الأوضاع الاقتصادية فى مصر تزداد تدهورا يوما بعد يوم بسبب السياسات التى ينتهجها نظام الانقلاب الدموى بقيادة عبد الفتاح السيسي منذ الانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسى أول رئيس منتخب فى التاريخ المصري فى 3 يوليو 2013

سياسات العسكر أدت إلى اغلاق المصانع والمشروعات وهروب المستثمرين وانتشار البطالة والفقر بين المصريين بصورة غير مسبوقة نتيجة تعويم الجنيه وارتفاع الأسعار وتراجع الدخول كما تسبب كل ذلك فى انتشار الأمراض النفسية وفى مقدمتها الهوس والاكتئاب ولجوء البعض الى الانتحار او ارتكاب جرائم لم يكن المجتمع المصري يعرفها قبل هيمنة العسكر على الحكم .

ومع تزايد عدد الفقراء إلى نحو 60 مليون مواطن مصرى وفق تقديرات مؤسسات دولية مقابل مزاعم نظام السيسي بان عدد الفقراء نحو 30 مليونا فقط نشبت أزمة شديدة بين صندوق النقد الدولى وحكومة الانقلاب ، بعد المؤشرات السلبية عن زيادة معدلات التضخم السنوي وتراجع معدلات النمو بالمخالفة لتوقعات الصندوق ، أثناء المفاوضات التي جرت مع مسئولي الانقلاب قبل سنوات حول قرض الـ 12 مليار دولار، وهي المؤشرات التي كشفت في النهاية أن إجراءات الصندوق أثرت سلبا على المواطن المصري الذي أصبحت معاناته المعيشية في زيادة مضطردة منذ تنفيذ البرنامج الإصلاحي للصندوق بمصر.

واستند الصندوق على تقارير دولية ومحلية عن معدلات الفقر بمصر صادرة خلال عام 2018 م، حيث كشف البنك الدولي أن الأرقام التي يقدمها نظام العسكر حول نسب الفقر وقياس معدلاته، لا تتوافق مع المعدلات التي وضعها البنك لقياس معدلات الفقر، وفي حال التزام مصر بهذه المعايير فإنها تكون في مقدمة الدول التي تشهد زيادة سريعة في معدلات الإفقار.

حياة صعبة

شبكة بلومبيرج الأمريكية من جانبها نشرت تقريرا موسعا تناولت فيه الأوضاع الاقتصادية في مصر في ظل الإجراءات التي تقوم بها حكومة الانقلاب وتحت عنوان (لا يزال الفقر يزداد في الاقتصاد الأسرع نموا في الشرق الأوسط) رسمت الشبكة الأمريكية صورة مظلمة لأوضاع المصريين الاقتصادية.

وأكد التقرير ان المصريين العاديين يعيشون حياة صعبة، حيث يعاني ثلث السكان تقريباً من الفقر، وهذا تقريباً ضعف ما كان عليه الرقم في مطلع القرن، وذلك بحسب مزاعم حكومة الانقلاب ، والتي حددت خط الفقر عند 45 دولاراً في الشهر". وقال التقرير : رغم بدء تباطؤ التضخم وتقلص عجز الموازنة، إلا إن الشركات حذرة ولا يكاد توجد استثمارات أجنبية جديدة فيما عدا في قطاعي النفط والغاز".

وتشير الشبكة إلى أن معظم المصريين "يعانون بشدة بسبب خفض قيمة العملة بما جعل الجنيه يفقد أكثر من نصف قيمته وكذلك بسبب تقليص الدعم الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل حاد. وأكد التقرير أن متوسط دخل العائلة السنوي انخفض بنسبة 20 بالمائة حينما تم تعديله ليأخذ بالاعتبار نسبة التضخم

وأوضحت بلومبيرج أن "ثقة الشركات الخاصة تبدو مهزوزة،وخاصة التي تعاني من إعاقات في أعمالها بسبب الروتين الحكومي المعقد والبنية التحتية السيئة"، مضيفة: "بحسب ما يستفاد من مؤشر مختص بمدراء المشتريات في السوق المصرية، تقلص النشاط التجاري في كل الشهور الأحد عشر الماضية فيما عدا في شهرين اثنين منها". وكشفت عن "تفاقم الفقر ومعاناة قطاع الأعمال من مصاعب جمة".

صعيد مصر

كان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد أعلن ارتفاع معدلات الفقر في البلاد إلى 32.5 في المئة من عدد السكان بنهاية العام المالي 2017/ 2018، مقابل 27.8 في المئة لعام 2015/ 2016، بنسبة زيادة بلغت 4.7 بالمئة، وهي أكبر زيادة لنسبة الفقر في البلاد منذ 19 عاماً.

فى المقابل زعمت هالة السعيد وزيرة التخطيط بحكومة الانقلاب إن السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات الفقر بنسبة 4.7 في المئة، خلال الفترة بين عامي 2016 إلى 2018، هو تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي في الفترة ذاتها، وهو ما تطلب تكلفة على المجتمع و الدولة المصرية، حسب قولها.

يشار إلى ان صعيد مصر بحسب تقرير دولى تصدر قائمة المحافظات الأكثر فقرا في الجمهورية، حيث سجلت محافظة أسيوط نسبة فقر بين مواطنيها بلغت 66.7 في المئة، تلتها محافظة سوهاج بنسبة 59.6 في المئة، ثم الأقصر 55.3 في المئة، والمنيا 54 في المئة، ثم قنا 41 في المئة.

وأشار التقرير إلى أن ما يقرب من 46 قرية في محافظتي أسيوط و سوهاج، بصعيد مصر، تتراوح نسبة الفقر فيها بين 80 إلى 100 في المئة، فضلا عن معاناة 236 قرية في سوهاج من الفقر، وهي نسبة بلغت 87 في المئة من قرى المحافظة، ما جعلها تسجل النسب الأعلى بين أفقر 1000 قرية في مصر. وأضاف أن معدل خط الفقر للفرد فى السنة المالية 2017/2018، بلغ 8827 جنيها سنويا، أو 736 جنيها شهريا، فيما بلغ خط الفقر المدقع في نفس الفترة 5890 جنيها سنويا، أو 491 جنيها شهريا، وذلك مع الأخذ في الاعتبار خصائص كل أسرة، وتركيبها العمري والنوعي ومكان إقامتها.

يذكر أن معدل خط الفقر العالمي هو 1.9 دولار يوميا للفرد، وذلك وفقا لآخر أرقام البنك الدولي وتراجع معدل الفقر العالمي، من 11 في المئة من سكان العالم عام 2013 إلى 10 في المئة عام 2015، وتوقعت تقديرات البنك أن ينخفض ذلك المعدل إلى 8.6 في عام 2018.

البنك الدولي

البنك الدولي من جانبه فضح نظام العسكر وأصدر بيانا فى شهر مايو الماضى، قال فيه إن نحو 60 في المئة من سكان مصر إما فقراء أو عرضة للفقر. وأشار البنك إلى أن ما تسميه حكومة الانقلاب إصلاحات اقتصادية أثرت على الطبقة المتوسطة، كاشفا عن وجود تفاوتات جغرافية هائلة في معدلات الفقر، إذ يتراوح بين 7 في المئة في محافظة بورسعيد إلى 66 في المئة في بعض محافظات الصعيد. 

كان نظام العسكر قد وقع اتفاقا مع صندوق النقد والبنك الدولى لما يسميه الاصلاح الاقتصادى وهذا الاصلاح ترتبت عليه نتائج كارثية حطمت آمال وتطلعات الشعب المصرى الذى اصبح أكثر من 60% لا يجد قوت يومه، وكانت أبرز معالم برنامج الاصلاح المزعوم تحرير كامل ومفاجئ لسعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، أو ما يعرف بـ"التعويم"، في نهاية عام 2016، ما أسفر عن فقدان العملة المصرية ما يقرب من 100% من قيمتها حيث يبلغ سعر صرف الجنيه حاليا نحو 16.5 جنيه مقابل الدولار، بعد أن كان 8.88 جنيه لكل دولار قبل التعويم مباشرة وبلغ التضخم معدلات قياسية ، وصلت إلى 33 في المئة بعد التعويم، لكنه تراجع مؤخرا إلى أقل من 10 في المئة، وفق أرقام حكومة العسكر. كما تضمن البرنامج زيادات متتالية لأسعار الوقود والكهرباء والمياه، وتبع ذلك زيادات في أسعار كافة السلع والخدمات.

الإصلاح الاقتصادي!

وتعليقا على هذه التقارير أكد  الخبير الاقتصادي محمود وهبة، أن غياب إحصاء نسبة الفقر في مصر "متعمد، فآخر إحصاء عن نسبة الفقر كان عن عام 2015، ومنذ ذلك الوقت لم يقم الجهاز المركزي للإحصاء بتحديث النسبة القديمة". وأشار إلى أن "تقدير عدد الفقراء يختلف حسب تعريف حد الفقر، فمصر تعرف حد الفقر بمبلغ ضئيل حوالي ثلث التعريف العالمي وهو 1.9 دولار في اليوم، وبناء عليه فخط الفقر العالمي هو مبلغ 1014 جنيها في الشهر، وليس 482 جنيها كما تحسبه مصر، ولو استخدمت هذا التعريف فغالبا فإن 80– 90% من المصريين فقراء"، مضيفا: "ولا شك لدي أن الوضع أسوأ حتى من أرقامي التقريبية".

وأرجع سبب عدم إفصاح حكومة الانقلاب عن النسبة الحقيقية للفقر إلى "الحفاظ على أكذوبة نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي المزعوم، والذي أسقط نسبة كبيرة من المصريين في مستنقع الفقر"، وأنحى باللائمة على البنك الدولي، "الذي لا يزال يعتمد على أرقام حكومة الانقلاب، فهم أيضا لا يريدون الاعتراف بفشل برنامج صندوق النقد ويشاركون في الكذبة".

شفافية العسكر

ويرى وليد مسعود الباحث الاقتصادي المتابع لنشاط صندوق النقد الدولي أن المكتب التنفيذي للصندوق بات على قناعة بأن حكومة العسكر لم تلتزم معه بالشفافية، ولم تقدم الأرقام والتقديرات والتوقعات الحقيقة لتأثيرات البرنامج الإصلاحي الذي بدأ مقابل اقتراض مصر 12 مليار دولار على 6 دفعات. مضيفا أن هناك دراسات أعدها خبراء بالصندوق عن تفاقم المشكلات الاقتصادية بالنسبة للمواطن المصري الذي وجد نفسه يدفع منفردا تكلفة البرنامج المشترك بين الصندوق والحكومة، وأن المسؤولين بالصندوق شعروا بأن تقديراتهم حول التأثيرات السلبية للبرنامج على المواطن المصري كانت خاطئة، وأن الآثار السلبية كانت أكثر من المتوقع، وهو ما أرجعه خبراء الصندوق في تقديراتهم لعدم التزام حكومة العسكر بما تم الإتفاق عليه في بداية عمل البرنامج الإصلاحي.

وحول تقديرات الصندوق لمعدلات الفقر بمصر، يؤكد الخبير الاقتصادي أن هذه المعدلات من عمل البنك الدولي وليس الصندوق، وهي تقديرات تعتمد في الأساس على ما تقدمه حكومة الانقلاب من معلومات وأرقام، ومدى التزامها بالمؤشرات التي وضعها البنك لقياس معدلات الفقر، وهو ما خالفته حكومة الانقلاب التي اعتمدت على قياس معدلات الفقر طبقا للمعيار القديم المتعلق بنسب الدخل.

ويضيف مسعود أن المعايير التي وضعها البنك حول الفقر حددت الدخل اليومي للفرد بألا يزيد عن 5 دولارات، ووضعت معه نسب التهرب من التعليم، للأطفال والبالغين، ومدى توفر خدمات البنية الأساسية من مياه وكهرباء وصرف صحي، بالإضافة للمنشآت الصحية والخدمات التي يحصل عليها المواطن، وأخيرا تراجع معدلات الجريمة بما يساعد على شعور المواطنين بالآمان.

شهادة الثقة

وكشف الخبير الاقتصادي طارق أبو الفتوح أن صندوق النقد الدولى يمارس ضغوطا على حكومة الانقلاب لتعديل الخطوات التي قامت بالتلاعب فيها، وأثرت بالسلب على المواطن المصري. موضحا أن الصندوق ليس حريصا على المصريين، ولكنه في النهاية لا يريد أن تفشل التجربة المصرية مع الصندوق لما لها من آثار سيئة على باقي مشروعاته الأخرى، ولذلك فإنه يستخدم ورقة شهادة الثقة التي يمنحها لحكومة الانقلاب، في دفعها لتنفيذ مطالبه المتعلقة بأمرين أساسيين الأول هو تحرير سعر الوقود، والثاني هو إلغاء الدعم الذي تقدمه حكومة العسكر للمستثمرين فيما يتعلق بالغاز الطبيعي.

ويؤكد أن زيادة أعداد الفقراء طبقا للتقارير الرسمية بمعدل مليوني ونصف المليون سنويا، مؤشر خطير ويضع مصر فى مقدمة قائمة الدول من حيث معدلات الإفقار ، وهو ما يعني فشل خطط الإصلاح الإقتصادي التي تتحدث عنها حكومة الانقلاب، بما ينذر بكارثة حقيقية على الأجلين المتوسط والطويل، بعد أن فشلت المسكنات الاقتصادية في فرملة الارتفاع الجنوني للأسعار. 

ويشير ابو الفتوح إلى أن أزمة نظام العسكر ليست مع صندوق النقد فقط، وإنما مع زيادة الاقتراض بشكل جنوني، ما جعل الجهات الدائنة تحصل على 10% من الناتج القومي دون عناء، بالإضافة لـ 15 % يحصل عليها الموردون الأجانب للسلع التي يتم استيرادها، أي أن ربع دخل المصريين يذهب للأجانب، وهو ما يقضي على أي خطط للتنمية والنهضة الاقتصادية.