الأيام تمضي سريعًا، ولكن ما من أيام العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله تعالى من الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة، وهي نفسها التي تهلُّ علينا في الأيام القادمة، وتفتح أمامَنا طريقَ الرحمة والمغفرة، خصوصًا أن فيها يوم عرفة، وهو اليوم الذي يَعتق الله فيه عبادَه من عذاب النار.. ما أحوجَنا إلى أن نعرِّض أنفسَنا لفضل هذه الأيام العظيمة، ونتقرَّب إلى الله فيها بالأعمال الصالحة والدعاء!! وقد رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حديثٌ عن فضائل الأعمال في هذه الأيام فقال: "ما من أيام العملُ الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام" فسألوه: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! فقال: "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله ثم لم يَعُد منهما بشيء".

ولكن ما أفضل الأعمال الصالحة التي يمكن أن نتقرب بها إلى الله فيرضَى عنا ويفيضَ علينا بأنوار رحمته؟!

عشرة أعمال صالحة

وكما أنها عشرة أيام، فقد عدَّ العلماء أيضًا عشرة أعمال وصفوها بأنها أفضل الأعمال التي يمكن للإنسان أن يتقرب بها إلى الله تعالى.

وأول هذه الأعمال كلها: هو الحج والعمرة، وهو أفضل ما يُعمل، ويدل على فضله عدة أحاديث، منها: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة".

وثاني هذه الأعمال: هو صيام هذه الأيام نفسها، أو ما تيسر منها، وبالأخص يوم عرفة.. ولا شك أن الصيام من أفضل الأعمال، وهو ما اصطفاه الله لنفسه كما قال في الحديث القدسي: "الصوم لي وأنا أجزي به، يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي"، ويدلل على ذلك ما قاله النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: "ما من عبد يصوم يومًا في سبيل الله إلا باعَدَ الله بذلك اليوم وجهَه عن النار سبعين خريفًا".

وثالث الأعمال: الذكر والتكبير في هذه الأيام: لقول الله تعالى: ﴿وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ (الحج: من الآية رقم 28)، وقد فسَّر العلماء هذه الأيام بأنها الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة، وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عليها بكثرة التهليل والتكبير والتحميد، وكان كثيرٌ من الصحابة يخرجون في هذه الأيام إلى السوق، فيكبِّرون ويكبِّر الناس بتكبيرهم.

أما أفضل صيغ التكبير فهي أن يردد الإنسان عبارة: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، ومن السنَّة أن يكبِّر كلُّ واحدٍ له في جميع أحواله، وهذا في جميع الأذكار والأدعية.

رابع الأعمال: التوبة والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب؛ فالمعاصي سبب البُعد والطرد، والطاعات من أسباب القرب، ففي حديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يقول: "إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرم الله عليه".

خامس الأعمال: كثرة الأعمال الصالحة، من النوافل والعبادات والصلاة والصدقة والجهاد والقراءة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونحو ذلك؛ فإنها من الأعمال التي تضاعَف في هذه الأيام، فالعمل فيها وإن كان مفضولاً فإنه أفضل وأحبُّ إلى الله من العمل في غيره وإن كان فاضلاً، حتى الجهاد الذي هو أفضل الأعمال إلا من أُهرق دمه.

العمل السادس: يشرع هذه الأيام التكبير المطلق، في جميع الأوقات من ليل أو نهار إلى صلاة العيد، ويشرع التكبير المقيَّد، وهو الذي يكون بعد الصلوات المكتوبة التي تصلَّى في جماعة، وهو يبدأ لغير الحجاج من فجر يوم عرفة، وللحاجِّ من ظهر يوم النحر، ويستمر إلى صلاة العصر في آخر أيام التشريق.

العمل السابع: تُشرع الأضحية في يوم النحر وأيام التشريق: وهي سنة أبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ حين فدى الله ولده إسماعيل بذبح عظيم، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ضحَّى بكبشَين أملحَين أقرنَين ذبحَهما بيده وكبَّر.

والعمل الثامن: نأخذه من رواية أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم؛ حيث قال: "إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحِّيَ فليمسك شعرَه وأظافره"، وفي رواية: "فلا يأخذ من شعره ولا من أظافره حتى يضحِّي"، وهذا النهي يخصُّ صاحب الأضحية فقط، ولكنه لا يعم الزوجة ولا الأولاد إلا إذا كان لأحدهم أضحيةٌ تخصه.

وهذا الإمساك عن قصّ الشعر والأظفار على سبيل الاستحباب عند بعض الفقهاء من الأئمة.

أما تاسع عمل صالح: فهو الحرص على أداء صلاة العيد وحضور الخطبة، ومعرفة أن هذا اليوم هو يوم شكر لله، وليس من علامات الشكر أن ينصرف إلى غير طريق الله مما يكون سببًا في إحباط الأعمال الصالحة.

العمل العاشر: أن يدرك الإنسان نعمة الله عليه، وأنه أعطاه الفرصة وراء الفرصة ليقترب منه ويصل حبله به، فيشكر ربه ويذكره، ويمضي غيرُه من الناس إلى الاستفادة من هذه الفرص الذهبية.

-------

* من علماء الأزهر الشريف.