حلت منذ أيام الذكرى الثانية لاستشهاد الأستاذ محمد مهدي عاكف، المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين، سجين كل العصور، البطل الذي ناضل ضد الاحتلال البريطاني وسجنه جميع الرؤساء، وبذل من عمره ما يقرب من 30 عاما في سجون الظالمين، وختم حياته شهيدا ثابتا ليكون رمزًا لـ"حكاية صمود".
 
عرف الشهيد محمد مهدي عاكف معالم الطريق جيدا، وكان رحمه الله نموذجا لفرد الإخوان المسلمين الذى لم ينحن أو ينكسر أمام الطغاة، رفض الاستسلام رغم تدهور صحته ومناشادات الحقوقيين ضرورة الإفراج الصحي، أو  كتابة طلب عفو صحي من قائد الانقلاب السيسي أو حتى تقديم استرحام قائلا: "لا أعتذر عن العمل مع الله، ولا أقـرّ لطاغية".
 
* النشأة
 
ولد في يوليو 1928 بكفر عوض السنيطة مركز أجا بمحافظة الدقهلية، التحق بمدرسة المنصورة الابتدائية، ثم التوجيهية من مدرسة فؤاد الأول الثانوية بالقاهرة، ثم التحق بالمعهد العالي للتربية الرياضية، وتخرج في مايو 1950م.
 
عمل بعد تخرجه مدرسًا للرياضة البدنية بمدرسة (فؤاد الأول) الثانوية.
 
* انضمامة للإخوان 
 
رغم أنّه لم يتجاوز 12 عامًا سمع الإمام الشهيد حسن البنا عام 1940م يقول: "وستدخلون بذلك لا شك في التجربة والامتحان، فستُسجنون وتقتلون وتشردون وتصادر  مصالحكم وتعطل أعمالكم وتفتش بيوتكم، هذا هو طريق أصحاب الدعوات"، ولولا المحن التي واجهها على مدار عمره لشك في صحة الطريق.
 
وتربى على شيوخ الإخوان وعلمائهم، وعلى رأسهم الامام الشهيد حسن البنا، وكان من أحبِّ المشايخ إلى نفسه محب الدين الخطيب.
 
ترك الشهيد عاكف كلية الهندسة التي كان قد التحق بها وكانت حلمه، عندما سمع الإمام البنا وهو يقول: إن هذا المعهد هو الوحيد الذي لا يوجد به أحد من الإخوان، وبعد تخرجه من معهد التربية الرياضية التحق بكلية الحقوق عام 1951، ورأس معسكرات جامعة إبراهيم (عين شمس حاليًا) في الحرب ضد الإنجليز في القناة حتى قامت الثورة، وسلَّم معسكرات الجامعة لكمال الدين حسين، المسئول عن الحرس الوطني آنذاك.
 
 وواصل جهاده الدعوي، فتولى قسم الطلاب في الإخوان، وكان هذا القسم هو الأهم في الجماعة التي قامت على أكتاف الطلاب، كما التحق بالنظام الخاص الذي أسسه البنا لمواجهة الاحتلال البريطاني.
 
كان آخر موقع شغله في جماعة الإخوان المسلمين قبل صدور قرار بحل الجماعة عام 1954م هو رئاسة قسم الطلاب.
 
* رحلة السجن
 
اعتقل أول أغسطس 1954م، وحُوكم بتهمة تهريب اللواء عبد المنعم عبد الرءوف - أحد قيادات الاخوان المسلمين بالجيش؛ الذي أشرف على طرد "الملك فاروق"- وحُكم عليه بالإعدام، ثم خُفف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.
 
خرج من السجن سنة 1974م في عهد أنور السادات ليزاول عمله كمدير عام بوزارة التعمير، وبعدها انتقل إلى الرياض بالسعودية؛ ليعمل مستشارًا للندوة العالمية للشباب الإسلامي، ومسئولاً عن مخيماتها الدولية ومؤتمراتها، كما عمل مديرًا للمركز الإسلامي بميونخ بألمانيا.
 
انتخب عضوًا بمجلس الشعب سنة 1987م عن دائرة شرق القاهرة، ضمن قائمة التحالف الإسلامي التي خاض الإخوان الانتخابات تحت مظلتها.
 
* مرشدًا للجماعة 
 
شغل عضوية مكتب الإرشاد، أعلى هيئة قيادية داخل الجماعة منذ عام 1987م حتى انتخابه مرشدا عاما في 2004.
 
بعد أن أدى دوره رفض إعادة انتخابه مرشدا للإخوان وتم انتخاب فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بديع مرشدا خلفا له في 16 يناير 2010م.
 
* استشهاده
 
اعتقلته قوات الانقلاب العسكري في يوليو 2013، عقب الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، ورفض قضاء الانقلاب الإفراج الصحي عنه، رغم مرضه الشديد واقترابه من التسعين عاما، فضلا عن الإهمال الطبي بحقه.
 
وافته المنية شهيدا بإذن الله تعالى يوم 1 محرم 1439 هـ الموافق 22 سبتمبر 2017م في مستشفى قصر العيني بالقاهرة، وهو معتقل، منعت حكومة الانقلاب إقامة جنازة له، وأجبرت أُسرته على دفنه الساعة 2 فجرا، وسمحت لـ4 أشخاص بدفنه فقط.
 
قالوا عنه
 
نعته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقالت في بيان: إنها تنعى ببالغ الحزن والأسى "فقيد الأمة وأحد أعلامها وقامة من قاماتها الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين".
 
وأضافت أن "عاكف أحد الذين كان لهم الدور الكبير في الدفاع عن قضايا الأمة وعزتها وقضية فلسطين، وكان داعما لمقاومتها ونصرة أهلها ومؤازرتهم، ومن الأوائل الذين خاضوا معركة الدفاع عن فلسطين".
 
قال الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: "عرفت مهدي عاكف رجلا قويا لا يهن، صلبا لا يلين، شامخا لا ينكسر، مستقيما لا ينحني، وعرفته في المحنة صابرا مرابطا حتى مات في محبسه راضيا مرضيا".
 
 وقال الدكتور علي القرة داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: "استشهد مهدي عاكف في سجنه مظلوما بسبب سوء العناية الطبية، دمه سيكون لعنة على كل من تسبب في استشهاده.. اللهم ارحمه وانتقم من الظالمين وأعوانهم".
 
 وكتب الدكتور محمد محسوب، وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية بوزارة هشام قنديل عبر حسابه على تويتر قائلا: "رحم الله أ/ مهدي عاكف كتب بسنوات اعتقاله ومرضه وشيخوخته قصة صراع الاستبداد وكرامة الرجال فآثر أن لا يلتمس العفو إلا من ربه فمات رجلا".