يعد حي الأربعين من أقدم أحياء محافظة السويس بجمهورية مصر العربية، ويتميز بطابعه الشعبي، ويعتبر من أهم أحياء المحافظة؛ حيث يضم حوالي نصف سكان المحافظة، وسمى بهذا الاسم لوجود مسجد سيدي الأربعين به، ويضم في داخله عدة مناطق تسمى "كفور".

غالبية سكان حي الأربعين من أصول صعيدية، أي ينتمون في الأصل إلى محافظات صعيد مصر، وأتوا إلى السويس سعيًا وراء الرزق، وهم أصحاب أعراف وتقاليد حميدة وأصحاب مروءة وأخلاق حميدة، وكذلك بعض السكان من الوجه البحري، وأتوا إلى السويس سعيًا وراء الرزق، وهم كذلك أصحاب عادات وتقاليد حميدة، تنمُّ عن أصالة الشعب المصري، وهي صفة أهل السويس؛ حيث توصف السويس بأنها بلد "الغريب".

ومسجد سيدي الأربعين أحد معالم المدينة، ويطل على شارع الجيش المؤدي إلى القاهرة، كما يضم الحي ما يزيد عن 100 مسجد؛ حيث يعد معظمها مساجد أهلية غير تابعة لوزارة الأوقاف، كما يوجد به كنيسة.

شهد حي الأربعين صورة حياة لجهاد واستبسال الأهالي في التصدي للعدو الصهيوني أثناء حرب 1973م، حينما استغل العدو الثغرة، وأراد أن يطوق الجيش الثالث الميداني؛ فما كان من أهل السويس عامة - وحي الأربعين خاصة - إلا أن أجبروهم على الانسحاب الفوري.

ففي 23 أكتوبر قرر الكيان الصهيوني اقتحام السويس، على افتراض أنها ستكون ضعيفة الدفاعات، ولكن تعرض اللواء لكمين وتعرض لخسائر كبيرة، كما تعرضت قوات المظلات لنيران كثيفة والعديد منهم أصبحوا محاصرين داخل المباني المحلية؛ حيث دارت المعارك حتى انسحب الصهاينة.

وتعد السويس الشرارة الأولى لثورة 25 يناير 2011م التي أدَّت لخلع الرئيس السابق حسني مبارك، وقد ارتقى أول شهيد في الثورة المصرية في حي الأربعين في السويس.

الإمام البنا يزور مدينة السويس

اتجه الإمام حسن البنا إلى السويس رغبة منه في نشر فكرته وإيجاد أنصار له فيها، فكلل الله جهده بالنجاح. فأثناء زيارته للسويس لمقابلة الأستاذ السيد محمد الحافظ التيجاني، ورؤية بعض الأصدقاء والمدرسين عام 1929م تعرف إلى فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ محمد أبوالسعود القاضي الشرعي والذي وصفه بقوله: "لقد أحدث الشيخ في السويس حركة علمية طيبة، وجمع من حوله العلماء يتدارسون ويتذاكرون ويعظون الناس".

تعرف الإمام البنا أثناء زيارته للشيخ أبوالسعود بمسجد الغريب إلى عدد من أفاضل أهل السويس، والتقى ببعض الأئمة والعلماء وتعارفوا فيما بينهم؛ حيث وجد الإمام البنا منه استعدادًا طيبًا لفكرته، والتي شجعته على توجيه الدعوة مرة أخرى للإمام البنا للقاء عدد من كرام السويس.

يقول الإمام البنا: "زرت مجلسه بمسجد الغريب وتحدثت إلى بعض الأئمة والعلماء عن الدعوة، ولقيت عرَضًا الأستاذ محمد الهادي عطية المحامي الشرعي وصديقه الحميم محمد حسن السيد رحمه الله. وتحدثنا حديثًا عابرًا وإن كنت قد آنست استعدادًا طيبًا".

وبالفعل اتجه الإمام البنا لزيارة السويس مرةً أخرى واتصل هناك ببعض هؤلاء الإخوة، وهم: الأستاذ محمد الهادي عطية، والأستاذ حسن السيد، والأستاذ محمد الطاهر منير أفندي، والشيخ عفيفي الشافعي عطوة والتقى بهم – بالإضافة إلى الأخوين العادي عطية ومحمد حسن - ونتج من هذا اللقاء إنشاء شعبة للإخوان بالأربعين بالسويس، يرأسها الشيخ عفيفي الشافعي، والتي تطورت حتى صارت منطقة بها أكثر من شعبة، ولها دار فخمة، وبناء ضخم عظيم، وفتح الله أبواب الخير فإذا شُعب البحر الأحمر في الغردقة، ورأس غارب والقصير وسفاجة. (1)

استمرت الدعوة في الانتشار في السويس حتى أصبح فيها شعبتان؛ إحداهما في المدينة ويرأسها الأستاذ الشيخ عبد الرازق البجيرمي (باشكاتب المحكمة الشرعية)، والأخرى في حي الأربعين ويرأسها الأستاذ عفيفي الشافعي عطوة (مأذون الجهة) وهي أول شعبة افتتحت في السويس. (2) وهي الفروع التي مثلت السويس في أول مجلس شورى يعقد للإخوان عام 1933م.

اتسعت الدعوة حتى أصبح لها مجلس شورى عام وكان أول انعقاده في مدينة الإسماعيلية في يوم الخميس الموافق 22 من صفر 1352هـ الموافق 15 من يونيو 1933م، وقد حضره الأساتذة عفيفي الشافعي (نائب الأربعين بالسويس)، ومحمد حسن السيد (سكرتير الأربعين)، وسليمان عويضة (عضو الأربعين).(3)

بعدما انعقد مجلس الشورى الأول للإخوان اتفق الحاضرون على اختيار مكتب إرشاد للإخوان، يعمل على تحقيق سياسات الإخوان، وقد تشكل من عدد من قادة الإخوان، وكان لشعب السويس نصيب في أول تشكيله؛ حيث اختير فيه فضيلة الأستاذ الشيخ عفيفي الشافعي عطوة - نائب الأربعين بالسويس ومأذونها الشرعي ومن علماء الأزهر - عضوًا منتدبًا. (4)

كانت الجماعة تصدر بين الحين والأخر بيانًا بشعبها وفروع الإخوان فيها، فكان للسويس عام 1935م شعبة واحدة كانت في الأربعين قبل أن تصبح السويس منطقة عام 1937م.

جهود الإخوان في حي "الأربعين"

بذل الإخوان جهودًا موفقة في اكتشاف وكر "التنصير" بحي الأربعين وإنقاذ الشاب عكاشة والفتاة فاطمة عبدالفتاح من الفخ الذي نصب لهما، وبذلك تيقظ الأهلون ونتج عن هذه اليقظة معرفتهم الحوادث الكثيرة، وقد أخذت الجمعية بحي الأربعين تدرس الآن مشروع إنشاء مدرسة يأوي إليها اللاجئون إلى مدارس التنصير فتحفظ لهم عقائدهم ودينهم، حقق الله الآمال. (5)

كما هال الإخوان ما كانوا يرونه في المصايف، إذ كانوا يستبعدون أن يحدث هذا مهما تطور التمدين وانتشرت عوامل التقليد الأعمى. فكتب الشيخ عفيفي الشافعي عطوة نائب حي الأربعين بالسويس مقالاً تحت عنوان: "الفضيلة تنعى أنصارها".

جاء فيه: "وهل هناك أكثر شرًا وأعظم سوءًا من أن يهرع النساء في مثل هذه الأيام إلى البلاد الساحلية يتسابقن في القفز والطفو في الماء وهي أجسام عارية لا يخشين الله، ولا يرعين للدين حرمة.. حالة مزرية وتبرج ممقوت، وشذوذ مرذول.. وقد سرت عدواهن إلى بناتهن فنشأن بعيدات عن طهارة الأخلاق ونقاوة النفس؛ إذ جعلن حصر همهن في التبرج والزينة، والخروج المروع عن حد الأدب. (6)

ظل الإخوان في السويس يعملون ويقدمون لمجتمعهم الخدمات والنصيحة، حتى لاحت في الأفق بوادر أزمة شديدة بين الحكومة والإخوان، فكانت بدايتها حينما أصدر الحاكم العسكري قرارا بغلق شعبتي الإسماعيلية وبورسعيد، لكن الجماعة فوجئت بقرار النقراشي بحل الجماعة ومصادرة أملاكها في 8 ديسمبر 1948م، فوقع على شعب السويس ما وقع على الجماعة بل تم اعتقال عدد من إخوان الأربعين والسويس.

وحينما بدأ الشقاق بين الإخوان وعبد الناصر عمل على اضطهادهم واعتقلهم خاصة بعد محنة المنشية، إلا أنه كان يهيئ الرأي العام للإجراءات القاسية التي سيقوم بها ضد الإخوان، حتى إن الصحف الحكومية خلال شهر أغسطس وسبتمبر أذاعت أنباء عن قيام أعضاء من جماعة الإخوان باشتباكات مع كثير من فئات الشعب في طنطا وميت غمر والسويس وغيرها، على الرغم من أنها كانت اشتباكات يفتعلها الحرس الوطني وبعض العناصر التابعة للنظام (كما يقول ميتشل)، ومن ثم اتخذت الحكومة من مثل هذه الأحداث وسيلة لاعتقال بعض العناصر الإخوانية ومحاولة تشويه صورة الجماعة. (7)

مرحلة جديدة

اتسم عهد السادات ببعض الحريات والتي أعطت الفرصة للإخوان للانتشار مرة أخرى وسط الجامعات والمجتمع المصري، وبالفعل استطاعوا أن يعيدوا مواقعهم في نفوس الناس وعلى الخريطة السياسية مرة أخرى. انتشرت الفكرة والدعوة وسط أهالي السويس وانتشر عمل الإخوان، وقد اتفق عدد من إخوان السويس مع بعض إخوانه على تأسيس شركة اقتصادية، فكانت شركة الشريف التي صنعت لنفسها اسم.

وحينما وقعت اعتقالات عام 1995م كان لإخوان السويس نصيب؛ حيث اعتقل أحمد محمود محمد إبراهيم، وكان عمره 37 سنة، ويعمل مستشارًا فنيًا لأمانة اتحاد المنظمات الهندسية للدول الإسلامية ومقيم بمدينة السويس 4 شارع البشاري الأربعين، وقد تم إخلاء سبيله يوم 22/7/ 1995م، إلا أن المحكمة العسكرية أمرت بحبسه في 30/ 10/ 1995م.

انتشر الإخوان وسط المجتمع السويسي وأصبح في كل حي أعداد من الإخوان حتى اندلعت ثورة 25 يناير 2011م كان الإخوان في حي الأربعين وفي ربوع السويس عصب الثورة؛ حيث ارتقى أول شهداء الثورة في مدينة السويس، وهو الشهيد محمد حسني، وبعدما نجحت الثورة اتجهوا لإصلاح المجتمع.

فقد نظَّم الإخوان المسلمون بالسويس قافلةً طبيةً عقب صلاة الجمعة في مايو 2012م داخل "مركز طبي الإسعاف" في منطقة "الأربعين" بالتنسيق مع وزارة الصحة، لتصل عدد القوافل حتى الآن إلى خمسة قوافل مجانية لشعب السويس.

وقال الدكتور محمد سعد خليفة المسئول العام لقوافل الإخوان بالسويس: "إن عدد الحالات التي تم استقبالها 435 حالة في 8 تخصصات، بالإضافة إلى عمليات جراحية صغرى، وسونار وعمليات ختان للذكور، بالإضافة إلى صيدلية مجهزة بالكامل ومعمل تحاليل بالمجان، مضيفًا أن هذا الأسبوع شهد تخصصًا جديدًا، وهو كشف الأسنان، ويتم التعامل مع الحالات الحرجة، والتي تستدعي إجراء عملية دون تحمل المريض أي مبلغ، بل يتحمل الإخوان تكاليف المستشفى، ويتبرع الطبيب بعمل العملية.

وأكد أن المريض لا يتحمل أية تكاليف بداية من الكشف وحتى صرف العلاج، موضحًا أن هذه القافلة هي بداية مشروع خيري؛ لسد العجز في النظام الصحي داخل السويس، ورفع المعاناة عن كاهل الفقر. (8) لكن تغير الحال ووقع الانقلاب وزج بالعديد من الإخوان في الأربعين في السجون، كما هرب العديد منهم خارج الوطن خوفا من الملاحقات الأمنية.

المراجع:

حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2000م، صـ120.

جريدة الإخوان المسلمين: السنة الأولى، العدد الأول، 22 صفر 1352هـ - 15 يوليو 1933م.

جريدة الإخوان المسلمين: السنة الأولى، العدد 3 - الخميس 6 ربيع أول 1352هـ - 29 يونيو 1933م.

جريدة الإخوان المسلمين: السنة الأولى، العدد 3، مرجع سابق.

جريدة الإخوان المسلمين: السنة الأولى، العدد 6 - الخميس 27 ربيع الأول 1352هـ - 20 يوليو 1933م.

جريدة الإخوان المسلمين: السنة الأولى، العدد 15، 1 جمادى الآخرة 1352هـ - 21 سبتمبر 1933م، صـ12، 13.

ريتشارد ميتشيل: الإخوان المسلمون، مكتبة مدبولي، صـ 284- 285، نقلا عن جريدة الجمهورية في 11 سبتمبر 1954، 5، 11 أكتوبر 1954م.

إخوان أون لاين: 5/ 5/ 2012م.