تواصلت ردود الأفعال الحقوقية حول قرار مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتأجيل عقد مؤتمرها حول مناهضة التعذيب الذى كان مقررا عقده في القاهرة، سبتمبر المقبل. ودعا برلمانيون وحقوقيون المفوضية الدولية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بعدم الاكتفاء بتأجيل مؤتمرها الإقليمي، وإعلان تغيير مكان عقد المؤتمر وسحبه من القاهرة، وفتح ملف الانتهاكات الحقوقية التي يقوم بها نظام الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي.

وقالوا إن السجل الإجرامي لنظام العسكر، لا يحتاج لدليل، في ظل وجود شهادات حية وأدلة موثقة عن جرائمه التي ارتكبها في حق مواطنيه، ومواطني الدول الأخرى، بدءا بمجازر فض الاعتصامات التي جرت في محافظات الجمهورية بعد الانقلاب على الرئيس الشهيد محمد مرسي، ومرورا بآلاف المعتقلين، والمئات الذين تمت تصفيتهم جسديا.

كانت المفوضية الدولية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، قد أعلنت مساء الثلاثاء، تأجيل مؤتمرها الإقليمي عن جريمة التعذيب الذي كان مقررا عقده بالقاهرة في الرابع من الشهر المقبل، بعد اعتراضات وجهتها منظمات مصرية ودولية، وصفت استضافة مصر للمؤتمر بأنها مشاركة دولية في تبييض وجه نظام العسكر.

يشار الى ان نظام السيسي دأب على رفض تقارير منظمات حقوق الإنسان بشأن التعذيب، ويزعم أنها تفتقر إلى المصداقية ولها دوافع سياسية. كما تزعم سلطات العسكر أنها تلتزم بالقانون، وأن أي انتهاكات لحقوق الإنسان في مصر هي مجرد حالات فردية وتتم محاسبة مرتكبيها.

13 منظمة حقوقية

وأشادت 13 منظمة حقوقية مصرية بضغوط وجهود الناشطين المصريين والمنظمات الدولية والتى قادت إلى اتخاذ الأمم المتحدة قرارها بتأجيل المؤتمر ، لكنها اعتبرت في الوقت ذاته أن تلك الخطوة ليست كافية. مطالبةً في بيان مشترك، بضرورة "استمرار هذه الضغوط حتى يتم نقل مكان انعقاد المؤتمر إلى دولة أخرى تتوفر بها الحدود الدنيا لاحترام حقوق الإنسان".

وذكر البيان أنه "من المفارقة أن حكومة العسكر التي تسعى لاستضافة مؤتمر أممي على أرضها، تلاحق الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان المتعاونين مع هيئات الأمم المتحدة، وتلفق لهم القضايا وتزج بهم في السجون".

سياسة منهجية

وأكد أن المؤتمر الأممي -حال انعقاده- "سيكون محاولة لتجميل وجه حكومة الانقلاب قبيل مراجعة سجلها الحقوقي بمجلس حقوق الإنسان خلال أسابيع، وصرف الانتباه عن التوصيات والالتزامات التي حنثت بها دولة العسكر، خاصة في ملف التعذيب منذ جلسة الاستعراض الأخيرة في 2014 (أمام مجلس حقوق الإنسان الأممي في جنيف)، والتي وصف تقرير لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة عام 2017، التعذيب فيها بأنه سياسة منهجية".

واضاف البيان: "إذا كانت دولة العسكر تسعى فعلا لتحسين سمعتها وتبيض وجهها في ملف التعذيب؛ فعليها أولا أن تمتثل لعدة توصيات سبق أن طالبت بها مفوضية حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات المحلية والدولية".

ومن هذه التوصيحات -حسب المنظمات- أن "يُصدر برلمان السيسي قانونا يتضمن تعريفا لجريمة التعذيب وفقاً للدستور وللاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، والانضمام للبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، والموافقة على الطلبات الرسمية للمقرر الخاص المعني بمناهضة التعذيب بإجراء زيارة رسمية لمصر".

من جانبه اعترف "روبرت كولفيل" المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بإدراك المفوضية القلق المتنامي لدى بعض قطاعات مجتمع المنظمات غير الحكومية بشأن اختيار موقع عقد مؤتمر (تعريف ومناهضة جريمة التعذيب في التشريعات العربية)".

وقال : "نتيجة لذلك قررنا تأجيل المؤتمر ومعاودة فتح عملية التشاور مع كل الأطراف المعنية".

شرعنة الجرائم

من جانبه وصف عز الكومي، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشورى السابق، قرار تأجيل المؤتمر بأنه خطوة جيدة ولكنها تحتاج لمزيد من الإجراءات لوقف الدعم الدولي الذي تقدمه الهيئات الدولية لنظام العسكر. مشيرا إلى وجود تواطؤ دولي لمنع تحريك دعاوى قضائية ضد من ارتكبوا مذابح بحق معارضي السيسي، رغم وجود وثائق وأدلة تثبت تورطهم، من بينها الأدلة التي وثقتها منظمة "هيومن رايتس ووتش"، عن مقتل 800 مصري، نتيجة القتل الممنهج في الرأس والصدر.

ويوضح أن المهتمين بالملف الحقوقي، لهم نشاط قانوني وحقوقي إيجابي أمام المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان في "أروشا- تنزانيا"، واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان في "جامبيا"، بالإضافة لدعاوى قضائية تم تحريكها في إنجلترا وهولندا والنرويج والسويد، ضد المسؤولين بنظام العسكر، ولكن لم يتم اتخاذ أى إجراء تجاههم، رغم جرائمهم التي حدثت على مرأى ومسمع من العالم .

وقال الكومي إنه لو عقد المؤتمر الإقليمي ضد التعذيب بالقاهرة، فإن نظام السيسي سوف يستغله لشرعنة ما يقوم به من جرائم بشكل روتيني شبه يومي، مثل الاختفاء القسري والقتل خارج إطار القانون وممارسة التعذيب لانتزاع الاعترافات، فضلا عن الجرائم ضد الإنسانية في سيناء والوراق وقرى النوبة، وهو ما يتطلب من المفوض السامي لحقوق الإنسان، إعلان سحب عقد المؤتمر من القاهرة، ونقله لدولة أخرى ليس لها سجل سيئ في ملف حقوق الإنسان.

وطالب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بالعدالة، باستغلال فرصة تأجيل المؤتمر لفتح تحقيق دولي شفاف في مذبحة رابعة، وقتل المعتصمين السلميين، باعتبارها أفعال ترتقي للجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي بأنها ضد الإنسانية، وتشكيل لجنة تقصي حقائق، للوقوف على حالة حقوق الإنسان بمصر، وكشف حالات الاختفاء القسري والتعذيب الممنهج والقتل خارج إطار القانون.

سجل سيئ

واعتبر علاء عبد المنصف مدير منظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان أن أهم ما جاء في قرار مفوضية حقوق الإنسان، هو الاعتراف بالسجل السيئ لدول العسكر في هذا المجال، وهي خطوة تحتاج للتطوير من المفوضية الدولية بفتح التحقيقات العاجلة في ما تضمنته تقارير منظمة العفو الدولية التابعة للأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية عن انتهاكات نظام السيسي لحقوق الإنسان.

وقال عبد المنصف: "الإجراء الأممي كان استجابة جيدة للنداءات المُتكررة للمنظمات الحقوقية العاملة على ملف حقوق الإنسان في مصر، لافتا الى أن نظام العسكر كان يرى في عقد المؤتمر فرصة لتبييض وجهه، وتحسين صورته أمام المجتمع الدولي قبل مناقشة الملف المصري لحقوق الإنسان، خلال الاستعراض الدوري الشامل للمفوضية الدولية المقرر له نوفمبر المُقبل".

واكد أن حكومة الانقلاب لم تقم بأي التزام للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي وقعت عليها، كما أنها لم تقدم أي تقرير دوري للجنة التعذيب منذ سنة 2002، مشددا على ان تأجيل المؤتمر والتمهيد لسحبه من القاهرة، يمثل إعلانا من أعلى هيئة حقوقية بأن الملف الإجرامي لنظام السيسي فاق كل التصورات.