كشفت حملة تدوين عن التعذيب، دعا لها مركز "النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب"، عن 462 حالة وفاة في مقار الاحتجاز وسجون العسكر؛ بسبب التعذيب والإهمال الطبي، وذلك في الفترة من عام 2015 حتى منتصف العام الجاري 2019م، ونقل المركز عن منظمة "كوميتي فور جستس" أشهر 19 طريقة للتعذيب في مقار الاحتجاز وسجون العسكر، وفقًا لشهادات موثقة.

يشار إلى أن مركز "النديم" كان قد دعا إلى حملة التدوين بديلاً عن مؤتمر إقليمي كان يفترض أن يُعقد في القاهرة في الفترة نفسها، وتم تأجيله إلى أجل غير مسمى من طرف مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، بعد اعتراضات حقوقية على عقد هذا المؤتمر في بلد يمارس فيه التعذيب يوميًّا وبشكل منهجي نتيجة غياب إرادة سياسية للحد من انتشاره، ومحاسبة مرتكبيه.

ووجد المئات في هذه الدعوة الحقوقية فرصة سانحة وملاذًا مليئًا بالتضامن؛ للحديث عن وقائع تعذيب جرت لهم من قبل سلطات العسكر خلال فترات احتجازهم.

دفاتر التعذيب

في إحدى تدوينات التعذيب التي حملها تقرير "أطفال بلا حماية"، تعرض الطفل "م" للاعتداء الجنسي، والصعق بالكهرباء في أماكن حسّاسة بجسده؛ لإجباره على الاعتراف بالانضمام لجماعة محظورة.

وجاء في تدوينة للمعتقل أحمد عاطف عوض صالح - في جلسة التحقيق معه في 4 يناير 2017 -: "قعدوا يضربوني وكهربوني في كل حتة في جسمي، قلعوني هدومي كلها وكهربوني في كل جسمي وضربوني بالبونيات وادوني ورق أحفظه وصوروني قصاد الكاميرا.. عيني اليمين من كتر الضرب بتزغلل.. ومن الكهرباء بقوم بالليل جسمي مرتعش ومنفوض".

وفي جزء من رسالة لأحمد عبدالمنعم سلامة، الذي تم إعدامه في 22 أغسطس 2015، ورد: "أخذوني في فجر هذا اليوم وبدءوا يستخدمون الصعق بالكهرباء في كل أنحاء جسمي؛ حيث جردوني من ملابسي تمامًا ولم ينج من جسدي أي جزء من الصعق بالكهرباء، واستخدموا أبشع أنواع العذاب من الكهرباء، ومن كثرة استخدام الصعق الكهربائي تم احتراق جميع جسدي، وكانوا يستخدمون الجاز والبنزين أثناء الصعق بالكهرباء؛ حيث كانوا يدهنون الجسد بالبنزين والجاز حتى يكون تأثير الصعق بالكهرباء أشد ألمًا وكنت أصرخ ولا أحد يرحمني من شدة التعذيب".

462 حالة وفاة

ورصد مركز "النديم" عدد حالات الوفاة داخل مقار الاحتجاز المختلفة، نتيجة التعذيب منذ عام 2015 وحتى النصف الأول من 2019؛ ففي عام 2015 توفي 80 مواطنًا داخل مقار الاحتجاز المختلفة من بينهم 5 ماتوا إثر التعذيب. وفي 2016 مات 123 مواطنًا في مقار الاحتجاز المختلفة، من بينهم 24 مواطنًا ماتوا بسبب التعذيب. وفي 2017 مات 118 مواطنًا في مقار الاحتجاز المختلفة، بينهم 20 مواطنًا ماتوا بسبب التعذيب. وفي 2018 مات 67 مواطنًا في مقار الاحتجاز بينهم 7 مواطنين ماتوا إثر التعذيب. وخلال النصف الأول من عام 2019 مات 30 مواطنًا في مقار الاحتجاز، بينهم 5 ماتوا إثر التعذيب.

19 طريقة

رصدت منظمة "كوميتي فور جستس"، أشهر 19 طريقة لأساليب التعذيب بمقار الاحتجاز طبقًا لشهادات موثقة، يتصدرها أولاً: التعليق كالذبيحة، الرأس لأسفل والقدمان لأعلى معلقتين في حبل، ويبدأ الصعق بالعصا الكهربائية في كل الجسد خاصةً الأعضاء التناسلية، ثانيًا: عصر الخصيتين باليد بشدة، وقرص الثديين. ثالثًا: ربط سلك في الجسد يتم توصيله بجهاز كهربائي وصعق الجسد، والضرب بالعصي وأسلاك الكهرباء. رابعًا: كل أشكال الصلب، فرد الذراع اليمنى وربطها في باب حديدي كبير (مشبك) أو على تصميم خشبي يُعرف (بالعروسة)، وكذلك الحال مع الذراع اليسرى، وربط القدمين مع فتحهما بشدة وإبعادهما عن بعضهما، أو ربط اليدين مقيدتين من الخلف في باب حديدي، أو ربطهما مقيدتين لأعلى، ثم الصعق بالصدمات الكهربائية والضرب بالعصي وأسلاك الكهرباء، خامسًا: التمدد على الأرض مقيد اليدين من الخلف، وكذلك القدمين والتعذيب والصعق بالكهرباء في كل أنحاء الجسد، سادسًا: التمدد على مرتبة مبللة بالماء ومتصلة بجهاز كهربائي، مع تقييد اليدين من الخلف، وكذلك القدمين، ويجلس شخص بكرسي بين كتفي المحتجز، وشخص آخر بكرسي بين قدميهّ المقيدتين، والسبب في ذلك شدة الكهرباء التي تقفز بالإنسان إلى الأعلى أثناء التعذيب، سابعًا: الضرب بكف اليد اليمنى واليسرى على الوجه، وكذلك الضرب بقبضة اليدين، ثامنًا: أصبح التعذيب بالكهرباء للأعضاء التناسلية منهجيًّا داخل أروقة سجون الأمن الوطني؛ حيث يتم توصيل أسلاك كهربائية بأعضاء المعتقل التناسلية، وصعقه مرارًا حتى يغشى عليه، تاسعًا: يستخدم الضباط أوضاع تعذيب متفرقة وشديدة الوحشية، كالكسر المتعمد للأطراف مع ترك المعتقل دون تجبير أو علاج، عاشرًا: إطفاء السجائر في أجساد المعتقلين والجلد والشب.

أما الوسيلة الحادية عشرة التي رصدتها المنظمة، فتتعلق بالإهانة النفسية التي كانت حاضرة بقوة في مناهج التعذيب؛ إذ يجبر المعتقل أحيانًا على امتثال وضعيات "حيوانية"، كالكلب والدودة، ويؤمر قهرًا أن يُعامل ككلب نابح ويخطو مثله لكي يعتق نفسه من حصة التعذيب اليومية، وفي الوسيلة الثانية عشرة: يتم تكسير الأصابع بإمساك كل إصبع على حدة ثم يجذبونه للخلف بكل قوة حتى تنفصل الإصبع أو تنكسر، وفي الثالثة عشرة: توصل الكهرباء بضرس العقل، ويتم الضرب بآلات حادة مع رش المياه حتى ينزف دماء.

شهادات

محمود الأحمدي، الذي نفّذ فيه حكم الإعدام بتهمة اغتيال نائب عام الانقلاب هشام بركات، قال للقاضي يوم أن صدق بالحكم: أنا خصيمك أمام الله يوم القيامة، أنا واللي معايا مظلومين وانت عارف ده كويس!

وأوردت المنظمة ضمن الوسيلة الرابعة عشرة: "وضع الشنطة"؛ حيث يؤمر المعتقل بالسجود عاريًا، ثم يربط من يديه ورجليه، ثم يحمل كأنه حقيبة ويرمى على الطرقات، ثم يحمل إلى غرفة الجحيم، أما الخامسة عشرة: فيتم ربط الكفين بكلبش ووضع الذراعين لأعلى، ثم يدخلون خشبة بين يديه ورقبته من الخلف، فتلتصق الذقن بالصدر.

وتشمل الوسيلة السادسة عشرة ما سمي وضع "البرص": إذ يعلق المعتقل من رجل واحدة على باب غرفة "الجحيم" ثم يضرب بالأحذية على الجسم والرأس، ويبصق عليه، وفي الوسيلة السابعة عشرة: يؤمر المعتقل بالسجود عاريًا، ويتعرض لأبشع أنواع التعذيب الجنسي والصعق الكهربائي؛ حتى يغشى عليه أو يموت، أما الثامنة عشرة: فيربط المعتقل من كفيه ويعلق في سقف غرفة "الجحيم" ثم يقوم أفراد التعذيب بإطفاء نيران السجائر في جسمه، حتى يتورم ويحترق الجلد ليقوموا بعد ذلك بسلخ الجلد المحترق، وفي الوسيلة التاسعة عشرة: وفي وضع القرفصاء يتم توصيل الكهرباء بالأذنين والعضو الذكري، ويؤمر المعتقل بالجلوس على وضع القرفصاء ويسكب عليه الماء.

غرف التأديب

يقول مركز عدالة للحقوق والحريات: إن التعذيب في غرف التأديب يصاحب السجناء كما لم يصاحبهم أحد في رحلتهم داخل السجون، فإن ظنّ أحدهم إفلاته من أحد ألوانه وجد حظه من لون آخر في انتظاره، فهو مستمر لا ينقطع منذ اللحظة الأولى وحتى بعد أن تطأ قدمه "الإسفلت". فمن لم ينل حظه من غرفة التعذيب بكامل استعداداتها من الصعق بالكهرباء أو التعليق أو الضرب بالهروات أو غيرها، نال حظه من غرف التأديب وتعذيبه بمنع كل حقوقه عنه كالزيارة أو التريض أو العلاج أو جميعها، ولا يفرق السجن بين امرأة أو طفل أو عجوز، فالجميع تحت وطأة التعذيب سواء.

وأشار عدالة إلى أن من أبرز النماذج للتعذيب في غرف التأديب عائشة خيرت الشاطر، المحبوسة بزنزانة تأديب مساحتها متر في متر وثمانين سنتيمترًا، والزنزانة بدون دورة مياه أو نوافذ، ويتم تعذيبها بمنع الزيارة ورؤية أطفالها، ومنع التريض، وقد فقدت نصف وزنها وساءت صحتها دون أي استجابة من النيابة أو إدارة السجن لتحسين أوضاعها.

وأضاف: هناك كذلك علا القرضاوي، التي تسكن زنزانة انفرادية دون نوافذ أو تهوية على مدار 24 ساعة منذ 30 يونيو 2017، ويتم تعذيبها بمنع التريض، فلا تخرج من الزنزانة سوى 5 دقائق يوميًا للذهاب إلى الحمام، ومنع الزيارة، فلم يسمح لأي من أفراد عائلتها بالزيارة، ومنع الطعام فلا يتم تقديم سوى القليل من الطعام يوميًا، ومنع العلاج، وهي التي تعاني الإهمال الطبي وتزداد حالتها سوءًا كل يوم.

وتابع "عدالة": هناك حالة إبراهيم متولي، المحبوس منذ عامين، والذي تعرض للتعذيب البدني بالكهرباء في أماكن متفرقة من جسده، وتم تجريده من ملابسه، ثم سُكبت مياه باردة على جسده، ثم انتقل إلى مرحلة جديدة من التعذيب؛ فهو ممنوع من العرض على مستشفى السجن أو العلاج ودخول الأدوية، رغم إصابته بالتهابات شديدة بالبروستاتا ورعشة بالأعصاب، وممنوع من التعرض للشمس، كما أصيب بضعف شديد بالنظر وفقدان كبير للوزن، ورغم ذلك فهو ممنوع من الزيارة والتريض.

وأشار إلى أن هناك أيضًا حالة الطفل كريم حميدة، البالغ من العمر 17 عامًا الذي تعرض للتعذيب البدني، كالصعق بالكهرباء في أماكن متفرقة من جسده والضرب والتهديد بالصعق بالكهرباء؛ للاعتراف، وظل محتجزًا لما يزيد عن ثلاث سنوات في ظروف احتجاز غير آدمية، ثم تمت إحالة أوراقه إلى المفتي رغم أنه يبلغ أقل من السن القانونية.