بمجرد طرح اسم "غزة"، فإن حالة من الهوس والرعب تنتاب قطاعًا عريضًا من الصهاينة، وقبل انتخابات الكنيست المقررة الثلاثاء 17 سبتمبر الجاري، فإن الأحزاب الصهيونية المتنافسة تفضل تجاهل مشكلة غزة أمام جمهور الناخبين، رغم أن قادتها يتبادلون الاتهامات بين بعضهم بعضًا، في استمرار حالة الاستنزاف القادمة من غزة، في حين أن أحزابًا أخرى تفضل عدم الحديث بتاتًا عن مسألة غزة، وفريقًا ثالثًا من الأحزاب تذكر مشكلة غزة دون طرح حلول جدية وجذرية". أما الفريق الرابع فيكتفي بطرح حلول قديمة سبق تجريبها دون جدوى عملية لها، لكن من يقدمون حلولاً يرون أنها بعيدة المدى يتجاهلون وجود حماس في القطاع كحقيقة قائمة بذاتها.

كانت هذه خلاصة المسح السياسي الذي أجراه تاني غولدشتاين، الكاتب الصهيوني، لمواقف الأحزاب الصهيونية من الأوضاع الدائرة في قطاع غزة، ومستقبل المواجهة مع حماس.

وتأكيدًا لحالة الهوس والرعب التي تنتاب الصهاينة، فإن "قطاع غزة، البالغ عدد سكانه مليونا نسمة، تبدو الأمور فيه محبطة جدًّا بالنسبة للكيان الصهيوني، من جانبين؛ الأول: بقاء حماس على رأس إدارة القطاع، وثانيها: تواصل عمليات طلاق النار والصواريخ وجولات التصعيد والقتال المتكررة. كل ذلك يجعل من غزة إحدى أهم الإشكاليات التي تواجه الاحتلال، حتى إن كلمة "غزة" تظهر في محرك البحث الصهيوني باللغة العبرية 320 ألف مرة، ويتم تكرارها يوميًّا في نشرات الأخبار الصهيونية".

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن قادة الأحزاب الصهيونية يتبادلون الشتائم والاتهامات حول العجز عن وضع حلٍّ لمشكلة غزة، والخضوع لحماس في كل مرة، وفي رصد لمضامين وتوجهات البرامج الانتخابية الصهيونية المقدمة لجمهور الناخبين لانتخابات الكنيست يظهر أنها لا تقدم بدائل عملياتية للسياسة التي يهاجمونها، وبعض الأحزاب لا تأتي على ذكر غزة، وغيرها يطرح حلولاً ضبابية ليس واضحًا كيفية تنفيذها".

من جانبها أيضًا، رصدت صحيفة "إسرائيل اليوم" الصهيونية - في تقرير لها اليوم الأحد 15 سبتمبر 2019م - موقف أبرز الأحزاب الصهيونية المتنافسة في انتخابات الكنيست التي ستُجرى الثلاثاء المقبل، تجاه القضية الفلسطينية وقطاع غزة. فحزب "الليكود" برئاسة بنيامين نتنياهو تحدث عن أهمية "تعزيز قدرة الردع العسكرية وقوات الأمن التابعة للجيش الصهيوني، متجاهلاً أنه أخفق عمليًّا في مواجهة المقاومة الفلسطينية، فيما أكد حزب "أزرق أبيض" بزعامة الجنرال بيني غانتس أنه سيعمل على "استعادة الردع المفقود"، قائلاً: "سنهزم حركة حماس ونعيد الإسرائيليين، وبمجرد دمج حماس، سننتقل إلى ترتيب طويل الأجل"، وهو تصور حالم لم يوضح الطريقة التي يمكين بها تحقيق ذلك.

أما حزب "العمل" بزعامة عمير بيرتس، فذكر أنه "ينوي التغلب على قدرة حماس العسكرية في غزة"، زاعمًا أنه سيعمل بعد ذلك على "استئناف مفاوضات السلام"، فيما أكد حزب "إسرائيل بيتنا"، اليميني، برئاسة أفيجدور ليبرمان أن "سياسة نتنياهو المتمثلة في الاستسلام للإرهاب (المقاومة في غزة) قد أفلست، ويجب تغيير الاتجاه وإزالة تهديد حماس في الجنوب والتوقف عن نقل حمايات حماس".

تحديات أمنية تواجه الاحتلال

ولا تزال صورة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتياهو وهو يقطع خطابه في أحد المؤتمرات الانتخابية ثم مغادرة المنصة هاربًا كالفأر المذعور من صواريخ المقاومة تمثل صدمة للأوساط الصهيونية التي باتت تدرك أن المقاومة قادرة على الردع والتهديد والوصول إلى أي مكان في الأراضي المحتلة.

إلى ذلك، قالت دراسة صهيونية حديثة: إن "إسرائيل تواجه جملة تحديات أمنية وعسكرية متلاحقة في المنطقة، تبدأ بإيران، وصولاً إلى قطاع غزة، وانتهاءً بحزب الله في لبنان، في ظل تصاعد الاحتمالات باندلاع حرب مع إيران، وزيادة سخونة الجبهة البحرية، فضلاً عن توفر المزيد من الصورة الاستخبارية الخاصة بالجبهة السورية، مع ما يتطلبه ذلك من تطوير للمنظومة العسكرية الإسرائيلية".

وتتوقع الدارسة - التي أعدها رئيس تحرير مجلة "يسرائيل ديفينس العسكرية" عمبير ربابورت، وهو وثيق الصلة بكبار جنرالات الجيش الصهيوني - أن نشوب حرب بين الكيان الصهيوني وإيران تتزايد مؤشراته، سواء كانت مواجهة مباشرة أو عبر حلفائها وأذرعها في المنطقة.

وأكدت الدراسة أن "الصورة الأمنية العسكرية القادمة من قطاع غزة تبدو مقلقة لإسرائيل"، لافتًا إلى أن جيش الاحتلال قد أنهى في الشهور الأخيرة جملة استعدادات طويلة لحرب شاملة أمام حماس؛ ما دفع برئيس أركان الجيش الصهيوني الجنرال أفيف كوخافي؛ لاعتبار جبهة غزة الأكثر اشتعالاً، في ضوء الاختبارات الصهيونية التي تُجرى لهذه الجبهة، ووضعية حماس العسكرية بعد خمس سنوات على اندلاع حرب غزة الأخيرة في 2014"، وينتهي إلى التحذير من سلاح الطائرات المسيرة الذي بات يشكل تهديدًا مباشرًا في ظل حيازة إيران وأذرعها في المنطقة وحركات المقاومة الفلسطينية سلاحًا مشابهًا.

ويبدو مستقبل العلاقة يبن الاحتلال وغزة غامضًا، لكن الراجح أن أي حكومة صهيونية قادمة سوف تشن حربًا جديدة على قطاع غزة؛ أملاً في سحقها وإنهاء وجودها وربما تكون المواجهة الأصعب على الإطلاق على غزة، ولذلك فإن حركات المقاومة تعد نفسها لهذه المواجهة عبر تطوير سلاح الطائرات المسيرة والصواريخ والعمل على أن تكون هذه الأسلحة دقيقة في إصابة الأهداف مع قدرة تدميرية عالية قادرة على تحقيق نوازع الرعب.