لليوم الثاني على التوالي  تواصلت ردود الفعل المنددة بإعلان رئيس  حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عزمه على ضم "غور الأردن" بالضفة الغربية المحتلة في حال إعادة انتخابه في 17 سبتمبر الجاري. لكن تقديرات المتابعين والمحللين تدور حول اعتبار هذه التصريحات  "خدعة انتخابية"، بينما يراها البعض جزءا من "صفقة القرن"، التي تعهدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الإعلان عن شقها السياسي في أعقاب انتخابات الكنيست في 17 سبتمبر الجاري.
وكان نتنياهو، قد تعهد الثلاثاء 10 سبتمبر 2019م، بتطبيق سيادة الاحتلال على غور الأردن في الضفة الغربية المحتلة إذا أعيد انتخابه في 17 سبتمبر. وقال نتنياهو في خطاب تلفزيوني: "هناك مكان واحد يمكننا فيه تطبيق السيادة الإسرائيلية بعد الانتخابات مباشرة". وخاطب المواطنين قائلا: "إذا تلقيت منكم تفويضا واضحا للقيام بذلك (...) أعلن اليوم نيتي إقرار سيادة إسرائيل على غور الأردن وشمالي البحر الميت". وقال نتنياهو وفقا لـ"الأناضول": "يجب علينا أن نصل إلى حدود ثابتة لدولة إسرائيل، لضمان عدم تحول الضفة الغربية إلى منطقة مثل قطاع غزة"، مضيفا: "هذه فرصة ثمينة لنا، ولأول مرة تأتي، ولن تكون لنا حتى 50 سنة مقبلة، أعطوني القوة لأعزز إسرائيل وأمنها، أعطوني القوة من أجل تحديد إسرائيل".

إدانة واسعة
واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أمس الأربعاء،  تصريحات نتنياهو بأنها "إجراء غير قانوني يقوض احتمالات السلام بالمنطقة". وقال غوتيريس في بيان: "مثل هذه الإجراءات ستشكل، إذا نُفذت، انتهاكا جسيما للقانون الدولي". وأضاف: "ستكون مدمرة لإمكانية إحياء المفاوضات وللسلام الإقليمي". وعلى لسان ناطقه اعتبر الاتحاد الاوروبي ذلك يقوض "إمكانات حل الدولتين وفرص السلام الدائم". ودانت الخارجية الروسية هذه التصريحات وحذرت من أنها سوف تؤدي إلى مزيد من التوتر في المنطقة، وتقوض آمال التوصل إلى خطة سلام بين (إسرائيل والعرب). وشددت على ضرورة حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وفقا لقرارات مجلس الأمن ومبادئ مؤتمر مدريد للسلام، ومبادرة السلام العربية.
وعلى المستوى العربي، امتدت الإدانة لتشمل حلفاء "إسرائيل" كالسعودية والإمارات والبحرين، وقررت منظمة التعاون الإسلامي عقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية الدول الأعضاء، الأحد المقبل، بناءً على طلب من السعودية، رئيسة الدورة الحالية بالمنظمة، لبحث مخططات نتنياهو. كما عبرت كل من المانيا والسويد وتركيا عن رفضها لتصريحات رئيس حكومة الاحتلال.

"خدعة انتخابية"
ضم "غور الأردن" يحظى بإجماع داخل الكيان الصهيوني منذ الاستيلاء عليه واحتلاله بعد هزيمة 1967م، وذلك لأهميته الاقتصادية والاستراتيجية، لكن تنفيذ ذلك على الأرض يعني ببساطةٍ إلغاء أي فرص للتهدئة أو مواصلة عملية السلام من الأساس؛ لماذا؟
الأمر الآخر، أن نتنياهو لو أراد تنفيذ وعوده بضم غور الأردن وشمال البحر الميت لفعلها وهو في موقف يمكّنه من أن ينفذ ذلك في ظرف ثلاثة أيام، عن طريق تقديم مشروع قانون إلى الكنيست وبشكل محسوم سيتم تمرير القانون، فالأغلبية في إسرائيل يريدون ذلك وسيصوتون لصالحه. لكنه لم يقدر على فعل ذلك؛ لماذا؟
الإجابة على السؤالين السابقين يعود إلى أن اتفاقيات أوسلو التي وقَّعتها حكومة الاحتلال مع السلطة الفلسطينية في 13 سبتمبر 1993، سُميت "اتفاق غزة وأريحا"، ومحافظة أريحا تقع في غور الأردن، أي إن أهمية الغور أساسية بالنسبة لأي دولة فلسطينية مستقبلية، وهذا هو السبب الذي منع أي رئيس وزراء إسرائيلي من الإعلان عن ضمها من قبل.
ولهذه الأسباب، يرى محللون وخصوم نتنياهو أن ما أعلنه لا يعدو كونه وعدا انتخابيا غير قادر على تنفيذه، لكنه  يعكس مدى أهمية انتخابات الأسبوع المقبل بالنسبة له شخصياً، فعدم فوزه واحتفاظه بمنصبه يعني بنسبة كبيرة أن يكون مصيره السجن.
ويتفق مع هذا الرأي، يائيرلابيد، أحد قادة حزب "أبيض أزرق" المنافس الرئيس لتكتل نتنياهو اليميني، والذي انتقد تصريحات نتنياهو، وقال إنه "لا يريد ضم الأراضي التي أعلن عنها، لكنه يريد ضم الأصوات"، وأضاف: "هذه خدعة انتخابية وليست خدعة ناجحة بشكل خاص، لأن الكذبة مكشوفة للغاية".

جزء من "صفقة القرن"
اللافت في الأمر، أن حجم الإدانة لتصريحات نتنياهو امتد ليشمل دول "التحالف العربي الصهيوني" والتي تضم السعودي والإمارات والبحرين؛ ومبلغ الدهشة أن هذه العواصم التي انتفضت رفضا لتصريحات نتنياهو تواطأت مع الموقف الأمريكي والإسرائيلي في قرارين لا يقلان خطورة هما قرار واشنطن بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها بدلا من "تل أبيب" المحتلة. وكذلك قرار ضم هضبة الجولان المحتلة السورية. فلماذا انتفضت على تصريحات نتنياهو إلى هذه الحد المدهش؟
تفسير ذلك، يعود إلى أمرين:
الأول، أن هذه العواصم تدرك أن تصريحات نتنياهو حقيقية وأنها تمثل جزءا من صفقة القرن الأمريكية التي سوف يتم الإعلان عنها بعد ظهور نتائج انتخابات الكنيست الأسبوع المقبل؛ وتريد هذه العواصم العربية المعروف عنها انحيازها السافر للصهاينة والعداء للمقاومة الفلسطينية المشروعة إبراء ذمتها "إعلاميا" أمام شعوبها حتى لو كانت تتواطأ مع هذا القرار الصادم في الخفاء، وهو ما يعني أن تصريحات نتياهو جادة وتمثل جزءا من صفقة القرن التي يتواطأ هؤلاء الحكام مع الاحتلال على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية المشروعة.
الثاني، أن هذه التصريحات مجرد "دعاية أو خدعة انتخابية"، والهدف من هذا الموقف المتشدد  من جانب عواصم التحالف العربي الصهيويني يستهدف إكساب هذه التصريحات مسحة من الجدية لإقناع الناخب اليهودي بموقف نتنياهو الذي ترغب هذه العواصم في فوزه بالانتخابات وبقائه في السلطة لإتمام ما تبقى من مؤامرات على فلسطين وشعبها وباقي شعوب المنطقة.