من مفارقات الدورة الحالية للأمم المتحدة أن يقف قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي مهاجمًا – كعادته – الإسلام ويتهمه بالوقوف وراء الإرهاب والعنف في العالم، بدعوته للوقوف ضد ما يسمى "الإسلام السياسي"، وبالمقابل يقف زعماء ماليزيا وتركيا وباكستان يدافعون عن الإسلام ويهاجمون استهداف الغرب للإسلام بدعاوى العنف والتطرف.

ففي سعيه للهروب من الثورة الشعبية المطالبة برحيله ومحاكمته في مصر، لجأ السيسي إلى حيلة مهاجمة الإسلام خلال لقائه مع الرئيس ترامب وفي كلمته بالأمم المتحدة، طلبا لرضاء الغرب ودعمه للبقاء في الكرسي.

وهو نهج اتبعه في العديد من المؤتمرات حين حمّل المسلمين ما زعم أنه سعيهم لقتل غير المسلمين في العالم، وحمّل الإسلام في مؤتمر بالأزهر مسئولية الإرهاب؛ ما اضطر شيخ الأزهر للرد عليه ضمنًا بالحديث عن أن العنف والإرهاب موجود لدى المسيحيين واليهود، وليس مرتبطًا بالإسلام كما يزعم الغرب، وبالمقابل سعى عمران خان، رئيس وزراء باكستان، والرئيس التركي أردوغان، ورئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، للدفاع عن الإسلام وانتقاد من يهاجمونه ويحملونه مسئولية العنف والإرهاب.

بل وأعلن عمران خان أن الزعماء الثلاثة قرروا في اجتماع مشترك أن تطلق الدول الثلاث قناة عالمية باللغة الإنجليزية لمواجهة انتشار ظاهرة التخويف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) وتوضيح الصورة الحقيقية لعظمة الدين الإسلامي.

وتزامن هذا مع كشف تقرير أمريكي صدر خلال شهر سبتمبر الجاري عن "مشروع التصوير الإعلامي للأقليات" التابع لكلية ميدلبري بولاية فيرمونت الأمريكية أن المسلمين هم الأقلية التي تعرضت لأكثر تغطية سلبية في وسائل الإعلام الأمريكية خلال عام 2018، من بين خمس أقليات عرقية ودينية رئيسية في الولايات المتحدة.

وقال معدو الدراسة: "تحليلنا يظهر أن التغطية الصحفية للمسلمين كانت الأكثر تكرارًا والأكثر سلبية بفارق كبير (عن الأقليات الأخرى).

عداء السيسي للإسلام

عداء السيسي للإسلام بلا حدود وليس للأمر علاقة بعدائه لجماعة الإخوان، ولا تظاهره بالتدين وظهور "زبيبة" الصلاة (التي اختفت لاحقا كأنها كانت مصنوعة)، وتصريحاته تكشف ذلك.

وفي سبيل الدفاع عن كرسي السلطة الذي اغتصبه اختلق عداءً غير مبرر مع التيارات الإسلامية والزعم أنها تسعى لكرسي الحكم مع أنها فازت به في انتخابات حرة عام 2011 أتى بها الشعب ولم تقفز على الكرسي، مثل السيسي، ولكنه سعى للربط بينهم وبين الإرهاب كفزاعه للشعب ليكره الإخوان.

وظهرت مظاهر هذا العداء في مناسبات عديدة، أشهرها قوله "كل ما يخالف الدين نحن معه وندعمه"!!، وفي يناير 2015، أظهرت كلمته في الاحتفال بالمولد النبوي انتقادًا ضمنيًا للإسلام ووصفه بأنه دين عنف؛ حيث قال: "نصوص وأفكار تم تقديسها على مئات السنين وأصبح الخروج عليها صعب أوي لدرجة أنها بتعادي الدنيا كلها"!!، وأضاف: "يعني الـ1.6 مليار (مسلم) هيقتلوا الدنيا اللي فيها 7 مليار عشان يعيشوا هما؟"!!

وفي حوار مع "برت ستيفنز" وول ستريت جورنال الذي جاء بعنوان: "المصلح غير المحتمل للإسلام"، استمر السيسي في تصريحاته الغريبة حول الدين؛ حيث قال إن "الإسلام لم يقل إن المسلمين فقط سيذهبون إلى الجنة والآخرين إلى النار".

وفي ديسمبر 2015، زعم "السيسي" في كلمته بمناسبة المولد النبوي الشريف، ضمنًا، أنهم (المسلمين) يريدون إقصاء أصحاب الأديان الأخرى، قائلاً: "الوجود (الكون) ليس لنا فقط، بل هناك أديان وأمم ومذاهب مختلفة ومش ممكن هنكون لوحدنا"!!

وفي ديسمبر 2016، أشار السيسي إلى رغبته في إشراك العلمانيين وبعض مدعي الثقافة وعلم النفس في تنقية الدين مما أسماه "التطرف"، وعدم قصر الأمر على الأزهر بعدما ألمح إلى عدم استجابة شيخ الأزهر؛ حيث دعا في كلمته باحتفالية المولد النبوي، إلى ما أسماه "تشكيل لجنة من كبار علماء الدين والاجتماع وعلم النفس لتنقية النصوص الدينية"!!

وفي نوفمبر 2018، دعا السيسي إلى "تنقية السنة النبوية ولإعادة قراءة تراثنا الفكري"، زاعمًا: "نقتبس من هذا التراث ما ينفعنا في زماننا ويناسب متطلبات عصرنا"، وكان هذا أخطر الخطب؛ لأنه دعوة صريحة لإلغاء أحاديث شريفة وعدم الأخذ بها والمطالبة بما يطالب به العلمانيون من تنقية الأحاديث النبوية بأخذ بعضها وإنكار البعض الآخر.

ورغم محاولة السيسي، الموجود حاليًّا في نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، توجيه اتهام غير مباشر لجماعة الإخوان المسلمين بإثارة الاحتجاجات عندما قال إن اللوم يقع على "الإسلام السياسي"، ورغم حملة الاعتقالات الواسعة والحشد الأمني فإن أسباب الاحتجاجات تضع البلاد على المحك، بحسب تقرير لدويتش فيله.

أردوغان يدافع عن الإسلام وفلسطين

مقابل هجوم السيسي الضمني على الإسلام ولصقه بالإرهاب، كما يفعل ترامب ونتنياهو، ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كلمة أمام الجمعية للأمم المتحدة، تناولت العديد من القضايا الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، وانتقد هيمنة دول محدودة على النظام الدولي.

ورفع الرئيس التركي لأول مرة خرائط تبين كيف اغتصب الصهاينة فلسطين، وكيف أن ما يسمى فلسطين لم يعد له وجود، ودافع عن القضية الفلسطينية بشراسة؛ ما دفعه للانخراط في مواجهة مع رئيس الوزراء الصهيوني.

وقال إن "الحل يكمن في تأسيس دولة فلسطينية بأسرع وقت ممكن تكون مستقلة وأراضيها متجانسة على أساس حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية
أيضًا دفاع الرئيس التركي عن مسلمي كشمير الذين يعانون من شبه حصار رغم قرار مجلس الأمن الدولي، كما تحدث عن محنة اللاجئين الروهينجا المسلمين ومعاناة لاجئي سوريا.

وتعهد الرئيس التركي بمتابعة قضية جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي قطعت جثته في قنصلية بلاده بإسطنبول، كما تحدث عن ظروف وفاة الرئيس الشهيد محمد مرسي، وقال إنها تمثل "جرحا نازفا"، ودعا إلى كشف ملابساتها في إشارة ضمنية لقتل نظام المنقلب السيسي له.

مهاتير محمد يدافع عن الإسلام

في مؤتمر الأمم المتحدة أيضا انبرى رئيس الوزراء الماليزي للدفاع عن المسلمين في العالم ووصف ما يتعرض لها مسلمو أراكان بأنه "إبادة جماعية.

ولفت إلى اضطرار الكثير من المسلمين إلى مغادرة إقليم أراكان من أجل الأمن، مضيفًا: "فلنتحدث عن كل شيء بوضوح، ما يشهده أراكان إبادة جماعية، وما يحدث مجازر جماعية، وانتهاك قبيح لحقوق الإنسان".

وأسفرت الجرائم المستمرة عن مقتل الآلاف من الروهينجا، فضلاً عن لجوء قرابة مليون إلى بنجلاديش، وفق الأمم المتحدة.