندقة؛ فأصبحت الأمة القوية الحرة المستقلة تضعف أخلاقها وتنحل قوتها، ولكن رحمة الله الذى تكفل لدينه بالنصر ولشريعته بالحفظ أراد أن يعيد الإسلام روحًا من قوته ونورًا من هدايته .. وإن من واجبنا أيضًا وأمتنا أن نطالب بحريتنا؛ فإن كانوا يريدون سلامًا فنحن كذلك نريد السلام، ولن يكون سلام حتى يعترفوا لنا بحقوقنا، وإن قضايانا كثيرة؛ قضية سوريا ولبنان والهند وما إليها من البلاد الإسلامية المستعبدة .. وإذا اجتمعت حكمة الشيوخ مع شدة الشباب؛ فسننتصر إن شاء الله، وسيكون رائدنا الحق، والحق أحق أن يتبع، ولن نهن في طلبه ]وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ[ [آل عمران: 139](16) .
 
ولقد انتهز الإخوان فرصة تواجد علماء البلاد الإسلامية المختلفة، فاجتمعوا بهم ورفعوا إلى الحكومة العربية السعودية مذكرة تطالب بإصلاح أمور المناسك، وطريقة استضافة وفود الحجيج، والاهتمام بعمارة الحرمين الشريفين وتنظيمها وتنظيفها خاصة سقيا الحجيج من زمزم، ووضع مكبرات للصوت إلى غير ذلك من الإصلاحات(17).
 
ومن الأحداث التي اهتم بها الإخوان زيارة الملك فاروق إلى المملكة العربية السعودية، واجتماعه مع الملك عبد العزيز، حيث استغل الإخوان ذلك ودعوا إلى الوحدة العربية، وأكدوا أن من وسائل تدعيمها إقامة الجامعة العربية، وأن يقف العالم العربي متحدًا متساندًا في مطالبته بالحرية والاستقلال(18).
 
ومع كل ذلك نقول بأنه لم يكن للإخوان عمل منظم في المملكة العربية السعودية لوضعها، لكن كان لهم أناس وأفراد كثر ينتمون للإخوان بشكل فردي من أمثال أحمد محمد جمال الذي أوكل إليه الإخوان كتابة رسالة الحجاز، وهي صفحة من مجلة الإخوان المسلمين في الأربعينيات خصصت للحديث عن الأرض المقدسة وما يأمله الإخوان تجاهها، وكان يوقع عليها باسمه في أول الأمر(19).
 
وقد كان بعض الحجازيين يتحمسون لما يقوم به الإخوان من أعمال، ويعلنون انتسابهم لدعوتهم، كما حدث من السيد عبد الرحمن المدني مدير مدرسة التهذيب بالمدينة المنورة، وكان الإخوان يرحبون به على صفحات جرائدهم، لكنه بقي شعورًا فياضًا، وعاطفة متدفقة وحسب(20).
 
لكن مما يزيد الأمر عجبا هو ما حدث في رحلة الحج في نوفمبر1946م الموافق ذو الحجة 1365هـ حيث أقام الملك عبد العزيز ملك السعودية في هذا الموسم العديد من مآدب الطعام والاحتفالات لكبار الحجاج، ووجه دعوة خاصة لبعثة الإخوان المسلمين ثاني أيام العيد, فأحسن رفادتهم هو وأبناءه الأمراء, وتحدث الملك مع الإمام البنا حول قضية فلسطين وكيفية حلها, فقال له الإمام البنا: أنه لا يفضل تدخل الدول العربية بجيوش منظمة, بل يجب مساعدة القبائل الفلسطينية في حرب العصابات وإمدادهم بالسلاح, وقد سر الملك بذلك الرأي, كما أقام أخو الملك مأدبة عشاء للإخوان , وقد لبت البعثة الدعوة(21).
 
ولم ينس الإخوان إقامة بعض الحفلات للترحيب برجال الدولة السعودية، فقد أقامت  بعثة الحج للإخوان المسلمين حفل شاي في فندق بنك مصر بمكة المكرمة حضره الأمراء وكبار رجال الحكومة والحجاج البارزين من مختلف البلاد.
 
وفي رحلة الحج الأخيرة للشيخ البنا عام 1948م حرص أيضا على إقامة احتفالا حضره الأمراء والوزراء السعوديين وأمراء الحج، وبعدها لم يسافر الشيخ البنا للحج مرة أخرى حيث تم حل الجماعة قبل أن يغتال في 12 فبراير 1949م(22) .
 
ما بعد البنا
 
لم تنقطع صلة الإخوان بالسعودية بعد استشهاد الأستاذ حسن البنا، بل ظلت العلاقة طيبة بين الطرفين حتى أنه أثناء فترة المستشار حسن الهضيبي قام في يونيو عام 1954م بزيارة للسعودية حيث أكرم الملك عبدالعزيز وفادته وزوده بطائرة لنقله للشام.
 
كما زاد نشاط الإخوان في السعودية بشكل واضح في فترة حكم الملك فيصل بن عبد العزيز ملك السعودية في الفترة بين (1964 - 1975)، خاصة حينما حكم عبدالناصر على الشهيد سيد قطب ورفاقه بالإعدام شنقا، حيث حاول الملك فيصل التدخل لدى عبد الناصر لتخفيف الحكم غير أن عبد الناصر تجاوز عن ذلك واعدم سيد قطب ورفاقه، مما دفع الملك فيصل بطباعة مؤلفات الشهيد سيد قطب ونشرها على نطاق واسع حاصة كتابه في ظلال القرآن الكريم.
 
بل أن السعودية فتحت أبوابها لجموع غفيرة من الإخوان المسلمين والذين عملوا في المؤسسات التعليمية، ومن أبرز الشخصيات التي عملت فيها الشيخ مناع خليل القطان (الذي أصبح فيما بعد الأب الروحي للإخوان في المملكة)، والشيخ عشماوي سليمان، ومصطفى العالم.. وعبد العظيم لقمة وغيرهم.
 
والسؤال: هل استقظت السلطات السعودية فجأة فاكتشفت أن هؤلاء الرموز والمجاهدين الذين سطروا للأمة تاريخها بمداد من نور كانوا إرهابين ويدعمون الإرهاب فجأة، أم انها مغازلة من النظام السعودي لدول الغرب للمحافظة على سلطاتهم وعروشهم على أرض الحرمين؟ أم أنها محاولة من السعودية لإلصاق تهم الحادي عشر من سبتمبر بجماعات سلمية، تعمل على تحرير وطنها من التبعية الصهيونية والغربية على الرغم أن قانون جاستا يدين السعودية ونظامها، ولم يدن جماعات سليمة مثل الإخوان المسلمين.
 
المصادر
 
1-   صحيفة سعودية تنشر قائمة لـ"40 إرهابيا" بينهم الشيخ ياسين: عربي 21، https://bit.ly/2HdoNgK
 
2-   بيان الإخوان المسلمون حول أحداث 11 سبتمبر 2001م: https://bit.ly/2He1m7i
 
3-   حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر والإسلامية، 2002م، صـ89.
 
4-   حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، مرجع سابق، صـ193، 194.
 
5-   جريدة الإخوان المسلمين: السنة الثانية، أول محرم 1354هـ / 4أبريل 1935م.
 
6-   جريدة الإخوان المسلمين: السنة الثالثة، العدد 19، 21جمادى الأولى 1354هـ / 20 أغسطس 1935م.
 
7-   جريدة الإخوان المسلمين: السنة الثانية، العدد 9، 23ربيع الأول 1353هـ.
 
8-   جريدة الإخوان المسلمين: السنة الخامسة، العدد 4 ، 2 من ربيع الثاني 1356هـ الموافق 11يونيو 1937م.
 
9-   منصور ابراهيم حازمي: صحيفة أم القرى من سنة ١٣٤٣هـ الى سنة ١٣٦٥ هـ (١٩٢٤-١٩٤٥م)، مطبوعات جامعة الرياض, 1974م.
 
10-   الموقع الرسمي لصحيفة أم القرى: https://bit.ly/2FdhqFf
 
11-   جريدة الإخوان المسلمين: السنة الرابعة، العدد 6 ، 28 صفر 1355هـ / 19 مايو 1936م.
 
12-   جريدة أم القرى: الجمعة 19ذو الحجة 1354هـ / 14 مارس 1936م.
 
13-   جريدة أم القرى: الجمعة 26ذي الحجة 1354هـ / 21 مارس 1936م.
 
14-   جريدة أم القرى: الجمعة 19ذو الحجة 1354هـ / الموافق 14مارس 1936م.
 
15-   أنور الجندي: مع بعثة الحج للإخوان المسلمين عام 1364هـ ، دار الطباعة والنشر الإسلامية، القاهرة، 1365هـ / 1946م، صـ44، 45.
 
16-   مجلة الاعتصام: السنة السابعة، العدد 14 ،14 صفر 1365هـ / 17يناير 1946م، صـ4 : 6.
 
17-   أنور الجندي: مرجع سابق، صـ44-47.
 
18-   مجلة الإخوان المسلمين: العدد 53، السنة الثالثة، 1ربيع الأول 1364ﻫ- 14 فبراير 1945م، صـ2.
 
19-   المرجع السابق: العدد 69، السنة الثالثة، 29 رمضان1364ﻫ- 6 سبتمبر 1945م، صـ15.
 
20-   جريدة النذير، العدد 9، السنة الثانية، 27 صفر 1358ﻫ- 18 أبريل 1939م، صـ19-20.
 
21-   تسجيلات الحاج محمد مصطفى أبو السعود – أحد الرعيل الأول للإخوان ومن المشاركين في رحلة الحج عام 1946م
 
22-   عباس السيسي: حسن البنا مواقف في الدعوة والداعية, دار التوزيع والنشر الإسلامية, 1422هـ - 2001م، صـ291.