يطرح مرور 6 سنوات على وقوع مجزرتي فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة - عقب الانقلاب العسكري، دون تحقيق تقدم على صعيد محاسبة المنفذين - تساؤلات بشأن تعثر فتح هذا الملف دوليًّا وتقديم المسؤولين عما جرى فيه إلى المحاكمة.

وأقر خبيران حقوقيان بوجود عقبات عديدة أمام طرح هذا الملف على نطاق دولي، بما يضمن محاسبة مرتكبي المجزرتين وتحصيل حقوق الضحايا، وأبرز تلك العقبات الإرادة السياسية للدول المهيمنة على العالم.

ورغم صدور تقارير من منظمات حقوقية دولية ومصرية بشأن المجزرتين، فإنها لا زالت تعاني من ضعف في المعلومات ووجود تباينات بشأن أعداد الضحايا، سواء القتلى أو الجرحى، سواء من الجهة التي كانت موجودة في المكان، أو التقارير الصادرة عن وزارة الصحة في حينه، والتقارير الدولية، بحسب أحد الخبراء.

كانت مدينة إسطنبول التركية قد شهدت مساء الثلاثاء الماضي مؤتمرا جماهيريا، بحضور قوى سياسية معارضة للانقلاب العسكري في الخارج؛ إحياءً للذكرى السادسة لمجزرتي فض رابعة والنهضة، تحت شعار "رابعة الأمل.. رابعة الصمود".

تضمن المؤتمر مشاهد من الاعتصام وعمليات القتل والمستشفى الميداني بالميدان، بحضور شخصيات عربية وتركية، بالإضافة إلى عرض فيلم وثائقي عن فض رابعة، وآخر عن الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي.

وأوصى المؤتمر باستمرار "الجهود القانونية والحقوقية لدى كل المؤسسات المعنية في العالم، لفتح تحقيق دولي شفاف في كل المجازر الوحشية التي اقترفها ولايزال الانقلاب، بحق أبناء الشعب المصري".

توثيق الجرائم

من جانبه قال علاء عبد المنصف، مدير منظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان في لندن: إن التعامل مع ملف مجزرة رابعة "لم يتم بالشكل المطلوب من الناحية الموضوعية حتى الآن، وكل ما جرى محاولات شكلية لم توضع في مسار قوي يحدث تقدما دوليا".

وأضاف عبد المنصف أن هناك محاولات جرت في السابق من قبل قيادات في جماعة الإخوان المسلمين كانوا على رأس وزارات، إبان حكم الرئيس محمد مرسي، من أجل التوقيع على اتفاقية محكمة روما للمحكمة الجنائية الدولية، لكن المحاولة اصطدمت بضرورة حصول تصديق من الحكومة ومجلس الشعب ، بالإضافة إلى أن القضايا لا يبدأ النظر فيها إلا بعد مرور 60 يوما على التوقيع على الاتفاقية.

ولفت إلى حدوث محاولات أخرى، عبر تقديم طلبات لمقرري عمليات القتل خارج القانون في الأمم المتحدة، لكنها لم ترتق حتى الآن إلى الصورة القضائية الكاملة، ولا زال الملف مفتوحا بشكل كامل.

وتابع : "ما نريده اليوم لنكون أكثر فعالية، توثيقا دقيقا لعمليات القتل والانتهاكات، لأننا أمام أرقام متباينة بين ما أعلنت عنه جماعة الإخوان المسلمين، الذين وجدوا في الميدان وعاشوا المجزرتين، وبين تقارير وزارة الصحة المصرية في ذلك الوقت وتقارير منظمة هيومن رايتس ووتش وحقوقيين آخرين".

وشدد على أن الملف يجب أن "يخضع للتدقيق المشدد، قبل تقديمه للهيئات الدولية الكبرى، وعلى رأسها مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ومجلس الأمن، لضمان إحداث اختراق فيه على صعيد محاسبة المجرمين وتحصيل حقوق الضحايا".

وأكد عبد المنصف وجود آليات دولية "تعرقل" تحريك الملف بسبب الارتباطات مع النظام العسكري في مصر، مشيرا الى أن بعض الدول "شاركت فيما حدث بمصر في تلك المرحلة، وتمنع محاسبة مرتكبي الجريمة"، لكنه في الوقت ذاته رأى ضرورة استمرار الدفع بهذا الملف و"عدم التوقف، سواء من ذوي الضحايا أو المنظمات، لحين تحقيق نتيجة ما".

وأشار إلى تأثير تشرذم المعارضة المصرية على فتح الملف دوليا، داعيا إلى توحيد الجهود و"استكمال ملفي المجزرتين من الناحيتين القانونية الفنية والسياسية، لوضع حد لتزوير التاريخ من قبل الانقلاب ولمواجهة العالم بكل قوة، ووضعه أمام مسؤولياته في ضمان عدم التغطية على مرتكبي مجزرة وتعويض عائلات الضحايا".

ملف كامل

من جانبها قالت سلمى أشرف مديرة منظمة هيومن رايتس مونيتور، إن المنظمات والهيئات الحقوقية قامت بدور كبير في رصد ما حدث برابعة والنهضة وتوثيقه، وسعت لرفع قضايا دولية "لكن أيا منها لم ينجح حتى الآن".

وأوضحت سلمى أن العديد من المخاطبات الحقوقية وجهت للمحكمة الجنائية الدولية، لكن "ملفا من هذا النوع يأخذ وقتا طويلا ليتحرك بشكل فعلي"، مشددة على وجود "ملف كامل تم رصده، يحدد المسؤولين عن المجزرتين، والعديد منهم لا يزال على رأس السلطة بمصر".

وأشارت إلى جهود واتصالات تُجرى مع دول من أجل المساهمة بدفع ملف محاسبة مرتكبي المجزرتين، لكن حتى الآن "الإرادة السياسية مفقودة لتحقيق العدالة، وتحصيل حقوق ذوي الضحايا والمتضررين".

وقالت سلمى: إن منظمتها وثقت وقوع 1182 حالة قتل برصاص القناصة داخل ميدان رابعة، مشددة على أن الوصول للشهود وأهالي الضحايا والمصابين "سهل في حال توفرت إرادة دولية للمحاسبة" رغم وجود مخاوف لدى بعض الشهود داخل مصر؛ بسبب الإخفاء القسري والانتهاكات التي يمكن أن تحدث في حال أرادوا تقديم ما لديهم.

وبشأن العقبات التي تواجه تحقيق تقدم في ملف المحاسبة، أشارت إلى أن هناك قضايا رفعت، لكنها ليست معلنة ولا يمكن الخوض في تفاصيلها حاليا، إضافةً إلى أن بعض الدول التي كانت في السابق تسمح برفع قضايا من هذا النوع أمام محاكمها، "قامت بتغيير بنود قانونية تجعل من التقاضي أمرًا أكثر صعوبة، بسبب ارتباطاتها مع النظام العسكري".