يهل علينا عيد الأضحى المبارك كل عام مع مناسك الحج خامس أركان الإسلام، لتعلمنا قيمة الأسرة المطيعة لربها المستسلمة لتعاليمه، المضحية من أجل المبادئ والقيم، وبذلك استحقت التخليد على مدى التاريخ والذكر الحسن عبر الأمم والأجيال، فنحن نتعلم كل عام بالحج وعيد الأضحى في رحاب مدرسة رائعة، أساتذتها أفراد أسرة عظيمة مكونة من أب وأم وابن مطيعَين لرب العالمين، وهم إبراهيم عليه السلام وأمنا هاجر عليها السلام وابنهما إسماعيل عليه السلام.

مظاهر الطاعة في المدرسة

الفصل الأول: (مع الزوج الرائع والأب الطائع)..

فهو قائد الأسرة الذي جعل مهمته الأساسية في الحياة هي الدعوة إلى الله، فتارةً تجده في مصر، وتارةً تجده بالشام، وتارةً تجده بالحجاز، وشعاره الدائم ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ (الصافات: 99) هو عنوان للرضا والتسليم الكامل لأوامر الله وإن بدت في ظاهرها صعبةً وقاسيةً، ولكن قلبه المؤمن الواثق على يقين بأن العز والفوز في طاعة الله.

فهو الزوج نِعم الزوج، قائم على رعاية زوجته تعيش في كنفه، ويؤدي حقوقها ويقوم بواجباته نحوها.

وهو الأب نعم الأب، يحب الذرية والولد، ظل يدعو سنوات طويلة ﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (الصافات: 100)، وحينما يُرزق بالولد الذي طالما اشتاق إليه على رأس ستة وثمانين سنةً من عمره تأتيه أوامر ربه أن يترك أسرته السعيدة في مكان قفر لا بشر فيه ولا مظاهر للحياة، ويذهب إلى مكان آخر للقيام بواجب الدعوة إلى الله، فيطيع ويمتثل، ثم يؤمر بذبح ابنه الغالي بعدما شبَّ وترعرع فيطيع ويمتثل.

وهو الذي يقود الأسرة بالحوار والإقناع والمشاورة والتفاهم وليس بالفرض والعنف، يناقش ابنه حتى في أمر الله ﴿يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ (الصافات: 102).

وهو الذي يقود الأسرة نحو البناء وصناعة الحياة ويحول أسرته إلى وحدة إنتاج، فهذا البناء الرائع المعظَّم عبر التاريخ (الكعبة المشرفة) هو نتاج أب وابن طائعين لله.

وهو دائم الدعاء والتضرع إلى الله بأن تنجح هذه الأسرة في أداء مهمتها: ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ (إبراهيم: 37).

الفصل الثاني: (مع الزوجة المطيعة الصابرة والأم الراعية الراضية)

فهي الزوجة التي تتميز بالحب والصبر: فهي تحب زوجَها وتتمنَّى العيشَ في كنفه وتتعلق بثيابه عندما يهمُّ أن يتركها عند الحرم، ولكنها تطيع ربها وتصبر إذا علمت أن مصلحةَ دعوة الله وأوامرَه تقتضي ذهابَ الزوج عنها وتركَه الإقامة في كنفها وتقول له واثقةً راضيةً: اذهب فلن يضيِّعنا الله.

وهي الأم التي تتميز بالرعاية والفداء: فسعيُها بين الصفا والمروة الأشواط السبعة وقطعُها هذه المسافات الطويلة رمزٌ عظيمٌ لرعاية الطفولة، وامتثالها لأمر الله بذبح ولدها وقرة عينها ومساندتها لزوجها ورجمها لإبليس حينما عرض لها يريد أن يضعف قلبَها ويضربَ على أوتار عاطفة الأمومة عندها يكشف عن معدن أصيل متصل بالله وعن مدرسة عظيمة في الفداء بالأبناء التي علمت أمهاتنا الفضليات في فلسطين صناعة المجد عبر العمليات الاستشهادية وتقديم الأبناء في سبيل الله.

الفصل الثالث: (مع الابن الطائع الفدائي المبدع المجاهد المشارك في البناء وصناعة الحياة)

فهو الابن المشارك لأبيه في بناء الكعبة وصناعة الحياة، وهو الابن المطيع لأوامر الله البار بوالديه المستعد للتضحية والفداء بنفسه في سبيل الله دونما تردد ولا إحجام: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ (الصافات: 102) وهو الابن المبدع المبتكر، فكان إسماعيل أول من روَّض الخيلَ وهذَّبَها واستعملَها لخدمة الإنسان في شئون الحياة، وكان ذا خبرة بالرماية وبرْيِ النبال والقدرة على الجهاد والانطلاق بأمر الله.

مظاهر تكريم الأسرة الطائعة:

خلَّد الله تعالى أفعال هذه الأسرة الطائعة بالآتي:

- بأن جعل الكعبة المشرَّفة التي قام على بنائها سيدنا إبراهيم بمعاونة ابنه إسماعيل محلَّ تكريم طول الزمن وجعلها قبلةَ الصلاة للرسالة الخاتمة.

- كرَّم الله موضع قدم إبراهيم عليه السلام الذي وقف عليه لبناء الكعبة بقرآن يُتلى إلى يوم الدين: ﴿وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ (البقرة: 125).

- وكرَّم فعله بتسليمه بذبح ابنه بسنة الأضحية كل عام.

- وإقامة الحجيج في منى يومين أو ثلاثة يُعد احتفاليةً في صورة إقامة في المكان الذي كانت تقيم فيه هذه الأسرة العظيمة في الفترة التي أُمرت فيها بذبح ابنها الغالي وكذلك رمي الجمرات؛ تخليدًا لفعل هذه الأسرة برجم إبليس الذي كان ينهاهم عن ذبح ابنهم، فقاموا برجمه عند العقبة الصغرى والوسطى والكبرى.

- السعي بين الصفا والمروة يُعد تكريمًا لفعل أمِّنا هاجر عليها السلام حينما كانت تسعى لرعاية ابنها.

- شرب ماء زمزم والتماس بركته العظيمة يُعد تكريمًا لأثر من آثار الأسرة المطيعة لله.

مظاهر الاستفادة وطرق التوظيف:

على مستوى الأسرة

أن نقوم بعمل احتفالية سنوية في أيام عيد الأضحى كل عام نسميها (احتفالية الأسرة) تجتمع فيها الأسرة: الزوج والزوجة (الأب والأم) مع الأبناء، فيعيدون قراءة واقعهم كل عام على ضوء المبادئ العظيمة التي عاشت بها أسرة سيدنا إبراهيم، ويتباحثون كيف يجدِّدون حياتهم، وكيف يطوِّرون طاعتهم لله عز وجل، وكيف يسعَون لتطبيق تعليماته في المرحلة التي يمرون بها، وتضع الأسرة خطتَها السنوية كل عام، انطلاقًا من هذه المحطة الإيمانية كلما مرَّ عليها عيد الأضحى المبارك وكلما هلَّت عليها نفحاتُ الحج العظيمة.

على مستوى المؤسسات

أن تهتم المؤسسات المعنية بشئون الأسرة، بجعل مناسبات التكريم الخاصة بالأسرة في هذا الموعد من كل عام في ظل هذه المبادئ العظيمة التي استقيناها من هذه الأسرة الطائعة بدلاً من أن نجعل عيدَ الأسرة في ذكرى عيد الأم الأجوف من كل معنى والذي ينمُّ عن هجران الأسرة، وتذكرها فقط مرةً كل عام، فعيد الأضحى يمثل بجدارة (عيدًا للأسرة) بأكملها، فهو (عيد للأمومة) و(عيد للطفولة) وكذلك (عيد للأبوَّة) التي لا يحتفل بها أحدٌ وينطلق من أصولنا وقواعد شريعتنا دون التشبه بالغرب.

على مستوى الأمة كلها

تعبئة الأمة لمناصرة قضاياها، وأن يكون هناك دورٌ لكل فرد: فالأب قائد ورائد، والأم مساندة وصابرة، والابن فدائي ومبتكر.

على مستوى المؤسسات الإعلامية والصحفية

الترويج لمبادئ وقيم الأسرة بوسائل وطرق مبتكرة عبر النموذج الرائع لأسرة سيدنا إبراهيم، ففي مجال الطفولة- على سبيل المثال- لدينا رمزياتٌ رائعةٌ نستطيع توضيحها للناس:

فالأضحية احتفالية سنوية لفداء الأبناء

الأضحية رمزيةٌ عظيمةٌ لقيمة الأبناء وقدرهم في نفوس الأسرة التي توفِّر المال وتشتري الأضحية فداءً للأبناء كل عام الذين كانوا طبقًا لما أُمر به إبراهيم في أول الأمر سيُذبح واحدٌ منهم، ولكن جاء الفداء من السماء بعد الطاعة والتسليم ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ (الصافات: 107).