تحتفلُ الأمّة الإسلاميّة في مشارق الأرض ومغاربها بذكرى المولد النبويّ الشريف، الذي يصادف اليوم الثاني عشر من ربيع الأول في كلّ عامٍ هجريّ، حيثّ يتم في هذه الاحتفالات إلقاء الخُطَب الدينية التي تعبّر عن قيمة الدين الإسلاميّ في نشر الفضيلة بين شعوب العالم، غير أن البعض يحلو له الخروج بهذه الاحتفالات عن مضمونها الشرعي، أو يعمل على تحويل الاحتفال بالرقص وغيره.

لم يكن الإخوان كذلك، لكنهم حرصوا على تعظيم شعائر هذا الميلاد، والوقوف في خطبهم على الجوانب العملية التي يخرجون بها من هذه الذكري، بل وعمدوا إلى بعض الأعمال الفعلية على أرض الواقع تعبيرًا عن الاقتداء بصاحب هذه الذكرى صلى الله عليه وسلم.

لقد حرص الإخوان على استغلال تلك المناسبات لتعليم الناس الخير وتذكيرهم بأيام الله، ونشر دعوتهم والالتقاء على طاعة الله، كما حرص الأستاذ حسن البنا على مشاركة إخوانه هذه الاحتفالات مذكرًا بمناقب النبي الكريم.

فقد قام بزيارة لمدينة الإسكندرية في 11 من ربيع الأول وألقى محاضرة في سُرادق أقامه عمال الترام بجوار محطة سيدى جابر، ثم ألقى محاضرة أخرى في حفل أقامه أعيان وأهالي محرم بيك احتفالًا بالمولد النبوي، ثم حضر احتفال الإخوان بمسجد النبي دانيال في العاشرة مساء (1).

بل حينما ترشح الإمام البنا عام 1942م وضغط النحاس باشا عليه للتنازل كان من شروط التفاوض بينهما إلغاء البغاء في كافة أنحاء البلاد، وتحريم الخمر، وإحياء الأعياد الإسلامية لا سيما مولد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وجعله عيدًا رسميًّا للدولة، حتى أن رئيس الوزراء تحدث لأول مرة في ذكرى هذه المناسبة.

حتى حينما نُفي الإمام البنا لمدينة قنا في مايو 1941م وجاءت ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لا يقام لها احتفال بقنا، فبدأها باثنتي عشرة محاضرة اختتمها باحتفال كبير دعا فيه الأعيان والقساوسة وكبار رجال المدينة، وفعَّل فيه الطرق الصوفية للعمل للإسلام، وأصبح هذا الاحتفال موسمًا سنويًّا للالتقاء على الطاعة والحب وعمل الخير، وذلك للفت انتباه الناس بهذه المناسبات والعناية بها. (2)

لقد حرصت كل شعب الإخوان على الاحتفال بهذه المناسبة لتذكير الناس بها ولإشاعة الروح الإسلامية بين الناس، بل وحرصوا على تعليم الناس الإسلام الصحيح، وإطعام الفقراء، وتوزيع الحلوى والملابس والنقود على الفقراء والمعوزين من أهل الناحية، وكان أول المبادرين إلى ذلك جمعية الإخوان المسلمين بالمنصورة بالاشتراك مع جمعيات المواساة الإسلامية والمحافظة على القرآن الكريم والمساعي الخيرية الإسلامية (3).

بل إن طلاب الإخوان حرصوا في مدارسهم على إحياء هذه الذكري، فقد قام طلاب المدارس السعيدية بالجيزة بالاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وكان هذا الحفل تحت إشراف ناظر المدرسة، كما حضره الأستاذ حسن البنا.

وفي كليه الطب أقامت لجنه الأعياد الإسلامية احتفالًا بالمولد النبوي، وحضره لفيف من كبار الحجاج الجامعين والعظماء والكبراء وطلاب الجامعة، وكان على رأسهم الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر والدكتور إبراهيم بك شوقي عميد الكلية، والأستاذ أحمد السكري الوكيل العام لجماعه الإخوان المسلمين.

ولم يقتصر الأمر على الإخوان، بل إن الأخوات المسلمات حرصن على الاحتفال بهذه المناسبة، ففي الإسكندرية احتفلت هيئة البر والخدمة الاجتماعية للأخوات المسلمات بذكرى المولد النبوي الشريف، وألقيت بهذه المناسبة الكلمات والمحاضرات، مثلما فعلت أمينة الجوهري، سكرتيرة لجنة الإرشاد، وكتبت تحت عنوان: "المرأة والمولد النبوي الكريم" (4).

بل إن الإذاعة المصرية حرصت على إذاعة كلمة للأستاذ البنا في ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم - وهي من المرات القليلة التي يتحدث فيها في الإذاعة - قبل أن يتغير الأمر وتعمد الحكومة إلى عرقلة كل الاحتفالات بالمولد النبوي.

------

المصادر:

    مجلة النذير: السنة الثانية، العدد 13، 25ربيع الأول 1358هـ / 16مايو 1939م، صـ15.
    محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، جـ1، صـ242.
    مجلة اليراع الأسبوعية: السنة السابعة، العدد 17، 23 ربيع الأول 1358هـ / 13مايو 1939م.
    جريدة الإخوان المسلمون اليومية: العدد 183 السنة 6، 13 ربيع أول 1367هـ - 25/1/1948م صـ16.