عندما كتب الإمام البنا في كراسة التعبير رغبته أن يكون مرشدًا معلمًا للناس أمر دينهم؛ لم يدع الأمر دون عملٍ، بل صاحب القول العمل، فما إن وصل لرحاب الإسماعيلية حتى قسَّم يومه ما بين عمله ودعوته حتى أتت الدعوة ثمارها، وظهرت جماعة الإخوان المسلمين، غير أن الإمام البنا ما كان ينشئ جماعة دون تنظيم أو ترتيب، فوضع القوانين واللوائح التي تُنظم شئون الجماعة وتسير وسط الخضمِّ المتلاطم من المشكلات بأمان وبفضل الله، ثم بفضل التنظيم والترتيب وتوزيع الأعمال على كل فردٍ في الجماعة نجحت الجماعة فشعر كل فرد فيها أنها دعوته ورسالته ومهمته، ولم تكن دعوة حسن البنا فحسب، ولذا نجحت الجماعة فأصبحت كبرى الهيئات الإسلامية الداعية إلى العودة إلى الإسلام بمعناه الشامل.

والحج شعيرة من شعائر الإسلام وفريضة من فرائضه الخمس؛ ولذا اهتمَّ الإخوان المسلمون به منذ أن نشأت الجماعة، خاصةً أن الإمام البنا أعلن منذ اللحظة الأولى أن الجماعة جاءت لتعظيم شعائر الله التي جاء بها الكتاب والسنة؛ وذلك كما هو واردٌ في لائحة الجماعة عام 1928م.

وكان حرص الإمام البنا على تشجيع إخوانه للاستعداد لأداء هذه الشعيرة التي ربما تُنسى في زحمة الحياة فألَّف لها اللجان التي تصيغها، والطريقة التي يدخر بها الأخ من ماله لتوفير الزاد للسفر للأراضي المقدسة، وأن تكون في كل منطقة لجنة فرعية تسمى "لجنة الدعاية للحج"، كما أن الإمام البنا كان دائم السفر على رأس بعثة الحج لتشجيع إخوانه على السفر، ولنشر فكرته بعد أداء الفريضة ولتعريف المسلمين بحسن دينهم ولتوحيدهم ضد المستعمر.

ومن ثَمَّ اجتمع مجلس الشورى للإخوان في القاهرة في الفترة من يوم السبت 11 من ذي الحجة 1353هـ الموافق 16 من مارس 1935م حتى يوم الإثنين 13 من ذي الحجة 1353هـ الموافق 18 من مارس 1935م، وكان من ضمن قراراته تأليف لجنة مؤلفة من الشيخ محمد الهادي عطية رئيسًا، وعبد الرحمن أفندي رضا سكرتيرًا، والشيخ محمد العربي والشيخ سيد محمد مطر والشيخ مبارك غنيم والشيخ أحمد منصور والشيخ محمد علي صالح خميس ومحمد أفندي الطاهر منير أعضاء؛ لوضع أول لائحة للحج عند الإخوان المسلمين، والتي اعتمدها مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين، وقد جاء فيها:

1 - على كل أخ مسلم أن يتجهز لفريضة الحج في حدود استطاعته.

2 - الأخ المساعد يؤمر بالتجهز، والأخ المنتسب يكون له هذا الأمر عند كل مناسبة، والأخ العامل يكلف بأن يدخر من ماله جزءًا مهما كان يسيرًا، وبحسب ظروفه المالية ويوضع ما يدخره في صندوق التوفير بالبريد بدون أرباح على حساب أداء هذه الفريضة إذا لم يكن من الممكن وضعه في مكان مصون.

3- تكون في كل دائرة لجنة فرعية تسمى لجنة الدعاية إلى الحج مهمتها مراجعة اشتراكات توفير الإخوان العاملين على ذمة الحج، وأمر وتذكير الإخوان من الدرجتين الأوليين.

4- على كل شعبة من شعب الإخوان المسلمين اختيار أحد أعضائها المتفقهين في الدين لدراسة مناسك الحج لمَن يعتزمون أداء هذه الفريضة من شعبته، وعلى مكتب الإرشاد العام أن ينتدب في كل عام نائبًا عنه على نفقته من أهل الفقه والحكمة ليرشد الإخوان ويعلمهم أحكام المناسك على الأصول الصحيحة من السنة إذا لم يكن من بين الإخوان الحاجين مَن يستطيع الاضطلاع بأعباء هذه المهمة، وتسهيلاً لهذه الغاية يقوم مكتب الإرشاد العام بوضع رسالة في آداب الحج والزيارة وما يتعلق بهما من آثار الأرض المقدسة.

5- على الإخوان أن يوحدوا خطتهم في السفر تقويةً للتعارف واقتصادًا في النفقات ورغبةً في العلم وإحرازَ ثواب الاجتماع وتعاونًا على البر والتقوى، وتنشيطًا على طاعة الله إلا إذا دعت لغير ذلك الضرورة- القصوى.

6 - الأخ العامل الذي يثبت أنه قصَّر في الادخار للحج بغير عذرٍ شرعي قاهر يرد إلى مرتبة الأخ الذي قبله، ولا تكون له حقوق الإخوان العاملين، ويكون الحكم بتقصيره أو عدمه في هذا موكولاً لرأي اللجنة الفرعية المنصوص عليها في المادة الثالثة من هذه اللائحة متى وافق مكتب الإرشاد على رأيها.

7- يقوم مكتب الإرشاد بحصر كل الراغبين في الحج في دوائرهم من الإخوان وإرسال قوائم تامة بأسمائهم بعد عيد الفطر كل عام إلى مكتب الإرشاد العام لإعداد ما يلزم لوفد الحجاج من الإخوان المسلمين، بحيث لا يتأخر إرسال هذه القوائم عن اليوم العاشر من شهر شوال سنويًّا.

8- يعمل المكتب ما في وسعه للحصول على امتيازات من الحكومات المصرية والحكومة الحجازية مادية وأدبية لحجاج الإخوان رغبة في تشجيعهم وزيادة عددهم.

9 - إذا كثر الإخوان الحاجون فعلى المكتب أن ينتدب من بينهم مندوبًا إداريًّا بجانب المندوب الديني تكون مهمته قضاء مصالح الإخوان الإدارية ويكون مرجعهم جميعًا في ذلك توحيدًا للعمل وتوفيرًا للجهود، فإذا لم يكن ذلك ممكنًا فعلى المكتب أن ينتدب مندوبًا من قبله للقيام بهذه المهمة.

10- يبدأ في تنفيذ هذه اللائحة من تاريخ اعتمادها وتبلغ لحضرات النواب ونقباء الفروع للعمل بها.

ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه آمين.

رئيس اللجنة: محمد الهادي عطية           السكرتير بالنيابة: مبارك غنيم عبده

وظلت الجماعة تعمل بهذه اللائحة حتى عام 1944م، وعندما رأى مكتب الإرشاد زيادة عدد الإخوان في القطر المصري، أعاد مرةً أخرى صياغة اللائحة بما يتناسب مع ظروف ووضع الجماعة وتطورها وزيادة فروعها في شتى بقاع الأرض، فأعطى المكاتب الإدارية الصلاحية التي كانت منوطه لمكتب الإرشاد، خاصةً ما جاء في المادة السابعة والثامنة والتاسعة.

لائحة الحج عام 1944م

مادة 1: على كل أخ مسلم أن يتجهز لأداء فريضة الحج في حدود استطاعته.

مادة 2: الأخ المساعد يؤمر بالتجهز، والأخ المنتسب يكرر له هذا الأمر عند كل مناسبة، والأخ العامل يكلف بأن يدخر من ماله جزءًا مهمًا كان يسيرًا بحسب ظروفه المالية، ويضع ما يدخره في صندوق التوفير بالبريد على حساب هذه الفريضة إذا لم يكن وضعه في مكان مصون.

مادة 3: تكون في كل منطقة لجنة فرعية تسمى "لجنة الدعاية للحج"، مهمتها مراجعة اشتراكات توفير الإخوان العاملين على ذمة الحج، وأمر وتذكير الإخوان من الدرجتين الأوليين، ويصح أن تسند الشعبة هذا العمل إلى أخ مسئول من أعضاء مجلس إدارتها.

مادة 4: على كل شعبة من شعب الإخوان المسلمين اختيار أحد أعضائها المتفقهين في الدين لدراسة مناسك الحج لمن يعتزمون أداء هذه الفريضة من شعبته قبل سفرهم بوقت مناسب، وعلى مكتب الإرشاد العام أن ينتدب في كل عام نائبًا على نفقته من أهل الفقه والحكمة ليرشد الإخوان ويعلمهم أحكام المناسك على الأصول الصحيحة من السنة إذا لم يكن من بين الإخوان الحاجين مَن يستطيع الاضطلاع بأعباء هذه المهمة، وتسهيلاً لهذه الغاية يقوم مكتب الإرشاد العام بوضع رسالة في آداب الحج والزيارة وما يتعلق بهما من آثار الأرض المقدسة.

مادة 5: على الإخوان أن يوحدوا خطتهم فى السفر تقوية للتعارف، واقتصادًا للنفقات، ورغبة في العلم، وإحرازًا لثواب الاجتماع، وتعاونًا على البر والتقوى، وتنشيطًا على الطاعة، إلا إذا دعت لغير ذلك الضرورة.

مادة 6: الأخ العامل الذي ثبت أنه قصَّر في الادخار للحج بغير عذر شرعي قاهر يرد من مرتبة الأخ العامل إلى الذي قبله، ولا تكون له حقوق الإخوان العاملين، ويكون الحكم بتقصيره موكولاً لرأي مجلس إدارة الشعبة، بشرط موافقة مجلس المنطقة، فمكتب الإرشاد.

مادة 7: يقوم نواب شعب الإخوان بحصر كل الراغبين في الحج من الإخوان، وإرسال قوائم تامة بأسمائهم بعد عيد الفطر من كل عام إلى مكتب الإرشاد العام لإعداد ما يلزم لوفد الحجاج من الإخوان المسلمين؛ بحيث لا يتأخر إرسال هذه القوائم عن اليوم العاشر من شهر شوال سنويًّا.

مادة 8: يعمل المكتب كل ما في وسعه للحصول على امتيازات من الحكومة المصرية والحكومة الحجازية، مادية وأدبية لحجاج الإخوان؛ رغبة في تشجيعهم، وزيادة عددهم.

مادة 9: إذا كثر الإخوان الحاجون فعلى مكتب الإرشاد أن ينتدب من بينهم مندوبًا إداريًا بجانب المندوب الديني، تكون مهمته قضاء مصالح الإخوان الإدارية، ويكون مرجعًا لهم جميعًا في ذلك؛ توحيدًا للعمل وتوفيرًا للجهد.

وكما علمنا من قبل في مقالات سابقة أن الإمام البنا حرص على أداء فريضة الحج، ودعا الإخوان إلى أدائها فكانت أول رحلة عام 1354هـ الموافق 1936م، فلبَّى دعوته على الفور مائة من الإخوان المسلمين؛ كان منهم ثماني عشرة امرأة.

وكانت آخر رحلة للإمام البنا وإخوانه عام 1948م حيث عاد من هذه الرحلة يوم الخميس الموافق 23 من المحرم 1368هـ، 24/11/1948م، فوجد الجماعة قد دخلت طور المحنة، ولم ينقض الشهر حتى صدر قرار بحل الإخوان في 8 ديسمبر 1948م واعتقل النقراشي رجالها ومجاهديها وزج بهم في السجون.