منذ تشكيل التحالف السعودي الإماراتي في 2015 من أجل مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة لم يشهد هذا التحالف تفككًا وانقسامًا كما حدث في صيف 2019م، فالشرخ الواضح بين الرياض وأبوظبي له انعكاسات عميقة على مستقبل الأوضاع في المنطقة بشكل عام، سواء في اليمن التي شهدت خلافات واضحة برزت للعلن بين الحليفين الخليجيين، خصوصًا ما يتعلق بانقلاب عدن المدعوم إماراتيًّا على حساب الحكومة الشرعية التي لا تزال الرياض تدعمها، أو على حساب الكيان الصهيوني الذي يخشى من توسع وتعميق هذا الشرخ على مصالحه أو حتى على سياسات الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها في المنطقة، وهو ما يهدد سياسات واشنطن وتحالفاتها في المنطقة من أجل مواجهة إيران والحد من نفوذها الإقليمي.

هذا الانقسام الواضح دفع صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إلى اعتبار انسحاب الإمارات من اليمن بدايةً لتصدع كبير في التحالف، كما يعد ضربة للحملة التي تقودها السعودية، كما أدت الفوضى الحالية إلى زيادة تشويش استراتيجية واشنطن في الخليج، وتعقيد سياستها تجاه إيران، وبالإضافة إلى فرض تغييرات على نهج إدارة "ترامب" تجاه اليمن، فقد يؤثر تفكك التحالف السعودي - الإماراتي أيضًا على مكانة كل من السعودية والإمارات في العاصمة الأمريكية.

محطات التباعد

أولاً: بدأت أبوظبي في الابتعاد عن الرياض بشكل هادئ منذ أكتوبر 2018م، عندما تم قتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في إسطنبول بتركيا، وعلى الرغم من إعلان الإمارات دعمها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان - الذي يُعتقد على نطاق واسع أنه أمر بالقتل - يبدو أنهم بدءوا في مراجعة أفكارهم والنظر في مدى حكمة الحفاظ على ارتباط وثيق بخطط وسياسات ولي العهد السعودي. وفيما يبدو، بدأ قادة الإمارات يشعرون بالقلق من أن سمعتهم قد تتلطخ مع تراجع أسهم السعودية في واشنطن، وبالتالي، فقد شرعوا بهدوء في الابتعاد عن "بن سلمان" ونظامه.

ثانيًا: لعل أحد أهم أسباب الانقسام بين الحليفين أيضًا يعود لتصورات كل منهما إلى طبيعة الصراع في اليمن. فلطالما نظرت السعودية إلى الصراع على أنه جزء من صراع أوسع للحد من نفوذ إيران الإقليمي، ورأت أن دعم طهران للمتمردين الحوثيين يشكل تهديدًا أمنيًّا رئيسيًّا، وأنه جزء من استراتيجية إيرانية لإنشاء منطقة نفوذ على حدود المملكة الجنوبية.

ونتيجة لذلك، تعامل السعوديون مع الحرب كجبهة أخرى في الصراع الوجودي المتصوَّر بين البلدين، وطبقوا تكتيكات الأرض المحروقة في اليمن؛ ما أثر شكل كبير في السكان المدنيين والبنية التحتية وتسبب في أزمة إنسانية هائلة، وربما ورّطت المملكة بذلك الولايات المتحدة ومورّدي الأسلحة الآخرين في جرائم حرب، وفقًا لتقرير خبراء الأمم المتحدة الصادر في 3 سبتمبر.

أما الإماراتيون فقد نظروا للصراع من زاوية مختلفة، ونظرًا للترابط الاقتصادي والجيوسياسي مع طهران، أثبتت الإمارات أنها أقل اهتمامًا بهزيمة إيران وحلفائها من الحوثيين، وأن تدخلها جاء بهدف تحقيق مكاسب جيوسياسية محددة. فقد أرادت أبوظبي منع سقوط ميناء "عدن" الجنوبي تحت سيطرة الحوثيين ومنع تعريض مسارات الشحن عبر "باب المندب" للخطر؛ ما يهدد المصالح التجارية الإماراتية، ولعل هذا ما يفسر الدعم الإماراتي لميليشيات الحزام الأمني الانفصالي في جنوب اليمن؛ وذلك لضمان السيطرة على الميناء الأهم في البلاد.

ثالثًا: من أوجه الخلاف بين الحليفين أيضًا ما يتعلق بموقف كل منهما من حزب الإصلاح اليمني (ممثل الإخوان في اليمن)، فالحزب يحظى بدعم النظام السعودي، وذلك في إطار صراعها الإقليمي ضد طهران، لكن أبوظبي تسعى بكل قوة ليس فقط إلى إقصاء الإسلاميين بل استئصالهم من كل البلاد العربية.

لماذا تراجعت أبوظبي؟

الغريب في الأمر أن تراجع أبوظبي جاء بعد مواقف متشددة تجاه إيران، والتي من أجل عداوتها والحد من نفوذها قادت الرياض وأبوظبي حصارًا شاملاً على الشقيقة قطر منتصف 2017م؛ بحجة أنها تخالف الإجماع الخليجي بشأن إيران، لكن انسحاب الإمارات جاء متزامنًا مع انتهاك إيران شروط الاتفاق النووي ومهاجمة ناقلات نفط في الخليج، كما تزامن مع نشر الحوثيين أدلة تؤكد أنهم نفذوا هجمات بطائرات من دون طيار على مطارات في الإمارات، وبعبارة أخرى يُمثِل انسحاب الإمارات تراجعًا منها عن السياسة المتشددة التي تتبناها السعودية والولايات المتحدة ضد إيران، وبذلك تشير الإمارات إلى إيران بأنَّها تريد الحلول الدبلوماسية بدلاً من المواجهة العسكرية في مضيق هرمز بين البلدين.

كما تجدر الإشارة إلى أن شرارة العنف في الجنوب اندلعت في اليوم التالي لزيارة وفد إماراتي إلى طهران؛ بسبب هجومٍ على قواتٍ موالية للمجلس الانتقالي الجنوبي أعلن الحوثيون المدعومون من إيران مسئوليتهم عنه، ومع ذلك بدأ المجلس شنّ هجماته ضد حكومة هادي، بداعي أنَّها كانت وراء الهجوم!

وأمام الدعم الإمارات للانفصاليين في الجنوب، سعى المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًّا إلى السيطرة على البنية التحتية الحيوية للنفط والغاز الطبيعي، وهبّت السعودية لتعزيز موقف حكومة هادي على الأرض بدفع رواتب للقوات الموالية للحكومة، وبحسب "واشنطن بوست" إذا استمرَّت قوات هادي في تقوية وضعها واستعادة الأراضي في عدن من المجلس فقد تفقد الإمارات نفوذها في اليمن.

ومن المرجح أن ينعكس دعم الإمارات للمجلس الانتقالي الجنوبي سلبًا على شراكتها مع السعودية؛ إذ تُقدِّم السعودية والإمارات نفسيهما على أنَّهما جبهةٌ موحَّدة، لكنَّ هادي - الذي يقيم في الرياض والمدعوم منها - يضغط على الإمارات من منفاه في الرياض؛ كي تُظهر صدق التزامها بأهداف التحالف العربي في اليمن؛ إذ ألقى الرئيس اليمني باللوم على الإمارات في استيلاء المجلس الانتقالي الجنوبي على عدن، وطالب بإخراج الإمارات من التحالف.

وردًّا على ذلك، ذهب مسئول أمني سابق في الإمارات بعيدًا بالإشارة إلى إمكانية اغتيال هادي!.

وتحاول السعودية والإمارات تسهيل المفاوضات بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي. لكنَّ حكومة هادي ترفض المشاركة في المناقشات إلى أن يعيد المجلس إليها السيطرة على عدن وغيرها من المناطق الجنوبية، وبدوره لن يتنازل المجلس عن الاعتراف به ممثلاً للجنوب.

خلاصة القول: إنَّ الوضع في اليمن ما زال في حالة تغيُّر مستمر، وستظهر الإمارات التزامها للسعودية، ولن تتخذ خطوة جريئة أخرى في اليمن، ما لم تكن القوات التابعة لها بالوكالة في موقف قوةٍ على الأرض، وستتفق الإمارات مع الأهداف السعودية ما دام هادي على رأس صراعات السلطة.