الإخوان وبداية العمل الإغاثي

انطلقت جماعة الإخوان المسلمين من مفهوم أنها هيئة إسلامية عامة، تهدف إلى الإصلاح على منهج الإسلام، والتغيير الهادئ المتدرِّج، وبناء نهضة شاملة على قواعد ومبادئ الإسلام العظيم، تبدأ بإصلاح الفرد والبيت وإرشاد المجتمع، وتستمر بإصلاح الحكم وإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية، وتنتهي بأستاذية العالم بالهداية والإرشاد والدعوة، وليس بالوصاية والاحتلال والقهر.

ولقد عاش المجتمع المصري وبقية المجتمعات الإسلامية حالة من الخواء الروحي والإيماني والتيه في ظل غياب مظاهر الإسلام وروحه في ظل الحروب المستمرة لطمس تعاليمه وتفريغ القلوب مما وقر فيها من إيمان، حيث اندفع أعداء الإسلام من جميع الأمم ومن بني جلدتنا لاجتثاث كل مظهر يعرف الناس معنى دينهم أو يذكرهم به، غير أن الله سبحانه سخر من يقف كحجرة كؤود أمام ما يحاك للأمة.

وضع حسن البنا بذرة الدعوة بالإسماعيلية عام 1928م والتي سرعان ما انتشرت وانتشر معها العمل التطوعي والخيري والإغاثي.

فبعدما انتشرت الدعوة في ربوع الوطن وتحمس لها من حملها رغبة في نشر تعاليم الإسلام الصحيح والمفاهيم السليمة والعقيدة القويمة التي لا تشوبها زيف وضع الإخوان منهج للإصلاح ساروا عليه عمليا وكانت البداية مع توفير مكان للتائبات من البغاء في الاسماعيلية عام 1929م، حينما ذهبن إلى الأستاذ البنا يشتكين له وقف الحال، وضيق الرزق حيث قل الطلب عليهن بعد تدين أهل الحي والتزامهم بالإسلام، فاقترح عليهن الشيخ البنا أن يتبين، ويمتهن مهنًا شريفة، على أن يستأجر لهن مبنى مستقلًا تلتحق به كل من تتوب إلى الله تعالى وليس لها عائل، فتوافد عليه كثيرات ممن تاب الله عليهن، وقد وفق الله الكثيرات منهن فتزوجن وأصبحن ربات بيوت صالحات، ومن لم تتزوج منهن تعلمت فن الخياطة والتفصيل، أو فن الطهي، أو تربية الأولاد.

انتشرت الدعوة في القطر المصري وزادت عدد الشعب، وانتشر معها العمل الخدمي والاغاثي، وربما يظن البعض أن العمل الخيري والتطوعي في جماعة الإخوان بدأ مع نشأة قسم البر والخدمة الاجتماعية، لكن هذا غير صحيح فالعمل الخدمى والتطوعي سواء داخل الصف أو خارجه بدأ مع نشأة الجماعة حيث نظر البنا فوجد أن البيئة المحيطة به تحتاج للتربية فعمد إلى:

1-      طرق الأبواب الموصدة بالعمل الدائم والتقرب للناس.

2-      البحث عما تحتاجه البيئة المحيطة به ومحاولة انجازه مثلما وجد الرغبة الشديدة لدى النساء اللاتي كانوا يعملون في الدعارة للتوبة والعيش في حياة كريمة فعمد لبناء دار التائبات والبحث للصالحات منهن عن أزواج وقدم لهن المساعدة.

3-      تأليف لجنة خدمية للقيام ببناء المسجد ومدرسة للبنين والبنات لتقديم التربية الصالحة عن طريقهم.

ولهذا حرص الإمام البنا على غرس المعاني التربوية في نفوس أتباعه من اجل أن يخرج العمل ويحقق أهدافه فيقول: يا أخي، لا تقل مالا تفعل، ولا يغرنك أن يحسبك الناس عاملًا، ولكن همك أن يعلم الله منك صدق ذلك فإن الناس لن يغنوا عنك من الله شيئًا.

يا أخي، اعتقد أنك تعمل لغايتين؛ أن تنتج، وأن تقوم بالواجب، فإن فاتتك الأولى فلن تفوتك الثانية ﴿قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾[الأعراف: 164].

حتى إن الإخوان قاموا في مختلف الشعب بجهود مشكورة في محاربة الفقر، وذلك عن طريق جمع الزكاة والصدقات وتوزيعها على الفقراء، مثلما فعل إخوان شعبة "سنديون غربية" بشراء كمية كبيرة من الذرة وزعت على الفقراء والمساكين، وكان يقدم في التوزيع النساء الأرامل اللائي فقدن أزواجهن، والرجال العاجزين عن الكسب والصغار واليتامى.

وفي عام 1942 أَنشَأ الإخوان مكتبًا للمساعداتِ الاجتماعيةِ، للقيامِ بالخدمةِ الاجتماعيةِ على أحدثِ النظم العلمية، إذ نصَّ على أن الخدماتِ الاجتماعيةَ التي يقدِّمها تنقسم إلى أربعة أقسام هي:

1- خدمات مسكنة: كإعطاءِ مساعداتٍ للمحتاجين، وتكون عادةً عينيةً، إلا إذا اقتضت الضرورةُ أن تكونَ المساعدةُ ماليةً، وجمع زكاة الفطر، ولحوم الأضاحي وجلودها، لتوزيعها على المستحقين.

2- خدمات شافية: كمساعدةِ العاطلِ للحصولِ على عملٍ، وذلك بالاتصال بمصلحةِ العملِ، والمصالح الأخرى، وأصحاب الأعمال، وإقراض رءوس أموال صغيرة في بعض الأحوال بدون فائدة، وكذلك علاج المرضى بالمجان أو نظير أجر رمزي.

3- خدمات واقية: مثل بثِّ الدعوةِ الصحيةِ بين الأسرِ التي يرعاها المكتبُ، والعملِ على توفيرِ وجباتٍ غذائيةٍ تُبَاع بمبلغ زهيدٍ لفقراء الحي.

4- خدمات إنشائية: للارتفاعِ بمستوى الحياةِ العادي، وذلك بالعملِ على إنشاءِ نادٍ للعمَّال، وصغارِ أصحابِ الأعمالِ الحرةِ، تنظم به أوقات فراغهما لكي يُنتَشلوا من السقوط، ويوجهوا توجيهًا مهنيًّا ووطنيًّا وصحيًّا.

- وقد نصَّ مشروع المكتب على أن المساعداتِ الماديةَ تقدَّم للفئاتِ الآتيةِ:

الأسر الكريمة التي أحنى عليها الدهر.

الأسر التي فقدت عائلها الوحيدَ وليس لها أي موردٍ ورزقٍ كافٍ.

الأسر الفقيرة التي اشتهرت بحسن السير والسلوك، ولم تصدر ضدها أحكامٌ مخلةٌ بالشرف، ولها استعدادٌ بمعاونةِ المكتبِ في تحقيقِ رسالتهِ، بتنفيذِ إرشاداتِه وتوجيهاتِه.

ويؤكد الأستاذ البنا دمج العمل التطوعي بالعمل التربوي فيقول: وتهدف حركة الإخوان إلى هدفين هما:

- إحياء نظام الإسلام الاجتماعي وتطبيقه.

- والمساهمة في الخدمة الاجتماعية الشعبية، وضربت مؤسسات الإخوان ومنشآتهم فيه بسهم وافر، فكل دار من دور الإخوان مدرسة ليلية، ومنتدى أدبي للثقافة والتربية، وقد أنشأ الإخوان عددًا من المدارس الأولية والابتدائية، وهم في هذا العام سينشئون مدرسة ثانوية بالإسكندرية، كما أن لهم أكثر من عشرين مستوصفًا خيريًّا، وفى هذا العام افتتحوا أول مستشفى لهم بالعباسية.

إلا أنهم كان لهم دور إغاثي كبير بدأ قبل أن يتشكل قسم البر والخدمة الاجتماعية عام 1945م.

الإخوان وكوارث أسوان

كانت شعب الإخوان تتسابق في العمل الإغاثي فى حالة حدوث كارثة لأهالي الشعبة أو لأهالي شعبة أخرى، فتقوم هذه اللجنة بإغاثة المنكوبين، وتقديم ما يحتاجون إليه من مساعدة، كما حدث من شعبة الإخوان فى أسوان عندما تعرضت إحدى البواخر وتدعى (الغزالة) إلى حريق أدى إلى وفاة البعض، وإصابة كثيرين عام 1941م، وتقول مجلة الصعيد الأقصى: "تلقينا من سكرتارية الإخوان المسلمين في أسوان بتاريخ 2 مايو الحاضر ما يلي:

اجتمع مجلس إدارة جمعية الإخوان المسلمين والمحافظة على القرآن الكريم بأسوان للنظر فى مواساة منكوبي الحريق بالباخرة الغزالة، وبعد البحث الدقيق والتحريات الوافية قرر المجلس صرف مبلغ عشر جنيهات من مالها لمواساة المنكوبين، وسلمت المبالغ لبعض حضرات الأعضاء لتوزيعها بمعرفتهم اليوم.

كما تبرع حضرة المحترم الشيخ صالح الزقلوبى التاجر وعضو الإدارة بشوالين من الدقيق لتوزيعها على المنكوبين، ودفع حضرته الثمن وقدره 270 قرشًا أضيفت إلى العشر جنيهات وتم توزيعها كلها. والجمعية بعملها هذا تضع نواة لمساعدة المصابين، وإن كانت بسيطة إلا أنها ستتصل بالجمعيات والهيئات الأخرى لإعطائها البيانات الصحيحة واستدرار عطفها نحو المصابين.

وقررت الجمعية تقديم العزاء الحار لسائر أهالى المصابين ولأسوان كلها فى تلك الكارثة على صفحات الصعيد الأغر، بعد أن قام أعضاؤها بتقديم تعازيهم بأشخاصهم، سائلين الله للمتوفين الرحمة، ولآلهم الصبر والسلوان.

وعندما ظهر مرض الملاريا بقنا وأسوان في فبراير من عام 1944م انتفض الإخوان لهذه الكارثة الصحية، وانتقدوا هروب الأغنياء لترك إخوانهم الفقراء والبؤساء دون إعانة أو مواساة، وقد أثنوا على وزارة الصحة في سرعة تقديم العلاج اللازم، لكنهم أخذوا على الحكومة أن الناس كانوا يموتون من الفقر وقلة الطعام لا من قلة الدواء، وكانت النتيجة أن توفي الكثير لسوء التغذية مع توفر العلاج، وأوضح الإخوان أن لو كل مالك نصاب أخرج زكاة ماله ما مات هؤلاء، ولا وجد فقير من الإسكندرية لأسوان، وقد دعا الأستاذ صالح عشماوي رئيس تحرير مجلة الإخوان كافة الإخوان بسرعة التبرع بما لديهم من مال عن طريق جريدة "الأهرام" التي كانت تتلقى التبرعات، وأن يدفعوا كل ذي مروءة وشهامة أن يجود بما لديه من مال أو كسوة أو غذاء، كما طالب بالإلحاح في الدعاء إلى الله لرفع البلاء عن إخوانهم في قنا وأسوان، وأن يشفي مرضاهم ويرحم موتاهم، وطالب إخوان شعبتي قنا وأسوان بضرورة الاعتناء بالمصابين ومواساة المفجوعين، وأن يجعلوا من دور الإخوان معسكرات لتجنيد المتطوعين لتوزيع الدواء في كل مكان، وأن يسعوا إلى الناس في أماكنهم شارحين طرق الوقاية من هذا المرض وأساليب العلاج.

الإخوان مع منكوبي الكوليرا

كون الإمام البنا جيل من الشباب في نطاق عمل الجوالة ليحمل عبء العمل الخدمي في المجتمع ويغيث المنكوبين حيث وصفها بقوله:" أن هذه الفرق والكتائب لم تجهز لبغي ولا عدوان ولم تنظم لظلم ولا لطغيان وإنما أعدت لتكون سلاما فى النفوس ونظاما للمجتمعات وقوة للحق ومددا لكتاب الله...الخ.

ويشير شوقي ذكي إلى أن من أهداف الجوالة تدريب الشباب على تقديم خدمات للمجتمع وإعداد أجسام قوية وربط الصلة بالله بالحياة الدنيوية إلخ وذكرت مجلة الإخوان أن هدف الجوالة تدريب الإخوان عمليا على الثقة بالنفس وحمل المسئولية وتعود النظام وتأدية الأعمال على أكمل وجوهها أي تهدف إلى الإصلاح الخلقي.

وقد وضع المنهج الكشفي للشباب أسلوبا كاملا للتكوين الإيجابي الكامل عقليا وقلبيا وشعوريا وتهدف برامجه إلى تجديد نشاط الفكر والجسم بتنويع العمل وصقل حواس الإنسان وكسب العمل عن طريق المشاهدة والرحلة وإعداد الرجل القوي لتحمل أعباء الجهاد ومحاربة الكسل والركود والخنوثة وبعث الرجولة والعزة في كل شاب مسلم وأن يصطبغ الأخ بالصبغة الإسلامية فيكون مسلما بعاداته وتقاليده وتفكيره وسلوكه.

وبالفعل ظهرت جهود هؤلاء الشباب في الكثير من الكوارث التي حلت بالمجتمع، ومنها انتشار الكوليرا في القطر المصري عام 1947م.

فعندما ظهر وباء الكوليرا واستشرى خطره في البلاد أصدر المركز العام نشرة أخبارية حوت قرارات مكتب الإرشاد إلى الإخوان العاملين جاء فيها:

فى جلسة 23 سبتمبر 1947م الموافق 13 ذو القعدة 1366هـ، قرر مكتب الإرشاد إرسال خطاب لوزير الصحة يعلمونه استعداد أربعين ألف من جوالة الإخوان المسلمين للتطوع في فرق مكافحة الكوليرا, وفى جلسة5 أكتوبر 1947م قرر المكتب إرسال خطابا آخر لوزير الصحة باستعداد مستوصفات الإخوان للقيام بعملية التطعيم ضد الكوليرا وتجهيز عشرة سيارات للمرور في الأحياء الموبوءة لعملية التطعيم ومساعدة وزارة الصحة.

كما أسهمت الصحف الإخوانية في توعية الناس بالمرض ومتابعة أخر تطوراته, وأماكن تمركزه, وكيفية انتشاره, وكيفية الوقاية منه, كما تابعت المجلة أعداد المرضى والوفيات التي نتجت عن هذا المرض, كما تابعت البيانات الرسمية وتصريحات المسئولين حول هذا الوباء, وشارك أطباء من الإخوان بكتابة مقالات عن هذا المرض وتوضيح خطره وطرق الوقاية والعلاج منه، كما شاركوا عمليا فى علاج المرضى- فنجد مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية تتابع الأمر وتتابع الجهود التي تبذل للقضاء على الكوليرا, وتتابع أقوال الأطباء حول المرض, ففي إحدى أعددها كتبت تحت عنوان (وكيل وزارة الصحة يتحدث عن الكوليرا) حيث وضحت وجه نظر الوزارة للتصدي لهذا الوباء كما أنها طالبته بالمزيد من الجهود وعدم التراخي في التصدي لمثل هذه الأوبئة وإلا ستكن وبال على المجتمع, كما ذكرت في العدد التالي أقوال بعض الأطباء في المؤتمر الذى عقد بدار الحكمة للبحث في شئون الوباء واختيار أفضل الوسائل لمقاومة المرض ومنع استفحاله.

وكانت الجريدة اليومية من الصحف التي تواجدت في أماكن المرض لتغطية مستجدات الوباء, وساهمت بشكل فعال في إظهار خطورته والعمل على الحد منه, وكيفية انتقاله, كما تحدثت أن السبب في دخول الوباء هم الجنود الذين توافدوا على مصر من شرق آسيا للعمل في خدمة الجيش البريطاني, ففي مقال بعنوان (الهواء الأصفر أو الكوليرا) كتب الدكتور محمد أحمد سليمان- المشرف على القسم الطبي- يوضح كيف تم اكتشاف هذا المرض وطرق تطوره وانتشاره وموطنه الأصلي وكيف ينتقل, ثم ختم المقال بطرق الوقاية والمكافحة، ولم تكف الجريدة عن متابعة المرض, والجهود التي تبذل حتى اختفى نهائيا من مصر.

ومن المعروف أن بداية المرض كانت في قرية القرين بمحافظة الشرقية في 22 سبتمبر 1947م لقربها من المعسكرات الإنجليزية, وحصد المرض ما يقرب من اثنتي عشر ألف نسمة رغم الجهود التي بذلت للقضاء على المرض وظل المرض حتى نهاية عام 1947م.

وقد ارسل الإخوان بخطاب  لوزير الصحة يضعون فيها جوالتهم تحت أمرة الوزارة في التصدي لمرض الكوليرا جاء فيه: "حضرة صاحب المعالي وزير الصحة العمومية.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.. في غمرة هذه المحنة التي تهدِّد الصحة العامة للبلاد بوباء الكوليرا، والتي تنادي كلَّ وطني صادق أن يساهم بكل ما يسعه من جهد وطاقة، تتقدَّم إدارة الجوالة العامة للإخوان المسلمين إلى معاليكم ليحملوا نصيبهم من هذا الكفاح الوطني المقدَّس، معلنين أنهم يضعون تحت تصرُّف وزارة الصحة 40 ألف جوال من خيرة شباب الأمة وزهرة أبنائها الأطهار، منبثِّين في جميع أنحاء الوادي من كبريات المدن والحواضر إلى صغريات القرى والكفور كلهم على أتمِّ الاستعداد للقيام بما عُهد إليهم من أعمال لمكافحة هذا الوباء. ومما يزيد الاطمئنان إلى جلال الفائدة المرجوَّة من هذا التجنيد إن شاء الله أن تعلموا- معاليكم- أن هؤلاء الألوف من شباب الإخوان الذين وهبوا لهذا الوطن العزيز أنفسهم وأرواحهم إنما يكوِّنون مجموعاتٍ كاملةَ الأجزاء، محكِّمةً النظام بوحداتها ورؤسائها ومراقبيها ومشرفيها في انتظار الأمر بالعمل في أي مكان. ولمَّا كنا حريصين على العمل الجدي؛ لذلك نتقدَّم إلى معاليكم بنماذج من الأعمال التي يُمكن لهذه المجموعات القيام بها، علاوةً على ما يراه المسئولون من تكليفهم لما يتراءى لهم، وهي:

    1- نشر الدعوة الصحية في محيط القطر كله وسرعة إذاعة النشرات والتعليمات الصادرة عن الوزارة مع التكفل بإفهامها للجمهور ومعاونته على التنفيذ.

    2- التبليغ عن المصابين والإصابات، كلٌّ في محيط منطقته مع بعض الجمهور، على اعتبار ذلك واجبًا وطنيًّا لا يعذر المتخلِّف عنه.

    3- تكوين فرق مختلفة للقيام بأعمال التمريض.

    4- مساعدة رجال الجيش في كافة أعمالهم؛ من حصار المناطق الموبوءة، ونقل الإشارات اللاسلكية، وقيادة السيارات.

يا صاحب المعالي: قد جنَّدنا هذا الشباب الطاهر في خدمة الوطن لمحاربة هذا العدو المفاجئ، ولا شكَّ أن هؤلاء الجنود لا ينقصهم إلا أن يتحصَّنوا ضد المرض بالمصل الواقي، وأن تتفق وزارة الصحة مع الوزارات والشركات والمصانع التي يعمل بها هؤلاء الإخوان على انتدابهم لهذه المهمة إذا كُلِّفوا بأعمال نهارية تتعارض مع أوقات أعمالهم الرسمية، مع الاحتفاظ لهم بمراكزهم وأعمالهم عند زوال خطر الوباء عن البلاد قريبًا إن شاء الله. هذا، ويسرنا إلى جانب ذلك أن نضع تحت تصرف وزارة الصحة 1500 شعبة من دَور الإخوان المسلمين تكون مركزًا للأغراض الوقائية والعلاجية ضد هذا الوباء، ولا سيما في المناطق التي ليس للصحة بها مراكز ثابتة. وفى انتظار إجابة فضيلتكم بالقبول، أرجو أن تتقبَّلوا أصدق التحيات. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته حسن البنا- المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين.

كما أصدر المركز العام تكليفات للمكاتب الإدارية فى المحافظات بتكوين لجنة لمكافحة الكوليرا بكل شعبة وأن يختار لها مقر وسكرتير للإشراف عليها, والاهتمام بنشر الدعوة الصحية عن طريق المحاضرات فى المقاهي والأندية والمجتمعات العامة والمساجد بواسطة- أطباء الإخوان, وزيارة الأحياء والقرى والكفور وحث الناس على اتباع تعليمات وزارة الصحة, وتكوين لجان إغاثة لإعانة المنكوبين وأسرهم, والتبليغ الفوري عن الإصابات.

كما قام قسم البر والخدمة الاجتماعية بالاهتمام بتقديم المطهرات للأسر الفقيرة فى الأحياء الفقيرة كالفنيك والصابون, وترسل المكاتبات للمركز العام باسم رئيس مكتب مكافحة الكوليرا حتى لا تحجز أو تتأخر ومن الممكن تبليغها بالتليفون للسرعة.

وعندما اجتاح وباء الكوليرا البلاد شاركت شعب الإخوان أيضا التصدي للمرض, ففي إمبابة وأثناء جولة الإخوان بالمنطقة للبحث عن مصابين, تبين لهم إصابة أحد الأفراد جهة درب العبد, فسارعوا إلى إبلاغ الجهة المختصة وضربوا حصار حول منزل المريض وحالوا دون وصول أحد إليه حتى حضرت عربة الصحة ونقلت المصاب.

وما قام به إخوان إمبابة قام به إخوان محلة زياد وبنى سويف فى مكافحة المرض، كما قامت مستوصفات إخوان الإسكندرية بالمشاركة في تطعيم  الأهالي باللقاح الواقي ضد الوباء فى قسم الجمرك, وفى قسم كرموز ثان، كما أعلنت الجريدة عن أسماء مراكز التطعيم فى الإسكندرية حتى يسترشد بها الناس.

ظل الإخوان وجوالتهم في قلب الحدث حتى إنه أصيب عدد من شباب الجوالة أثناء عملية التطهير غير أنهم تلقوا العلاج، وظلت الجماعة مستنفرة حتى أعلنت وزارة الصحة القضاء على مرض الكوليرا.

وتلقى المرشد العام للإخوان الأستاذ حسن البنا من معالي الدكتور نجيب إسكندر باشا وزير الصحة الكتاب التالي:

حضرة صاحب فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين

تحية طيبة وبعد..

بالإحاطة إلى خطابكم الخاص باستعداد مستوصفات الإخوان المسلمين بجميع نواحي القطر بعمليات التطعيم في مناطقها ضد الكوليرا فإني أقدر بالعرفان هذا الواجب الوطني لما ينطوي عليه من عاطفة كريمة وروح طيبة نحو مواطنينا الأعزاء وسوف لا تتأخر الوزارة عن قبول مساهمتكم في العمل الذي أشرتم إليه في خطابكم في الوقت المناسب، ولا يسعنا إزاء هذه الوقفة الكريمة إلا أن نبعث لفضيلتكم بموفور الشكر مقدرين حسن معاونتكم لنا في مقاومة وباء الكوليرا.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.