حذرت منظمات حقوقية من تصاعد التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان ضد المعتقلين داخل سجون العسكر، مشيرة إلى وفاة 30 معتقلا سياسيا في السجون ومراكز الاحتجاز ، خلال الفترة من بداية العام 2019 حتى يوم 23 أغسطس الجاري، بينهم 8 حالات في أقل من شهر واحد.

 

وطالبت المنظمات بتشكيل لجنة تقصي حقائق لمتابعة الجرائم التي يرتكبها الانقلاب بقيادة الخائن عبد الفتاح السيسي داخل السجون وخارجها، مشددة على ضرورة إحالة المتورطين فيها إلى محاكمة دولية.

من جانبها، طالبت منظمة العفو الدولية "أمنستي" سلطات الانقلاب العسكري بإجراء تحقيق عاجل حول وفاة المعتقل حسام حامد، أثناء احتجازه بزنزانة التأديب بسجن شديد الحراسة 2 بمجمع سجون طرة، بعد تعرضه للتعذيب والإهمال الطبي المتعمد، وممارسة عقوبة التأديب في حقه؛ لمطالبته بفتح الزيارة الممنوع منها منذ اعتقاله.

ونقلت "أمنستي"، في بيان لها، عن مصادر مقربة من حسام حامد (30 عاما)، تعرضه لاعتداء بدني متكرر على أيدي حراس السجن أثناء احتجازه في الحبس الانفرادي في زنزانة تأديبية، وأنه "لعدة أيام سُمع وهو يصرخ ويطرق الباب بقوة، وفجأة توقف كل شيء، وعندما فتح الحراس الباب، وجدوه ميتا في زنزانته، ووجهه متورم بجروح وملطخ بالدماء".

وأشارت المنظمة إلى وفاة العديد من المعتقلين منذ يوليو 2019؛ لعدم توفر الرعاية الصحية اللازمة، والتعرض للمعاملة السيئة والتعذيب.

 كان معتقلون سياسيون في الهزلية الشهيرة إعلاميا بأحداث "اقتحام قسم التبين"، التي وقعت عقب مذبحة فض اعتصامي "رابعة العدوية والنهضة"، قد كشفوا عن أوضاع صحية وإنسانية مزرية في السجون، وصلت إلى حد الإصابة بالشلل وإجراء سلسلة من العمليات الجراحية.

وخلال رابع جلسات إعادة محاكمة 37 معتقلا في تلك الهزلية، طلب محامي المعتقل "محمد عبدالوهاب جبر" إخلاء سبيله لحالته الصحية المتدهورة، مشيرا إلى أنه أجرى 6 عمليات جراحية أثناء فترة حبسه.

في السياق ذاته، طلب المعتقل "خالد سمير" أن تناظره المحكمة، لتفاجأ عند الاستجابة لطلبه أنه (قعيد) يعاني من عجز بيده اليمنى تسبب في الشلل، موضحا أنه في 18 سبتمبر عام 1999 أصيب بسيخ حديدي في رأسه حينما كان يعمل بجمع الحديد، ويعني ذلك عمليا أن حالة الشلل في ذراعه وقدمه اليمنى (قبل وقوع أحداث الهزلية بـ14 عاما)، تقطع بعدم إمكانيه قيامه بالاتهامات الملفقة له في تلك الهزلية.

سجل مخيف

وقالت ماجدالينا مغربي، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة: إن "الادعاءات التي تفيد بأن حسام حامد تعرض للتعذيب أثناء وجوده في الحبس الانفرادي، إنما تثير تساؤلات خطيرة حول ظروف احتجازه وظروف وفاته، وطالبت سلطات العسكر بأن تأمر بإجراء تحقيق فعال وشفاف في وفاته، وضمان تقديم أي شخص يشتبه في أنه مسئول إلى العدالة في محاكمة عادلة".

وأضافت مغربي أن "لدى قوات أمن الانقلاب سجلا مخيفا في استخدام القسوة المروعة، في ظل إفلات شبه كامل من العقاب.

وبعد يوم من وفاة حامد، أكد مركز الشهاب لحقوق الإنسان وفاة المعتقل محمد مشرف، بسجن برج العرب بالإسكندرية؛ نتيجة الإهمال الطبي، ورفض إدارة السجن تقديم الرعاية الصحية له.

وأكد "الشهاب" أنه منذ يوليو الماضي، توفي بسجون العسكر 8 حالات في أيام متتالية وبسجون مختلفة نتيجة الإهمال الطبي، وكانت البداية بالمعتقل السعيد محمد، بقسم شرطة الدخيلة بالإسكندرية، وفي 22 من الشهر ذاته، توفي المعتقل عمر عادل (25 سنة) بسجن طرة؛ بسبب الإهمال الطبي والتعذيب، بعد حبسه في زنزانة انفرادية لمدة أربعة أيام، وفي اليوم ذاته توفي المعتقل الكيلاني حسن بسجن المنيا بعد منع العلاج عنه.

ومع بداية الشهر الجاري، توفي محمود السيد (50 سنة) بسجن الزقازيق، بعد تعرضه لغيبوبة نتيجة إصابته بالسرطان، وبعد أقل من أسبوع توفي المعتقل سامي مهنّا بدوية (56 سنة) داخل محبسه بسجن وادي النطرون، كما توفي في التوقيت ذاته عادل أبو عيشة (48 سنة) بسجن وادي النطرون، بعد 3 أشهر من اعتقاله، حيث كان يعاني من التهاب الكبد الوبائي، ثم وفاة كل من حسام حامد ومحمد مشرف خلال الأسبوع الماضي.

ورصد مركز عدالة للحقوق والحريات وفاة 22 معتقلا نتيجة الإهمال الطبي بسجون العسكر منذ بداية 2019، وحتى أواخر يوليو الماضي، أبرزهم الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي، في حين بلغ عدد الوفيات بالسجون خلال الفترة من 2016 وحتى 2018 نتيجة الإهمال الطبي 60 حالة.

الموت البطيء

من جانبه، يؤكد مختار العشري، رئيس اللجنة القانونية بحزب الحرية والعدالة، "أن تزايد حالات الوفاة نتيجة الإهمال الطبي بالسجون يشير إلى وجود سياسة أمنية ممنهجة للتخلص من المعتقلين بطريقة "الموت الأبيض"، الذي لا تحملها تبعات قانونية أو جنائية.

ويشير العشري إلى أن سلطات العسكر تتحجج بأن هؤلاء الأشخاص كانوا يعانون من أمراض، وحالتهم الصحية كانت سيئة، وأنها قدمت إليهم العلاج المتاح، وبالتالي فهي على الأوراق الرسمية غير مُدانة، لكنها على أرض الواقع متورطة بشكل كامل في كل حالة وفاة، نتيجة الإهمال الطبي، أو التعذيب، أو التعرض لظروف معيشية غير آدمية.

ويحمل الجهات القضائية المختصة المسئولية الكاملة عن تزايد الموت البطيء بالسجون، موضحا أن هذه الجهات لم تقم بأي دور لحماية المعتقلين من الإجراءات القمعية التي تقوم بها سلطات أمن الانقلاب، كما أن غياب الرقابة الدورية أو الموسمية على السجون، أو فتح التحقيق في البلاغات التي يقدمها المعتقلون عن المعاملة السيئة التي يتعرضون لها، يحمل السلطات القضائية المعنية المسئولية الكاملة عن التواطؤ مع الأمن، لقتل معارضي سلطة الانقلاب.

المعتقلون السياسيون

وأكد الحقوقي والقانوني أسامة عاصي أن الموت بسجون العسكر نتيجة القتل البطيء لا يحدث إلا مع المعتقلين السياسيين، بينما المسجونون الجنائيون الذين يزيد عددهم على ضعف عدد السياسيين لم تحدث لهم حالات وفاة نتيجة الإهمال الطبي، وهو ما يشير إلى أن سلطات العسكر تتعامل بتفرقة بين المسجونين، حتى في أبسط الحقوق الإنسانية.

وقال عاصي إن تغاضي المجتمع الدولي في الضغط على نظام الانقلاب العسكري لإجراء تحقيق محايد في اغتيال الرئيس الشهيد محمد مرسي، منح سلطات السيسي المجرم تسهيلات دولية للتخلص من المعتقلين والمعارضين بطريقتها الخاصة، التي تتنوع بين القتل والتصفية الجسدية، والإعدامات الجائرة، وأخيرا الموت البطيء نتيجة الإهمال الطبي.

وأشار إلى تحذيرات أطباء مختصين بأن موجات الحر يمكن أن تحصد المزيد من أرواح المعتقلين؛ نتيجة تكدس الزنازين، وغياب الرعاية الصحية والتغذية الجيدة والتهوية والتشميس، بعد أن تحولت معظم السجون لزنازين وعنابر تأديب جماعية.