مع فشل الدولة العميقة في فوز مرشحها الفريق أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة 2012م وكذلك عدم قدرتها أو عدم رغبتها في احتواء الرئيس والمؤسسات المنتخبة عبر صيغة سياسية تقوم على المصالح المشتركة، وكذلك فشل القوى العلمانية في منافسة الإسلاميين منافسة سياسية شريفة تقوم على إقناع الناخبين ببرامجهم وأفكارهم، لجأ هؤلاء إلى التشكيك المتواصل والتشويه المستمر لنظام الرئيس الشهيد محمد مرسي.
عمد هؤلاء إلى اختلاق الأكاذيب والافتراءات والمبالغة في تضخيم جوانب القصور والخطأ التي تعد أمرا طبيعيا في مرحلة سبقتها عقود من التجريف السياسي التي مرت بها البلاد منذ انقلاب 23 يوليو 1952م وعدم اكتساب أي قوة سياسية أو حزب سياسي أي خبرات تتعلق بالحكم وإدارة دواليب العمل الحكومي في ظل إصرار أركان الدولة العميقة على إعاقة التجربة وإفشال الرئيس ووأد المسار الثوري كله.

أمام هذه المعطيات؛ وجدت القوى العلمانية في ذلك فرصة للتحالف مع الدولة العميقة وتحريض المؤسسة العسكرية من أجل تنفيذ انقلاب عسكري؛ ظنا منهم أن ذلك سوف يخلي لهم الأجواء للاستفراد بحكم البلاد حتى لو كان ذلك فوق ظهور الدبابات وليس بإرادة الناخبين؛ وهو ما يمثل أكبر طعنة وجهتها هذه القوى لنفسها قبل أن توجهها لمصر أو الإسلاميين أو ثورة يناير.
وفي أعقاب نجاح القوى العلمانية في إضفاء مسحة مدنية على الانقلاب العسكري والإطاحة بالرئيس المدني المنتخب محمد مرسي واعتقال قادة الحكومة المنتخبة والحزب الحاكم، وإجهاض المسار الديمقراطي الوليد بعد ثورة 25يناير 2011م، كافأ العسكر القوى العلمانية وقادة جبهة الإنقاذ التي مثلت غطاء مدنيا للانقلاب بأمرين مهمين:
الأول، هو تشكيل حكومة علمانية من أحزاب وقوى هذه الجبهة.
والثاني هو منح الجيش لهم صلاحيات واسعة في سن دستور جديد بعد إلغاء دستور ثورة يناير فاستفردوا باللجنة التأسيسية التي تشكلت بالتعيين وغاب عنها الإجماع أو حتى التوافق الوطني لغياب الأحزاب الإسلامية التي تمثل على الأقل نصف الشعب.

حكومة المذابح وعودة الاستبداد
في 16 يوليو 2013م، حلفت حكومة جبهة الإنقاذ برئاسة الدكتور حازم الببلاوي القيادي بالجبهة والحزب المصري الديمقراطي، اليمين أمام المؤقت عدلي منصور الذي جاءت به المؤسسة العسكرية رئيسا بدلا من الرئيس المنتخب، كما تم تعيين الدكتور محمد البرادعي الواجهة المدنية الأكثر شهرة نائبا للمؤقت عدلي منصور ومستشارا لرئيس الوزراء للشئون الخارجية، إضافة إلى عدد من الوزراء والمستشارين منهم أحمد البرعي وكمال أبو عيطة ومنير فخري عبدالنور،وحسام عيسى وزياد بهاء الدين ومصطفى حجازي وسكينة فؤاد وأحمد المسلماني وغيرهم. واتخذت هذه الحكومة قرارات وتشريعات ومواقف سيئة السمعة حيث رعت المذابح ومهدت الطريق لعودة الاستبداد العسكري من جديد.

أولا، بعكس الإسلاميين الذين جاءوا إلى الحكم عبر انتخابات نزيهة وبأصوات الناخبين تولى العلمانيون الحكم على ظهر دبابات الجيش دون أن يمنحهم الشعب ثقته وهم الذين فشلوا في الفوز بثقة الشعب في ستة استحقاقات ديمقراطية نزيهة في المرحلة ما بين 11 فبراير 2011 حتى 30 يونيو 2013م.

ثانيا، على النقيض من الدستور الذي تم الموافقة عليها شعبيا في عهد الإسلاميين والذي شارك فيه الجميع صياغة وتصويتا ووافق عليه الشعب بنسبة "64%" جاء دستور العسكر والعلمانيين في أجلى صور الإقصاء حيث استفرد به العلمانيون والموالون للجيش ولم يشارك فيه الإسلاميون؛ ولذلك تم تمريره في استفتاء صوري قاطعه أكبر الفصائل السياسية في البلاد بنسبة "98%".

ثالثا، تم في عهد هذه الحكومة (المدنية الديمقراطية!) ارتكاب أبشع المذابح الدموية في تاريخ مصر الحديث والمعاصر التي أفضت إلى مقتل آلاف الضحايا والأبرياء، كما حدث في ميدان رابعة العدوية والنهضة ومصطفى محمود ومذبحة 6 أكتوبر بشارع التحرير بالدقي وغيرها، وتماديا في الإقصاء والعنصرية من جانب حكومة القوى العلمانية تم اعتبار جماعة الإخوان المسلمين وهي القوة الشعبية الأولى في البلاد التي فازت بثقة الشعب كيانا إرهابيا، بقرار من هذه الحكومة في أكتوبر 2013م، كما تم تلفيق التهم للرئيس المنتخب وأركان حكومته وقادة حزب الحرية والعدالة الذي فاز بثقة الشعب لأنهم رفضوا الانصياع لهذا الانقلاب العسكري.

رابعا، سنت هذه الحكومة قانون منع التظاهر حيث وافق المؤقت عدلي منصور في 24 نوفمبر 2013 علي قانون قدمته له حكومة القوى (المدنيةالديمقراطية!) بخصوص "تنظيم حق التظاهر"، حيث يحتم القانون على من يريد التظاهر الحصول على ترخيص من وزارة الداخلية وإلا يتعرض لعقوبات من بينها الحبس، وهو القانون الذي أثار غضب مؤيدين ومعارضين لسلطات الانقلاب والذين تظاهروا ضد القانون ما أدى إلى حبس عدد منهم.

خامسا، تحويل الحبس الاحتياطي إلى عقوبة في حد ذاته وذلك بالموافقة على تعديل تشريعي على بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية بما يسمح بمد فترات الحبس الاحتياطي دون التقيد بالمدد المنصوص عليها في المادة 143 إذا كانت التهمة التي يحاكم بها عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد وهو القرار الذي أصدره عدلي منصور رقم 83 لسنة 2013م.

سادسا، أصدر الببلاوي في 31 أكتوبر 2013، قرارا بعودة الشرطة للجامعات والتي كان قد تم منعها في أعقاب تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا في 2011 بمنع تواجد الحرس الجامعى داخل الحرم. وبموجب قرار الببلاوي، منحت الشرطة حق دخول الحرم الجماعى، بناء على استدعاء من رئيس الجامعة أو بإذن مسبق من النيابة العامة. وفى 21 نوفمبر 2013، تطور القرار لمنح قوات الشرطة الحق في دخول الحرم الجامعي دون إخطار أو إذن مسبق، متى رأت وجود مخاطر على الأرواح المتواجدة بالحرم الجامعى أو تهديد لمنشآتها.

سابعا، في 11 سبتمبر 2013م، أصدر عدلي منصور بموافقة الحكومة قرارا جمهوريا بتعديل بعض أحكام قانون المناقصات والمزايدات، يسمح فيما وصفها بالحالات العاجلة، أن يتم التعاقد بطريق الاتفاق المباشر، بناء على ترخيص من الوزير أو المسئول المختص. وهو ما يفتح بابا واسعا للفساد والوساطة والمحسوبية بسبب تعديلهم قانون المناقصات والمزايدات الذى يسمح بالتعاقد بالأمر المباشر.

ثامنا، عقب إقالة الحكومة في 24 فبراير 2014م، غير مأسوف عليها وسط إجماع شعبي على فشلها في كافة القطاعات والملفات؛ لاحقت وزراء حكومة جبهة الإنقاذ اتهامات بالفساد وإهدار المال العام، بعد تحويل الجهاز المركزي للمحاسبات عددًا من التقارير للقضاء. فبين اتهامات لوزير العدل المستشار عادل عبد الحميد بحصوله على 2 مليون جنيه بدون وجه حق، ومطالبته بإعادتها للدولة، وأخرى تتهم وزير الإسكان المهندس إبراهيم محلب بإهدار 4 مليارات جنيه، في مخالفات أراض لم يتم إعادتها للدولة، وثالث ينذر بكارثة وهي إيرادات وأرباح وهمية جمعتها وزارة الكهرباء برئاسة أحمد إمام من الشركات المستهلكة للطاقة بدون سند قانوني، واتهامات أخرى للدكتور محمد أبو شادي وزير التموين، بعد اتهام مدير مكتبه بتلقي رشوة، وإهداره شركة الصوامع لـ89 مليون جنيه.