انطلقت الانتخابات الرئاسية التونسية في الخارج الجمعة الماضية 13 سبتمبر2019، وتنطلق الأحد 15 سبتمبر المعركة التنافسية في الداخل؛ حيث يترقب 7 ملايين تونسي منافسة ضارية بين 24 مرشحا، يصعب التنبؤ بنتائجها وفق مراقبين، وشهدت الساعات الأخيرة قبل الصمت الانتخابي انسحاب مرشح حركة مشروع تونس محسن مرزوق، ومرشح حركة الوطن الجديد سليم الرياحي، لفائدة المرشح عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع الوطني في حكومة يوسف الشاهد.

ويعدّ الزبيدي من بين 5 شخصيات تشير معظم استطلاعات الرأي إلى تقدمها في نوايا التصويت، بالإضافة إلى عبدالفتاح مورو مرشح حركة النهضة ويوسف الشاهد مرشح حركة تحيا تونس ونبيل القروي مرشح حزب قلب تونس المثير للجدل والذي انشق عن حزب النداء منذ 3 سنوات ويحظى بدعم إقليمي قوي من جهات غامضة، وهو محتجز حاليا بتهمة تبييض أموال، إضافة إلى قيس سعيد المرشح المستقل، كما يخوض السباق امرأتان هما المحامية العلمانية المتطرفة ورافعة لواء سحق الإسلاميين والدفاع عن نظام بن علي عبير موسي، ووزيرة السياحة السابقة وامرأة الأعمال سلمى اللومي.

وخلال مرحلة الدعاية قدمت تونس مشهدا فريدا لا نظير له في العالم العربي، وذلك عبر البث المباشر على شاشات التلفاز وأثير الراديو ومواقع التواصل الاجتماعي على مدار ثلاثة أيام، لمناظرات تلفزيونية غير مسبوقة، تابعها حوالي 3 ملايين تونسي وأجاب فيها بكل ديمقراطية 24 مرشحا على أهم الأسئلة والاستفسارات.

وتشرف الهيئة العليا المستقلة على الانتخابات، ويتكون مجلسها المركزي من 9 أعضاء. تتفرع عن الهيئة المركزية، 27 هيئة داخل تونس، و6 في الخارج جرى تشكيلها بمناسبة الانتخابات. ووفق المادتين 111 و112 من القانون الانتخابي، يُنتخب رئيس الجمهورية بالأغلبية المطلقة للأصوات المصرّح بها (50 في المئة+ واحد من الأصوات).
وقررت هيئة الانتخابات أن يكون موعد إعلان النتائج الأولية للجولة الأولى في 17 من سبتمبر الجاري، على ألا يتجاوز موعد إجراء الجولة الثانية، إن وُجدت، 3 نوفمبر المقبل، ويمكن الطعن أمام الدوائر الاستئنافية للمحكمة الإدارية في النتائج الأولية للانتخابات، في أجل أقصاه 3 أيام من تاريخ تعليقها بمقرات الهيئة، حسب البند 145 من القانون الانتخابي، ويراقب عملية الاقتراع أكثر من 4500 ملاحظ ينتمون إلى عدد من المنظمات وجمعيات المجتمع المدني المحلية، إضافة إلى 300 ملاحظ أجنبي.

عقبات في الطريق

يعد الوضع الاقتصادي أحد أهم عقبات تونس، ذلك أن الاقتصاد التونسي الهش يعتمد بشكل أساسي على السياحة ومع بعض العمليات الإرهابية المسلحة التي استهدفت سياحا، تأثر القطاع، وما تزال تونس تتعافى من هذه الحوادث الوحشية. وتصل نسبة البطالة في تونس إلى 15.2% على مستوى البلاد. وثمة مخاوف من الإذعان لشروط صندوق النقد الدولي والمضي على طريق وعر كما حدث في مصر، وهو ما أفضى إلى كوارث اقتصادية عنيفة أدت إلى تزايد معدلات الفقر إلى معدلات قياسية تصل رسميا إلى 32،5% وبحسب تقديرات البنك الدولي فإنها تقترب من 60%.

أما العقبة الثانية، فهي أجندات دول الخليج وتحالف الثورات المضادة وتحالفها مع أركان الدولة العميقة لنظام زين العابدين بن علي والتي تبذل كل مساعيها لوأد التجربة الديمقراطية وعودة تونس إلى حكم عسكري استبدادي من جديد.

وكان الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي قد اتهم الإمارات صراحة بالعمل على تقويض مكتسبات ثورة الياسمين قائلا في تصريحات إعلامية يناير الماضي: "كان واضحًا أن هناك إرادة إقليمية لإفشال الربيع العربي، الذي فشل بالحرب الأهلية في ليبيا وسوريا واليمن، وبالانقلاب العسكري في مصر.. إننا نؤكد من جديد أننا نشعر بوجود مؤامرة ضد تونس تهدف إلى زعزعة استقرارها، وبأن غرفة العمليات في الإمارات العربية المتحدة هي الرأس المدبر وراءها".

وشهدت تونس في  2018 احتجاجات ضد الدور المشبوه للإمارات بعد أن كشفت صحيفة Le Monde Afrique عن ما وصفتها بمحاولة انقلاب برعاية أبو ظبي، وطالب المتظاهرون في العاصمة حينها بإنهاء التدخل الأجنبي في تونس وطرد سفير أبوظبي.

وأمام دعم الإمارات للانقلاب الذي نفذه الجيش بمصر على المسار الديمقراطي منتصف 2013م ، وكذلك رعاية أبوظبي للحملة العسكرية المستمرة للجنرال الليبي خليفة حفتر والهادفة إلى اقتناص السيطرة على طرابلس بالحسم العسكري والقمع؛ فإن مخاوف التونسيين على ديمقراطيتهم وثورتهم تبقى مبررة.

العقبة الثالثة، تتمثل في مدى قدرة العلمانيين على القبول بإسلامي، مرشحا ورئيسا، إذا فاز، وهل تقبل الأحزاب والنخب العلمانية بنتائج الانتخابات إذا أسفرت عن فوز مرشح حركة النهضة عبدالفتاح مورو، وعدم تشويهه مرشحا والتآمر عليه حال فاز بالرئاسة لإفشاله كما حدث في مصر؟! حيث تسبب استعلاء النخبة العلمانية ورفضها التسليم بنتائج الديمقراطية بل تحريض الجيش للانقلاب على الديمقراطية أفضى كل ذلك إلى وأد المسار الديمقراطي كله وعودة مصر إلى حكم ديكتاتوري أكثر قمعا وسوءا من استبداد نظام مبارك الذي قامت عليه الثورة.

العقبة الرابعة، هي التدخل الصهيوني السافر، في الانتخابات الرئاسية فيوم الأحد الماضي 8 سبتمبر؛ حيث كشفت شركة "فيسبوك" استخدام شركة صهيونية حسابات مزيفة لاستهداف انتخابات في دول إفريقية، وحذرت منظمة "سكاي لاين الدولية" (تأسست عام 2017 في استوكهولم) الأطراف السياسية في تونس من تدخل صهيوني، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، للتأثير في الانتخابات الرئاسية.

وأكد البيان أن "شركات صهيونية متخصصة بالأخبار المزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي دأبت على استهداف دول أهمها تونس، عبر عشرات الصفحات الإخبارية التي تنشر أخبارًا كاذبة"، ونقل البيان عن السكرتير العام للمنظمة  معاذ حامد، قوله: "إن الصفحات الإخبارية والحسابات المزيفة التي كانت تستهدف تونس يتابعها أكثر من 3 ملايين متابع".

وأمام هذه المعطيات والعقبات فإن الانتخابات التونسية الرئاسية حاليًّا والبرلمانية في أكتوبر المقبل إما أن تكون تكريسا لتجربة ديمقراطية رائدة تحظى بإعجاب كل الحالمين بالحرية والعدل، وإما أن تكون بوابة للفوضى والتشرذم حال غلبت المصالح الأيديولوجية الضيقة على مصالح الوطن والانقلاب على ثوابت الديمقراطية وإرادة الشعب تحت أي دعاوى مزعومة تخفي وراءها أطماعًا في الحكم والسلطة لنخب عسكرية وعلمانية طالما أدمنت التآمر ونصب الفخاخ.