حذرت صحيفة "نيويورك تايمز" من أن أكثر من 4 ملايين مسلم في الهند معرضون لخطر إعلانهم مهاجرين أجانب، مشيرة إلى أن الحكومة تدفع بأجندة قومية هندوسية متشددة تتحدى تقاليد التعددية في البلاد، وتهدف إلى إعادة تعريف معنى أن تكون هنديًّا.

يشار إلى أن الهندوس يشكلون حوالي 80% من سكان الهند، في حين تبلغ نسبة المسلمين 14% فقط. (ويشكل المسيحيون والسيخ والجاين والبوذيون النسبة المتبقية).

وقالت الصحيفة في مقال لكل من جيفري جتلمان وهاري كومار: إن عملية البحث عن المهاجرين تجري في ولاية آسام، وهي ولاية فقيرة جبلية بالقرب من الحدود مع ميانمار وبنجلاديش موضحة أن هذه الولاية شهدت مولد الكثير من الأشخاص الذين يجري التشكيك في جنسيتهم الآن في الهند، رغم أنهم يتمتعون بحقوق، مثل التصويت في الانتخابات.

وأوضحت أن نيودلهي تخطط لبناء معسكرات اعتقال ضخمة جديدة؛ فقد قُبض على مئات الأشخاص للاشتباه في كونهم مهاجرين أجانب، بمن فيهم بعض قدامى المحاربين في الجيش الهندي.

ويقول ناشطون ومحامون محليون: إن الذعر دفع العشرات إلى الانتحار، مؤكدين أن الذعر يسيطر أيضا على الأقلية المسلمة في الهند، التي تتابع ما يجري في آسام عن كثب.

وقالوا إن الحزب الحاكم لرئيس الوزراء ناريندرا مودي تعهد بمواصلة الحملة لإجبار الناس على إثبات أنهم مواطنون في أجزاء أخرى من الهند، كجزء من برنامج قومي هندوسي بعيد المدى يغذيه انتصار مودي الكاسح في انتخابات شهر مايو الماضي.

لعبة خطرة

وقبل أقل من أسبوعين، ألغى رئيس الوزراء الهندوسي - من جانب واحد - صفة الدولة عن الولاية الهندية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة، جامو وكشمير، فألغى الحكم الذاتي وحولها إلى منطقة فيدرالية دون أي تشاور مع الزعماء المحليين، الذين اعتُقل العديد منهم.

وتكشف الأحداث في آسام وكشمير عن أن رئيس الوزراء يستخدم الأشهر الأولى من فترة ولايته الثانية لتطبيق أجندة هندوسية قومية تعد الأكثر تطرفًا على الإطلاق في الهند؛ بغية إعادة تشكيل مفهوم الهوية الهندية ليكون مرادفًا لكونه الهندوسية.

ويرى العديد من الهنود، على جانبي الطيف السياسي، أن ما يجري في آسام وكشمير هو مؤشر على الاتجاه الذي سيقود مودي هذه الدولة إليه.

واشارت الصحيفة إلى أن الغرض من كشف المواطنة في آسام هو العثور على مهاجرين غير شرعيين من بنجلاديش، وهي دولة ذات غالبية مسلمة إلى الجنوب. وكان أميت شاه، وزير الداخلية الهندي قد أشار مرارًا وتكرارًا إلى هؤلاء المهاجرين ووصفهم بأنهم مثل "النمل الأبيض".

وبحسب أجندة رئيس الوزراء الهندى المتطرفة، يتعين على جميع سكان آسام البالغ عددهم 33 مليون نسمة أن يثبتوا، بوثائق رسمية، أنهم أو أسلافهم مواطنون هنود قبل أن تتأسس بنجلاديش بعد الانفصال عن باكستان عام 1971. وهذا ليس سهلًا؛ إذ تتسابق العائلات للحصول على سند ملكية ممتد لعقود من الزمن أو شهادة ميلاد مزيفة تحمل اسم أحد أسلافها.

واعتبرت الصحيفة أنه كان من الغريب أن تحاول حكومة مودي إقرار مشروع قانون في البرلمان ينص على إعفاء للهندوس والبوذيين والمسيحيين وأشخاص من ديانات أخرى، لكنه يستبعد المسلمين.

ويقول منتقدو مودي: إنه يلعب لعبة خطرة، ويفكك النسيج الاجتماعي المتنوع والحساس الذي كان قائمًا في الهند منذ قرون.

الحكم الذاتي

يشار إلى أن مودي ينتمي إلى حركة قومية هندوسية تؤكد سيادة الدين. وهذه النظرة شهدت تاريخا طويلا من الانقسام بين الأغلبية الهندوسية في البلاد والأقلية المسلمة، والتي تتحول في بعض الأحيان إلى أعمال عنف.

نور بيجوم طفلة هندية تعيش في قرية صغيرة بمنطقة غارقة في الفيضانات، تملكها الحزن بعد أن اكتشفت أنها ووالدتها استُبعدتا من قوائم الجنسية، لكن والدها وأخواتها السبعة نجحوا في إثبات نسبهم.

دُهشت العائلة مما جرى، إذ كانوا قد عاشوا جميعًا وولدوا في المكان نفسه، فكيف يُعد البعض هنودًا، بينما يعد آخرون أجانب غير قانونيين؟ قال والدها عبد الكلام: "لا شك أنها هندية. لقد كانت تغني الأغاني الوطنية الهندية في المدرسة. وكانت تفخر بانتمائها إلى الهند". في صباح أحد الأيام في شهر يونيو الماضي شنقت نور نفسها، وكانت في الرابعة عشرة من عمرها.

وتؤكد الصحيفة أن الحال نفسها تسيطر على المسلمين في كشمير،. بعد أن قضت حكومة مودي على الحكم الذاتي لها، وخرج الآلاف من الكشميريين الغاضبين إلى الشوارع، لكنهم ظلوا مقيدين بسبب الانتشار الكثيف لقوات الأمن وقطع الاتصالات.

وطالما كانت كشمير منطقة ملتهبة. إذ تسيطر كل من الهند وباكستان على أجزاء منها، ودفعت التوترات الخصمين النوويين إلى الحرب أو التهديد بها. ورغم أن الحكومة الهندية خففت بعض القيود المفروضة على الاتصالات الأيام الماضية فإن مئات المثقفين الكشميريين ما زالوا قيد الاعتقال، وباكستان تشتعل غضبًا.

وتشير إلى أن التوتر مع باكستان يخدم مصالح مودي السياسية، موضحة أن موقف باكستان القوي ضد العدو الأول للهند يضيف فقط إلى صورة مودى كوطني لا يتزعزع ويظهره أحد أهم رؤساء الوزراء والأكثر قوة الذين أنتجتهم الهند منذ عقود.

فى المقابل لا تعترض الغالبية الهندوسية على سياسات مودي، بل ويشيدون بما يرون أنها خطوات واسعة قام بها في محاربة الفقر وعرض صورة أكثر قوة للهند على المسرح العالمي، لكن المنتقدين يقولون إن معتقداته القومية الهندوسية أساسية بالنسبة له للفوز بأصوات الأغلبية الهندوسية.

الأمل الوحيد

من جانبه قال أشوتوش فارشني، رئيس برنامج جنوب آسيا بجامعة براون: إن الهند تتجه نحو أن تكون دولة ذات قومية هندوسية. ومع تشرذم المعارضة السياسية، وسيطرة مودي بحزم على جميع الوكالات الحكومية، خاصة البيروقراطية والأجهزة الأمنية يرى فارشني إن الأمل الوحيد للديمقراطية العلمانية في الهند هو في المحاكم. لكنه حذر قائلًا: "ربما يستسلم القضاء".

وأضاف أنه حتى الأحداث المثيرة للقلق في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك فقدان الوظائف في قطاع السيارات، والفيضانات في جميع أنحاء البلاد، واندلاع أعمال عنف جديدة من قبل الغوغاء الهندوس ضد المسلمين، لم تضعف شعبية مودي.

وتابع : قد يتساءل الغرباء كيف يمكن لأي حركة سياسية في الهند أن تشكك في مساهمة المسلمين في المجتمع. وقد أسهموا في بنائها لعدة قرون، حتى إنهم حكموا البلاد في بعض الأحيان. وبنى المسلمون بعضًا من أروع الكنوز الثقافية في الهند، بما في ذلك تاج محل.

وكشف عن أنه منذ أن تولى مودي مهام منصبه في عام 2014، أعادت الهيئات الحكومية كتابة كتب التاريخ، وأغلقت أقسامًا عن الحكام المسلمين، وغيرت أسماء الأماكن الرسمية الإسلامية إلى هندوسية. وقام الغوغاء الهندوس بإعدام عشرات المسلمين.