قالت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية: إن الثورة ضد العسكر مستمرة في مصر، وإن أوضاع البلاد لن تهدأ إلا برحيل الدكتاتور عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب؛ الذي تسبب في أزمات اقتصادية طاحنة زادت من أعداد من هم تحت خط الفقر إلى أكثر من 60% من المصريين.

وكشفت الصحيفة في تقرير لها عن الأوضاع في مصر بعد 20 سبتمبر عن أن الإحباط تراكم على مدار الأعوام الماضية، بين فئات الشعب المصري، خاصة الفئات الفقيرة، في ظل التدابير التقشفية الصارمة التي فرضتها حكومة العسكر.

وأشارت إلى أن فيديوهات رجل الأعمال محمد على كانت الشرارة التى كسرت جدار الخوف بين المصريين، مؤكدة أن هناك فرصة لانفجار الاحتجاجات ضد السيسي ونظام الانقلاب العسكري في أي وقت، رغم حملة القمع المكثفة والمسعورة.

نص التقرير

بدأ كل شيء يوم الجمعة 20 سبتمبر حين خرج مئات الأشخاص إلى الشوارع في جميع أنحاء مصر، مطالبين برحيل عبدالفتاح السيسي، وفي حين لا يعد هذا العدد كبيرًا بالنسبة لدولة يبلغ عدد سكانها 100 مليون شخص، ولكنه لا يزال حدثًا أدهش الكثيرين، خاصة في بلد لم تعقد فيه المظاهرات العلنية منذ عام 2016.

تم حظر الاحتجاجات في مصر منذ عام 2013 بعد أن انقلب السيسي المجرم على الرئيس الشرعي المنتخب ديمقراطيًا الشهيد محمد مرسي، و"لم يتسامح السيسي" مطلقا مع أي احتجاجات ضد حكمه واستخدم القمع والاختفاء القسري والتعذيب وأحكام السجن المطولة كأدوات لعقاب كل من يجرؤ على تحدي حكمه".

وتمتلئ سجون الانقلاب اليوم بعشرات الآلاف من المعتقلين، وتم حظر مئات المواقع الإخبارية في وقت تسيطر فيه الحكومة الانقلابية على الصحافة ووسائل الإعلام بشكل كامل.

سقوط السيسي

على مدى السنوات القليلة الماضية، نجحت قبضة "السيسي" القمعية في ثني المصريين عن التعبير عن أدنى قدر من المعارضة العلنية، مما مكنه من ترسيخ قبضته مع إبقاء الجماهير هادئة وخاضعة، لكن يوما الجمعة الأخيران كانا مختلفين، "فالاحتجاجات "النادرة" و"الصغيرة" - كما تصفها وسائل الإعلام بشكل صحيح - تعد ذات معنى، وقد تم ترديد الهتافات المطالبة بسقوط "السيسي" في العديد من المدن المصرية.

على الرغم من محدوديتها وتناثرها، تُظهر هذه التجمعات أن المصريين قد استيقظوا مجددا بعد مرور 8 أعوام على الربيع العربي عندما أسقطوا الديكتاتور الراسخ "مبارك". ومنذ ذلك الحين، عانى المصريون من ضغوط اقتصادية مكثفة وفترة طويلة من القمع السياسي، لكنهم وجدوا الآن فرصة جديدة للتنفيس عن غضبهم.

هذه المرة، لا يحتاج الأمر لأن يكون في ميدان التحرير في القاهرة - مركز الثورة المصرية عام 2011 - ولكن في أي مكان في مصر، فيما يتوسع ميدان إلى مختلف الأحياء والبلدات والمدن في جميع أنحاء البلاد.

ارتفاع الأسعار

لكن لماذا ذلك الآن؟ والجواب هو أن إحباطا قد تراكم على مدار الأعوام الماضية، خاصةً مع التدابير التقشفية الصارمة التي فرضتها الحكومة. وتأثرت مصر ببرنامج إصلاح مدته 3 سنوات مع صندوق النقد الدولي، الذي قدم قرضًا بقيمة 12 مليار دولار، في مقابل تدابير اقتصادية لا تحظى بشعبية في كثير من الأحيان.

كجزء من البرنامج، خفضت حكومة الانقلاب قيمة الجنيه المصري ورفعت أسعار السلع والخدمات الأساسية، في حين خفضت الدعم المقدم للوقود والكهرباء وبعض المواد الغذائية.

سارع الاقتصاديون والمستثمرون إلى تشجيع أرقام النمو المتسارعة في مصر وانخفاض معدلات التضخم والعجز؛ لكن الحكومة فشلت حتى الآن في ترجمة مؤشرات الاقتصاد الكلية المحسنة إلى زيادة في الدخل وتحسن في مستويات المعيشة. وقد أدى انخفاض قيمة العملة وخفض الدعم إلى ارتفاع الأسعار، مما أدى إلى سقوط ثلث السكان تقريبا في براثن الفقر.

تشير الإحصاءات الرسمية الصادرة في يوليو إلى أن 33% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر بعد سنوات من تدابير التقشف، ارتفاعا من 28% في عام 2015. ويقدر البنك الدولي نسبة الفقراء في مصر بنحو 60%.

ومع معاناة الشعب المصري من التقشف الشديد وارتفاع تكلفة المعيشة، أصبحت الحياة أكثر قسوة عليه. أضف إلى ذلك القمع المستمر ضد المعارضة، ومن السهل ساعتها أن نرى كيف يؤدي الضغط السياسي والاقتصادي للانفجار.

فيديوهات محمد علي

اشتعلت المظاهرات الصغيرة - وغير المسبوقة في الوقت ذاته - بسبب مقاطع فيديو فيروسية بثها رجل الأعمال المنفي "محمد علي"، الذي اتهم "السيسي" والجيش بتبديد الأموال العامة على نطاق واسع. ومست دعوات "علي" وترا حساسا لدى الجمهور المصري، وأثارت جدلا متجددا حول مزاعم الفساد في بلد يسيطر فيه الجيش على الاقتصاد.

لكن "محمد علي" لم يكن سوى مجرد شرارة، والآن تم كسر جدار الخوف. وسواء استمرت المسيرات خلال الأيام القادمة أو توقفت بفعل القمع، تبقى الحقيقة أن هناك فرصة لانفجار الاحتجاجات في في أي وقت، على الرغم من حملة القمع المكثفة والمسعورة.

ومنذ اندلاع المظاهرات، شنت سلطات الانقلاب أكبر موجة من الاعتقالات الجماعية في ظل انقلاب "السيسي"، حيث احتجزت أكثر من 2000 شخص، بمن فيهم محامون وصحفيون وسياسيون وحتى الكثير ممن لم يشاركوا في الاحتجاجات، ناهيك عن اعتقال العديد من السجناء السياسيين السابقين، وتم تقييد الوصول إلى مواقع الأخبار وقنوات التواصل الاجتماعي. وحاولت عدة منصات إعلامية مؤيدة للحكومة تشويه سمعة المتظاهرين من خلال وصفهم بأنهم "إسلاميون" أو "إرهابيون".

لكن حتى الآن، لا يزال الناس يخرجون إلى الشوارع. ويبدو أن قبضة "السيسي" الحديدية ليست قوية بالقدر الكافي الذي كانت عليه من قبل.

وبعد عودته من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي محاولة عصبية لطمأنة شعبه صرح "السيسي قائلا: "لا تقلقوا بشأن أي شئ"، لكنه بدا قلقا أكثر من أي شخص آخر. وتعد الاحتجاجات الأخيرة - على محدوديتها - هي العرض العلني الأكثر تحديا لسلطته منذ انقلابه.

ولن يكون الادعاء بأن الاقتصاد يسير على ما يرام كافيا لنزع فتيل الغضب الشعبي - خاصةً عندما يتم إنفاق مليارات الدولارات على بناء قصور جديدة ومشروعات ضخمة تعزز قوة الجيش - ويجب أن يعلم "السيسي" أن الإحباط الذي دفع الناس إلى الخروج إلى الشارع لن يهدأ إلا عند معالجة الصعوبات الاقتصادية التي يواجهونها.