يعتبر حسن دوح من الخطباء المفوهين داخل جماعة الإخوان المسلمين، وكان خطيبا ثوريا يجذب قلوب الطلبة بخطبه أثناء فترة الجامعة، كما أنه واحد من الذين شاركوا في حرب فلسطين ونالوا سام الشرف من الملك فاروق.

ولد حسن محمد حسن إبراهيم دوح في أكتوبر عام 1921م في قرية طفنيس المطاعنة مركز إسنا محافظة قنا؛ حيث ترعرع فيها وشب وتعلم منها الكثير يصفها بقوله: "قرية صغيرة ترقد على الجانب الغربي للنيل.. اسمها "طفنيس" وهي تتبع إسنا ثم قنا.. هذه القرية لا تزال تحكمني إلى اليوم في كثير من تصرفاتي.. وحكمها لي لا أرفضه دائما ولا أقبله كما تنزل علي.. فقريتي كانت وما زالت من أكبر المعلمين لي في حياتي.. علمتني أشياء افتقدتها في كبرى المؤسسات العلمية بل افتقدتها في الكتب والمؤلفات.. علمتني البساطة والسهولة، والصدق وقدسية الكلمة.. والحفاظ على العرض.. وعلمتني الديمقراطية بمعنى كلمة الديمقراطية.. هذا الذي علمتني إياه قريتي لم أجده على طريق الحياة الطويلة العريضة التي عشتها في المجتمع المصري وفي المجتمعات الأخرى".

حفظ القرآن الكريم بكتاب قريته، والتحق بالمدرسة الابتدائية بإسنا، ثم تلقى تعليمه الثانوي بمدرسة سوهاج الثانوية، وأنهاه بمدرسة السعيدية الثانوية بالقاهرة، التحق بعدها بكلية الحقوق جامعة القاهرة (1944) ولظروف اعتقاله حصل على درجة الليسانس (1954).

افتتح مكتبًا للمحاماة بالقاهرة، وعندما تعثر نشاط المكتب عمل في وظيفة قانونية بالإتحاد القومي، التحق بعدها بدار أخبار اليوم وشجعه مصطفى أمين على السفر إلى بريطانيا لإجراء بعض التحقيقات الصحفية، والتحق بعدها بقسم الأخبار مسؤولاً عن متابعة أخبار وزارتي المالية والإسكان، ثم قصد الكويت، وعمل خبيرًا أولاً قانونيًا بوزارة المالية والنفط حتى (1979) تاريخ عودته إلى بلاده.

حسن دوح والإخوان المسلمين

تعرف حسن دوح على جماعة الإخوان في أواخر الثلاثينيات؛ حيث كان يزور قريتهم الأخ الجنيدي جمعة بكلية اللغة العربية وأحمد رفعت بكلية التجارة، يقول فى ذلك: "وكان أول لقاء لي مع الفكر والسياسة والنشاط العام في قريتنا في الثلاثينيات، حينما زار قريتنا شابان من شباب الإخوان المسلمين المتحمسين، هما الشيخ الجندي وكان طالبا بكلية الشريعة بالأزهر، والآخر وهو أحمد رفعت وكان طالبا بكلية التجارة بجامعة القاهرة.

اجتمعت القرية في مسجد كبير لتستمع للخطبة وهم يجلجلان في صحن المسجد وعلى الرغم من جودة كلام الشيخ الجندي فإننا أعجبنا بالأفندي الذي يخطب في الدين كان أكبر من إعجابنا بالشيخ الذي كنا ننظر إليه على أنه مكلف بتأدية وظيفة تؤهله لها دراسته وملابسه التقليدية.

وبعد أن انفض الاجتماع التقيت بأحمد في "المندرة" وأرقته بأسئلة عن عمله ووظيفته وكنت في الثامنة من عمري وبعد أن شرح لي رسالته في بساطة وأنه ينتمي لجماعة تسمى "الإخوان المسلمين" وأنه موفد من قبلها ليخطب في الناس، زاد إعجابي به وتعلقت به ورجوته أن يصطحبني في رحلاته، لكنه اعتذر لي بأسلوب يتفق مع سني، قال لي أن الرحلة تحتاج لنفقات وأنك لا تستطيعها فأخرجت من جيبي خمسة قروش وقلت له أنني أملك هذا المبلغ فلاطفي ووعدني بمصاحبته بعد أن أكبر".

ثم زارهم الإمام الشهيد حسن البنا في قريتهم وتعرف على والده عمدة القرية، وفي حرب 1948م اخذ والده بيده ليسلمه للامام البنا ويقول له هذا ابني ليجاهد.

انتسب حسن دوح في البداية إلى الطريقة الخلوتية عام 1940م، غير أنه بعدما انتقل إلى القاهرة التحق بجماعة الإخوان المسلمين؛ حيث كان يزور شعبة سوهاج ليستمع إلى الخطب والدروس التي تقام بها.

يقول حسن دوح:

"وفي السنة الأولى من دراستي الجامعية بدأت التعرف الحقيقي على الإخوان حينما استمعت بإعجاب لخطب مصطفى مؤمن وسعيد رمضان وهما خطيبان ممتازان، وكان تأثيرهما في الجماهير قويا مدهشا,.... كان مصطفى يمثل الخطيب السياسي وكان سعيد يمثل الخطيب الروحاني.. ومن خلال خطب مصطفى السياسية وخطب سعيد الروحانية خطوت أولى خطواتي إلى دار الإخوان ووجدت نفسي أندمج في مجتمع جديد فرحت به إيما فرح.. ومن طريف ما أذكره أنني خشيت ألا يسجل اسمي في هذه الجماعة فألححت على المسئول الإداري في الإخوان ليتسلم مني الاشتراك الشهري، وكان قرشين كما حرصت على تسلم إيصال يثبت عضويتي".

ويضيف قوله: "وكان للأستاذ فريد عبد الخالق رئيس قسم الطلبة أثر كبير في ربطي بالدار، فقد كان الرجل يفيض إخلاصا ومحبة لعمله إلا أنه دفع بي إلى دائرة الضوء بسرعة ووضعني في مكانة المعلم ولم أكن قد تهيأت لها، ففي أواخر عام 1945 أرسل بي إلى دمنهور كمندوب لقسم الطلبة ووجدت نفسي أقف خطيبا في جمهور ليس بالقليل وأتحدث عن الإسلام وعن السياسة والأحزاب ثم يسألني الجمهور عن أخبار المركز العام وأخبار الإخوان في الجامعة ولا أدري هل وفقت في حديثي أم لا".

قاد المظاهرات في جامعة القاهرة وأصبح من الخطباء المفوهين للحديث فى السياسة ونشر الدعوة وسط جموع الطلبة، وواظب على العمل وسط الإخوان بل كان شديد الحرص على حضور كتيبته الليلية والتي كان فيها كما يقول " كانت كتيبتنا تضم ثلاثين شابا من خيرة شباب الإخوان ولو تتبعت تاريخ هؤلاء الرجال الآن وأين هم من المجتمع لاستوقفك الأمر كثيرا ويكفيني مثلا أن أعدد الأسماء التالية ثم أترك للقارئ تأمل هؤلاء الرجال وتأمل تاريخهم من هؤلاء الشباب: عبد العزيز كامل ومصطفى مؤمن، وسعيد رمضان وحسان حتحوت وعوض الدحة، ومسعد سلام، وهم من كبار الأطباء والمهندسون محمود الساعي وأحمد جنينة وجمال الشافعي ووحيد سالم (شقيق صلاح سالم وجمال سالم) ورشاد المنيسي (الضابط السابق بالبوليس) والمرحوم أحمد فؤاد (ضابط بوليس قتل على أثر مصرع النقراشي باشا) وعبد الحليم محمد أحمد ويوسف عبد المعطي وعلي رياض ومحمود يونس، ومحمود الشربيني ونفيس حمدي.

وكان الأستاذ فريد عبد الخالق يتولى إدارة الجلسة وكثيرون لا أذكرهم الآن كنا نجتمع في دار الإخوان بين الفينة والفينة بالحلمية ونفضي ليلة بكاملها بصحبة الأستاذ تبدأ جلستنا بتلاوة القرآن الكريم، ثم يتحدث إلينا الأستاذ فيما شاء له الله أن يتحدث وبعد ذلك نتوجه إليه بأسئلة تدور حول سياسة الإخوان العامة وموقف الحكومة منا، وسياسنتا في الجامعة، وتنتهي الفترة الأولى من الكتيبة ثم تبدأ الفترة الثانية بعد الفجر بعد الفجر مباشرة حيث نتحلق حول الأستاذ البنا".
دوح وحرب فلسطين.

التحق حسن دوح إلى النظام الخاص وسافر للحرب في فلسطين عام 1948م، يصف هذا المعنى فيقول: وجاءني موفد من قبل المركز العام ينبئني بموعد السفر، وأنني قد اخترت لأصاحب المرحوم يوسف طلعت الذي كان يتولى القيادة الفعلية للمعركة في حين كان المرحوم الشيخ محمد فرغلي يتولى القيادة العامة في فلسطين نيابة عن الأستاذ البنا.

وكان يوسف طلعت سيتولى قيادة سيارة نصف نقل محملة بالدقيق والمواد الغذائية. وكنت سأصاحبه في السفر، وفي نفس الوقت كنت سأتولى حراسته وحراسة المواد التموينية، وقد فرحت بهذا الاختيار لأنني كنت معجبا بيوسف لأبعد حد، فقد كان الرجل يفيض إخلاصا لدعوته، وتفانيا في خدمتها ثم إنه كان من الرعيل الأول الذين حملوا لواء الدعوة في الإسماعيلية وعلى الرغم من بساطة ثقافته، فقد كان واسع الأفق متفتح الذهن وكانت تتوافر فيه صفات القيادة بأجلي معانيها.

ليلة سفري آثرت أن أبيت عند الأستاذ سعيد رمضان الذي كان يسكن في بيت مجاور للمركز العام للإخوان .. وبكرت في الصباح استعدادا للسفر ولكني فوجئت بالأستاذ البنا وهو يطلب مني إرجاء السفر فحزنت حزنا شديدا، ولكني لم أشأ أن أخالف أمر رجل لم نتعود من قبل مخالفته حبا فيه، وتقديرا للسمع والطاعة التي جبلنا عليها، وعدت إلى بيت سعيد أنتظر أوامر أخرى وبعد عشاء اليوم التالي أرسل إلى الأستاذ البنا رسولا برسالة لا أزال أذكرها: أذهب إلى الإسماعيلية لتعزي في بديلك، وفسر لي حامل الرسالة ما حدث، قال لي: إن يوسف طلعت اصطحب معه شابا آخر من الإسماعيلية ليقوم بالحراسة بعد أن أرجأ الأستاذ سفرك، وأن السيارة التي استقلاها انكفأت بهما وتحطمت بالقرب من الإسماعيلية وقتل فيها المرافق ونجا يوسف من الموت بأعجوبة.. ذهبت إلى الإسماعيلية في رفقة الأستاذ البنا ثم ركبنا سيارة كبيرة انطلقت بنا عبر سيناء وكانت السيارة تضم عددا من قادة الإخوان وبعضا من المجندين.. وصلنا معسكر النصيرات حيث كانت تعسكر قوة الإخوان المسلمين بقيادة الشيخ محمد فرغلي، فاستقبلتنا القوة أحسن استقبال واحتفت بالقائد العام إيما حفاوة".

وأبلى الإخوان بلاء حسنا وتعرضوا للاضطهاد من قبل النظام ومن قبل الإستعمار، ولم يتوقف اضطهاد الجماعة، بل ظل الإنجليز يحاولون ذلك بكل وسائلهم، وزاد هذا الاضطهاد بعد ظهور قوة الإخوان في حرب فلسطين عام 1948م؛ حيث أثبتوا أنهم قوة ضاربة تستطيع أن تزعزع أركان المحتل الإنجليزي، وهذا ما دفع اللواء فؤاد صادق قائد الجيش المصري في فلسطين طلب النياشين لبعض الإخوان، فصدر الأمر الملكي بمنح كلاًّ من كامل الشريف وحسن دوح وسيد عيد وعويس عبد الوهاب نوط الشرف العسكري من الطبقة الأولى من المتطوعين غير العسكريين، هذا غير الضباط وعساكر الجيش الذين حصلوا على نوط الشرف العسكري (وورد ذلك في الصفحة الثالثة من جريدة الأهرام الموافق 4 مارس 1949م).

وبعد عودتهم اعتقلوا جميعا، فيقول: لبثنا في معسكر البريج قرابة ستة أشهر ثم نقل الجميع إلى معسكر آخر بالعريش أمضوا فيه قرابة ستة أشهر أخرى... أما بالنسبة لي فقد استدعيت للقاهرة للتحقيق معي بعد ستة أشهر من إقامتي في معسكر رفح.

الاعتقال الأول

يقول: بعد ستة أشهر من اعتقالي في رفح، جاءت رسالى عاجلة من النيابة العمومية إلى القوات المسلحة بإرسالي مخفورا إلى القاهرة، ووصلت إلى سجن مصر حيث كان يتجمع عشرات من شباب الإخوان المتهمين في قضايا عديدة، فاستقبلت استقبال الفاتحين وخاصة أنني كنت أرتدي الثياب العسكرية .. وعوملت في السجن أفضل معاملة..

وفي اليوم التالي استدعيت للنيابة وكان يحقق معي أحد رؤساء النيابة المشهورين وكان الرجل حريصا على تبرئتي من الاتهام الذي كان موجها إلي وأنني كنت فردا في خلية سرية فقلت له إنني متغيب عن مصر منذ أكثر من عام.. ونجح الدفاع وتقرر الإفراج عني. .ثم أرسل بي إلى سجن الموسكي حيث قضيت فيه أربعة أسابيع كانت من أقسى معتقلات ما قبل الثورة إلا أنه كان يخالطها كثير من الضحكات المبكيات التي كانت تخفف عنا.

لقد عذبنا في هذه السجون بالنور، فقد ثبت مصباح كهربائي قوية خمسمائة شمعة في سقف زنزانة لا تعرف الشمس إليها طريقا.. لا تطفأ ليلا ولا نهارا.. ولقد حاولنا مرارا كسرها لنعيش في الظلام فهو خير من وهج الضوء.

انتهت فترة سجن الموسكي وحملت إلى معتقل الهايكستب حيث قضيت ستة أشهر مع الآلاف من أمثالي وكان يجاورنا في المعسكر بعض زعماء اليهود الذين كانوا قد اعتقلوا كنتيجة للحرب بيننا وبين اليهود في فلسطين.. إلا أنهم كانوا منعمين في معتقلهم وذلك بفضل رشاويهم وقدرتهم على الوصول إلى الجهات العليا.

الجهاد في حرب القنال

لقد اشترك حسن دوح في حرب القنال كما اشترك كثير من الاخوان يقول في ذلك: لقد بدأ التدبير للمعركة في دارالإخوان المسلمين والمؤقتة في الضاهر، وكانت البداية في قسم الطلبة ثم اشترك الجهاز السري وكان يمثله المرحوم يوسف طلعت، واشترك جهاز البوليس والجيش وكان يمثله صلاح شادي وتولى قيادة المعركة من الإخوان الأستاذ محمود عبده، والمرحوم عبد القادر عودة، والمرحوم يوسف طلعت ..

وقد افتتح الإخوان العديد من مراكز التدريب في الإسماعيلية، وأبو كبير والتل الكبير واتخذوا من بيوتهم مراكز لتجميع القوات المحاربة.. وعلى الرغم من احتجاجي الكثير على الجهاز السري للإخوان في ممارساته الداخلية، إلا أنني أذكر له دوره العظيم في معركة القناة..

فقد جند الجهاز السري جميع رجالة العاملين على ضفاف القناة لضرب المعسكرات المجاورة، وأظنني ذكرت في كتابي بعض هذه العمليات مثل ضرب معسكرات "أبو سلطان" وضرب قطارات السكة الحديد.. ولقد آن الأوان لأفصح عن أسماء ذكرتها رمزا في كتاب القناة، من هذه الأسماء نفيس حمدي والدكتور محمود الشادي، وعلي رياض، والشيخ يوسف القرضاوي والشيخ أحمد العسال والمرحوم حسن عبد الغني، ويوسف علي يوسف وعلي صديق، وعبد الرحمن البنان، ومحمد مهدي عاكف، وصلاح جلال، وياسر عرفات ومكاوي الشيخ .. وعصام الشربيني، ويوسف عبد المعطي، وصلاح عبد المتعال، وأحمد فراج، ووائل شاهين ومحمد المنياوي، وصالح الحديدي هؤلاء من تذكرت وهم في الواقع في غنى عن الذكر والتعريف، ولكني أحببت أن أكون شهيدا عليهم، فقد لا يتمكن غيري من تذكرهم وإني لأعتذر لمن لم تسعفني ذكراهم.

الإخوان والثورة

شارك الإخوان في الثورة غير أن عبدالناصر انقلب عليهم، خاصة بعد حادث الجامعة الذي وقع في 3 يناير 1954م أثناء زيارة نواب صفوي للجامعة.

الاعتقال الثاني

كان هذا الاعتقال في يناير 1954م يقول حسن دوح: كنت أتوقع أمرا لكني لم أكن أتوهم ما حدث لي تلك الليلة، فقد أغارت على بيتي شلة من رجال المخابرات وانتزعوني من زوجتي التي لم يكن قد مضى على زواجي منها أكثر من ستة أشهر.. كنت رابط الجأش ثابت الخطى، وأنا أمضي إلى عربة الشرطة العسكرية ومضت بي العربة إلى السجن الحربي 111، لقد ساقوني إلى السجن الحربي وألقوا بي في زنزانة ضيقة كان بها سرير وقلة ماء، وأقفل على الباب، ولم أكن أسمع ولا أرى ما يجري حولي اللهم، إلا أبواب زنزانات تفتح وتغلق، وكان من حسن حظي وفضل الله علي أن جعل القرآن أنيس هذه الآلام.

خرج من المعتقل مع بقي الإخوان بعد مظاهرة عابدين الذي قادها الأستاذ عبدالقادر عودة في مارس عام 1954م.

الاعتقال الثالث

يصفه بقوله: في يوم الجمعة السابع والعشرين من أغسطس سنة 1954 ذهبت لصلاة الجمعة في مسجد الروضة بالمنيل وجلست بين المصلين وكنت على غير استعداد لإلقاء الخطبة في ذلك اليوم، إلا أنه كانت تراودني معان وددت أن لو أخاطب بها الناس وخاصة الإخوان منهم، وكنت أميل ما أكون لتهدئة الجو ما بين الحكومة والإخوان.

كانت هذه المعاني تملأ على نفسي ومشاعري ويبدو أن المقادير كانت تعدني لأن أنقل ما في نفسي إلى الناس، وجاءت الفرصة فقد اعتذر خطيب الجمعة عن إلقاء خطابه أو تغيب، هذا ما أذكره الآن، فاتجهت الأنظار إلى، فاستعرت طربوش جار لي وهو مفتش بوزارة التربية، وصعدت المنبر، وكان خطابي موجها للحكومة بالنقد لأنها تعتقل الشباب المسلم، وفي نفس الوقت وجهت إليها نصائح لتلتزم طريق الإسلام، أنه أجدى لها وأنفع وحذرتها من سلوك مسلك كمال أتاتورك.

كما تحدثت عن سياسة الحياد بين الشرق والغرب وحذرتها من الدخول في أحلاف عسكرية وتحدثت إلى الجمهور الذي كان يستمع إلى بإنصات كبير وطالبتهم بالإلتفاف حول الحركة الإسلامية .. كما نصحتهم بعد استعمال العنف مع رجال البوليس الذين كانوا قد ضربوا سياجًا حول المسجد وأحاطوا به من كل جانب... ولقد خاطبت رجال البوليس ورجوتهم ألا يصطدموا بالمصلين، وأن يدخروا رصاصهم لمواجهة عدونا جميعًا الإنجليز.

انتهت من خطابي بعبارات حماسية ألهبت مشاعر الشباب، وما أن انتهيت من الصلاة، حتى أمسك بي ضابط مباحث وعلى الرغم من نصيحتي إياه بعدم استثارة الجماهير إلا أنه دفعني بيده فانتبه الناس له، وبدأوا يكيلون له الكلمات ثم حاولوا تخليصي منه بالقوة، وكدت أهلك بين الاثنين وحدث هرج كبير في ميدان الروضة وأطلقت النيران لإرهاب المصلين ثم هدأ الموقف بعد أن قبض على وعلى من نالتهم يد رجال الشرطة من المصلين

ثم هدأ الموقف بعد أن قبض على وعلى من نالتهم يد رجال الشرطة من المصلين والمارة.. وسيق بي إلى قسم الروضة.. وفي المساء ونقلت مع زملائي إلى سجن القلعة الرهيب، والذي شهد مذبحة المماليك المشهورة، وهناك زج بي وبزملائي في زنزانات انفرادية .. ثم بدأ التحقيق معنا، والواقع أن النيابة كانت ملتزمة بالقانون، ولم ينلني ولا زملائي أي سوء باستثناء تهديدات مبطنة من أحد ضباط الجيش.

في اليوم التالي أرسل بنا إلى سجن مصر، بعد أن قررت النيابة حبسنا احتياطيا على ذمة القضية وهناك لقينا معاملة عادية، ثم جاءتنا عريضة اتهام وكانت العقوبة المطلوبة توقيعها عليها بالسجن ثلاث أعوام لمحاولة قلب نظام الحكم بتحريض الناس باستعمال آلات مكبرة فأعددت دفاعا قويا وتمثلت نفسي وأنا ألقي بخطاب سياسي أمام المحكمة والجماهير تتطلع إلى باهتمام والصحف تنشر لي وتصورني..

ولم أكن أفكر فيما سيحكم به علي لأنني كنت أعلم أن الأحكام السياسية حبر على ورق وهي تتغير بتغير الظروف ثم تغير الوضع بالكامل بعد وقوع حادث المنشية.

وكنت مقدما لمحكمة عادية فلما وقع حادث المنشية في شهر أكتوبر أي بعد ثلاثة أشهر من حادث المسجد والخطاب، وشكلت محكمة الشعب لمحاكمة الإخوان الذين اتهموا بتدبير حادث المنشية وكذلك الذين اتهموا في حوادث أخرى أو ثبت صدقا أو زورا أنهم كانوا منضمين للجهاز السري..

أوحى إليهم شيطانهم بسحب أوراقي من المحكمة العادية وتقديمي وزملائي لمحكمة الشعب، ولما كانت التحقيقات تجري تحت السياط في السجن الحربي فقد استدعوني وزملائي لأشهد أبشع ألوان العذاب.

وبعد أيام استدعينا لسماع الحكم فصدر الحكم عليّ بخمس عشر سنة أشغال شاقة، وعلى ابن عمي بعشرة أعوام أشغال شاقة وحكم على الآخرين إما بالسجن مع إيقاف التنفيذ أو بالبراءة وبهذا الحكم انتهت مأساة السجن الحربي.. وكنت فرحاً بأنني سأخرج من السجن الحربي إلى ليمان طرة، وهو مهما سمعنا من قساوته إلا أنه لن يكون في مستوى السجن الحربي.

حسن دوح شاهد على مذبحة طره

بعد أن في اليوم التالي ساقوا «الأحياء» وكنت من بينهم إلى حفلة ضرب، ضرب وحشي على مؤخر العنق «القفا» والضرب يقم به العساكر في حضرة جميع «حضرات» الضباط.. ومع الضرب شتم وسب لأسرى المعركة .. معركةانتصر فيها الجيش والبوليس على من؟؟ شيء مؤلم مؤلم.

ثم ماذا!! جاءونا بملابس منتنة قذرة وأمرونا بأن نتجرد من جميع ملابسنا الداخلية نرتدي هذه الملابس المنتنة الممزقة استجبنا ثم ماذا ؟؟ حشرونا في مكان واحدا وأحاط بنا الجنود.. ماذا سيحدث لنا!! من يجبرنا من هذا الهول الكبير. !! من يسمعنا من يرانا..!! الله فقط.

ووضعوا القيود الحديدية في أيدينا ثم حشرونا في عربات مضت بنا إلى مكان علمنا فيما بعد أنه سجن القناطر وشهدنا ثلاثة أشهر من العذاب".

غير أنه ومع اشتداد التعذيب اضطر أن يؤيد نظام عبدالناصر ليخرج من آتون العذاب، يقول: "لقد ظللت أكتب لعبد الناصر خطابات تأييد لأكثر من عام ونصف وأنا بمستشفى قصر العيني ولكن لا مجيب وأخيرا استعان المرحوم أحمد فراج طايع الذي كان وزيرا للخارجية بصديق له للإفراج عني لدي عبد الناصر فوافق بعد أن تأكد من تأييدي له.. وكان يوما بهيجا في حياتي.. يوم أن ضمني بيتي الصغير بزوجتي وطفلتي بعد رحلة من العذاب العنيف ومعاناة لا حدود لها .. وآلام وأحزان ومآس تعرضت لها زوجتي وتحملتها في صبر واحتساب عند الله".

الاعتقال الرابع

بعد خروجه سعى لإيجاد عمل فعمل فترة في الاتحاد القومي ثم في صحيفة أخبار اليوم غي انه يوم 27 أغسطس 1965م تم اعتقاله وظل بالمعتقل حتى نوفمبر عام 1967م، ومن يومها ظل يعمل في هذا المجال، يقول حسن دوح: عشية الثامن والعشرين من شهر أغسطس اقتحم بيتي خمسة من رجال المباحث بقيادة ضابط من ضباطهم وفي دقائق نبشوا البيت، كانوا في عجلة من أمرهم، وكانوا يؤدون عملهم بروتينية لأنهم كانوا على يقين أنني لا أخفي في بيتي شيئا من المحظورات ثم ساقوني أمامهم وبناتي الأربعة يقفن في ذهول ولا أذكر من قالت منهن يومها: أنتم سرقتم بابا..

وقد صدقت في تعبيرها ثم حشرت في عربة سوداء مضت بي إلى مباحث الدقي ومنها نقلتني إلى القلعة وهناك دفع بي إلى زنزانة ضيقة مختنقة لا يكاد ينفذ إليها نور أو هواء.. ردتني هذه الزنزانة إلى أحد عشر عاما خلت. ففي مثل ذلك اليوم أي في ليلة 28 أغسطس عام 1954 اعتقلت ودخلت نفس الزنزانة وبت فيها ليلة واحدة.

ما بعد المحنة

بعد خروجه من المحنة عاد لعمله وظل يكتب في اخبار اليوم والأهرام، وسافر لبريطانيا والكويت، ثم استقر في مصر بعد ذلك.

إن ما يمكن أن يقال عن حسن دوح كثيرٌ وكثير، لا يتسع له المقام، وآمل أن يأتي اليوم الذي أتمكن فيه من أن أكتب دراسة وافية عنه مجاهدًا، وأديبًا. يرحمه الله.

وفاته

توفي الأستاذ حسن دوح في أكتوبر من عام 2001م الموافق شهر شعبان لعام 1422هـ‏.