يردد إعلام العسكر وتحالف الثورات المضادة، ليل نهار، في كل من السعودية والإمارات أن جماعة الإخوان في مصر انتهت إلى غير رجعة، حتى لو بقي التنظيم، سواء بسبب الضربات الأمنية أو الخلافات الداخلية أو التغيرات الفكرية.. فهل يمكن أن يأتي يوم ما وتنتهي فيه جماعة الإخوان أو تختفي من المشهد؟!

في إجابته على هذا السؤال رد الدكتور طلعت فهمي، المتحدث الإعلامي للجماعة - في حوار أجراه معه موقع "عربي 21"، في سبتمبر 2018م -: "لو كان ما يرددونه صحيحا لما رأيت منهم هجوما متواصلا على الإخوان ليل نهار. الإخوان فكرة متجذرة وكيان قائم، والفكرة لا تموت، أما الكيان فقد تعتريه عوارض طارئة ما تلبث أن تزول بإذن الله تعالى، لكنه لا يموت أيضا. يؤكد ذلك أن قوى إقليمية ودولية اتخذت من استئصال الإخوان هدفا وغاية، لكنها لم ولن تفلح بإذن الله، وقد حاول أعداء الدعوة في الداخل والخارج القضاء عليها منذ أعوامها الأولى، ولم ينجحوا في هذا المسعى. وحقائق التاريخ تؤكد ذلك".

بل يرى فهمي ما هو أكثر من ذلك، أن الجماعة حققت قفزة شعبية كبيرة في مرحلة ما بعد الانقلاب العسكري على الرئيس الشهيد محمد مرسي والمسار الديمقراطي عموما، وأن ما ذكره الأستاذ إبراهيم منير، نائب المرشد العام، بأن هناك استطلاعات رأي لمراكز رصد مستقلة، تؤكد أن شعبية الإخوان حاليا تقترب من 70% أمر تؤكده الشواهد والبراهين، وعلى رأسها مقاطعة مسرحية الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي اعتبرها بمنزلة عصيان مدني نجح نجاحا ساحقا، وهو إجراء تبناه الشعب المصري من تلقاء نفسه ليعبر عن رفضه للسلطة وسياساتها، ويؤكد تلاشي شعبيتها.

وينتهي فهمي إلى التأكيد أن "شجرة الإخوان مورقة مثمرة، ثابتة الجذور، لا يمكن اقتلاعها بعواصف الظلم والطغيان، أو الضربات التي تأتيها من هنا أو هناك. والمتابع للواقع الإعلامي اليوم يدرك أن الحديث المجرد عن جماعة الإخوان، يدل على أننا أمام تيار كبير ملك بحمد الله - وما زال- التأثير في الواقع والمستقبل، كما كان له هذا الدور في الماضي. كما أن المتابع لتاريخ الإخوان يتأكد أنه بعد 90 عاما على نشأتها وبعد كل التجارب التي مرت بها والخبرات التي اكتسبتها، يمكن القول إنها متجذرة في عمق المجتمعات ومنتشرة بين الناس بكل طبقاتهم ومستوياتهم، ولذا فهي غير قابلة للاجتثاث أو الاندثار بإذن الله".

حديث فهمي ربما يقلل منه خصوم الجماعة والمناوئون لها، لكنّ أكاديميا مرموقا في جامعات أوروبا يؤكد صحة كل كلمة قالها المتحدث الإعلامي للإخوان؛ ففي مقاله المنشور على شبكة الجزيرة نت يوم الخميس الماضي غرة أغسطس 2019م، تحت عنوان "هل سينجح استئصال الإسلاميين؟"، يقول الدكتور خليل العناني:  "على مدار السنوات الماضية؛ تم حشد الأموال والقنوات التلفزيونية وطالبي الشهرة لشيطنة التيارات الإسلامية وتشويهها، باعتبارها الخطر الذي يهدّد المجتمعات العربية. وقامت دول عديدة - كالإمارات والسعودية - بإنشاء وتمويل مراكز أبحاث وقنوات إعلامية وصحف في الشرق والغرب، ليس لها وظيفة سوى الهجوم على أي تيارٍ يحمل مرجعية إسلامية، في حين تدّعي هذه الدول أنها تمثل الإسلام الوسطي المعتدل دون سواها. كذلك تقوم هذه السلطويات الأصولية بتحريض الدول الغربية على الجماعات والجمعيات الإسلامية من أجل تصنيفها ككيانات إرهابية، وذلك على غرار ما تقوم به السعودية والإمارات ومصر في أمريكا من خلال الضغط على إدارة الرئيس دونالد ترامب لتصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية".

ويكشف العناني الحقيقة التي يحاول العسكر وتحالف الثورات المضادة إخفاءها وهو أن "الأنظمة السلطوية لا تخشى من الحركات العنيفة والراديكالية قدر خوفها من نظيرتها المعتدلة. فهذه الأخيرة - وبغض النظر عن أفكارها وأيديولوجيتها - هي الوحيدة القادرة على تهديد نفوذ الأوليغاركيات العربية الحاكمة؛ وهو ما يفسر إصرار هذه الأنظمة على التخلص منها".

حتمية الفشل

وبحسب العناني، فإن الفشل حتمي، ولن تفلح النظم السلطوية في استئصال الإسلاميين والإخوان على وجه الخصوص للأسباب الآتية:

أولا: لا يدرك هؤلاء أن القمع - الذي تمارسه النظم الديكتاتورية المستبدة - يخدم الإسلام السياسي، بمعنى أنه يقوى وينمو، ويستثمر دومًا في سردية المحنة التي يعبئ بها قواعده ومؤيديه، وذلك من أجل الحفاظ على دعمهم وتماسكهم. كذلك لا يدركون أن الإسلام السياسي ليس مجرد تيار سياسي، وإنما هو أيضا تيار شعبي ذو قواعد تنظيمية قوية - بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع أطروحاته - يصعب اقتلاعها، ولا يمكن هزيمته من خلال القمع فقط.

ثانيا: التجارب والتاريخ يؤكدان أن بلدانا كثيرة جرّبت قمع الإسلاميين على مدار العقود الماضية، ولكنها فشلت، وذلك على غرار ما فعل جمال عبد الناصر، وحافظ الأسد، وحسني مبارك، وزين العابدين بن علي، ومعمر القذافي. كما أثبتت التجربة التاريخية أيضا أن الإسلاميين يعودون أكثر قوة في كل مرّة يتعرضون فيها للقمع والتنكيل، ومن الواضح أن هذه السلطويات لا تقرأ التاريخ ولا تفهم دروسه، بل تصرّ على اجترار تجاربه كما هي، من دون تعلّم أو فائدة سوى تبديد أموالها وثرواتها، كما أنها تسعى لتوسيع رقعة الاحتراب والانقسام الأهلي في أكثر من بلد عربي، كما هي الحال في سوريا واليمن وليبيا ومصر.

ثالثا: المدهش حقًّا - بحسب العناني - أن تنخرط السلطويات العربية في حربٍ على الإسلام السياسي، في الوقت الذي تحضّر فيه حالها لشن حرب على إيران. وهو ما يكشف حجم الغباء السياسي والاستراتيجي لدى هذه السلطويات، ومن يفكّرون ويخططون لها. 

فمن شأن ذلك أن يدفع كلا الطرفين (إيران والإسلام السياسي) للتحالف معًا ضدها، وذلك رغم الاختلافات الأيديولوجية والطائفية بينهما، متوهمين أن بوسعهم كسب المعركتين في الوقت نفسه. وهم جميعًا (تحالف الثورات المضادة) يعيشون حالة من النشوة والسكرة؛ بسبب وجود دونالد ترامب رئيسًا في البيت الأبيض، ويعتقدون أن بإمكانهم تغيير موازين القوى لصالحهم إلى الأبد، وهو أمر أقرب إلى الخيال والتفكير بالأماني، فمع غياب ترامب - وهو ما سيحدث آجلاً أو عاجلاً - وصعود رئيس آخر أقل حماقة وتهورًا؛ سوف تنقلب الموازين رأسًا على عقب، ولن يكون بإمكانهم شراؤه، واستغلال جهله بتعقيدات المنطقة؛ كما يحدث الآن مع ترامب.

رابعا: يرى العناني أن تواطؤ السلطويات العربية وتفريطها في قضايا عربية كثيرة مؤثرة - كقضية فلسطين والقدس - يمنح هذه القوى والتيارات إكسيرًا للحياة، ويزيد أسهمها في الشارع العربي.

وينتهي إلى تأكيد أنه لا جدوى إذن من الحرب على الإسلام السياسي؛ فهي خاسرة ابتداءً، ليس فقط لكونها تكرارًا لمحاولات مثيلة فشلت في تحقيق أغراضها، ولكن لكونها بالأساس تسير عكس منطق الأمور في منطقتنا.