لا يجدون دعما إلا من أصوات خافتة وتصريحات باهتة ومواقف هزيلة بل ما هو أشد من ذلك أن الكثير من المسلمين لا يعرفون شيئًا عنهم وعن مآسيهم ومذابحهم ومحارقهم التي لا تتوقف، تلك هي مأسأة مسلمي بورما الذين تخلى عنهم العالم.

"بورما" تلك الدولة الواقعة على حدود الصين و الهند يحكمها عسكر بوذيون والمسلمون هناك يمثلون حوالي 10% من السكان، ويتعرضون للإبادة من حرق الأطفال والقتل والتعذيب والتشريد.. فما قصتهم؟!  وكيف بدأت مآسيهم؟

ترجع قصة بورما إلى ما قبل عام 1784 حيث كان إقليم أراكان المسلم منعزلا عن بورما البوذية وكان الإسلام قد وصل إلى أراكان  أول مرة على يد الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص وبعض التابعين في أحد الرحلات التجارية ثم انتشر فيه الإسلام بشكل كبير على يد التجار المسلمين في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد في القرن السابع الميلادي.

واستمر هذا الإقليم يحكم بالإسلام ثلاثة قرون بدأ ينتشر خلالها في بعض الأماكن الأخرى في بورما،  حتى عام 1784 حيث خشي البوذيون من انتشار الإسلام فقام الملك البوذي ''بوداباي"' بضم أراكان إلى باقي الدولة البورمية وبدأ باضطهاد المسلمين اضطهادا شديدا وأخذ أموالهم ونهب خيراتهم حتى  عام 1824.

 وتعرضت بورما ومعها أراكان  للاحتلال البريطاني وبعد أن فشلت  بريطانيا في إخضاع مسلمي بورما ''الروهينجا " قامت بإمداد البوذيين بكل أنواع الأسلحة وبدأت تدعمهم لاستئصال المسلمين فارتكبت مجازر ومذابح ومحارق بشعة بحق المسلمين.

 وفي عام 1948 خرجت بريطانيا من بورما ليواصل البورميون البوذيون جرائمهم البشعة ضد المسلمين، فاتبعوا سياسة تعرف ببرمنة الدولة؛ أي جعلها بوذية والقضاء على الإسلام.

مآسي المسلمين في بورما

في عام 1938 هجمت جماعات الماغا البوذية على قرى المسلمين في أراكان وقتلوا المئات وحرقوا البيوت واغتصبوا النساء حتى فر أكثر من  500000 مسلم إلى بلاد مجاورة.

وفي عام 1942 ارتكب البوذيون مجزرة أراكان وقتلوا مائة ألف مسلم واغتصبوا النساء وشردوا الأطفال وأحرقوا الجثث.

وفي 1978 تم تهجير وطرد 300 ألف مسلم وفي عام 1988 تم طرد وتهجير 150 ألف مسلم، وتم تهجير ضعفهم في عام 1992 حتى وصل عدد المهجرين والمطرودين من مسلمي بورما 4.5 مليون مسلم.

وفي عام 2012 ارتكب البوذيون مجزرة شنيعة بحق عشرة من الدعاة المسلمين؛ حيث ربطوهم وظلوا يضربونهم بالشوم والسكاكين والسيوف حتى ماتوا ومثلوا بجثثهم ثم واصلو جرائمهم بمهاجمة المساجد وهدمها وقتل كل الرجال والنساء والأطفال في حفلات موت جماعية وإشعال النار فيهم أحياء في محارق بشعة وفصل رءوسهم عن أجسادهم ودفن بعضهم أحياء  وتقطيعهم بالسيوف وهتك أعراضهم وإلقائهم في عرض البحر.

الخوف من العودة

لجأ أكثر من 730 ألفا من الروهينجا إلى بنجلاديش، بعد حملة عسكرية بدأها جيش ميانمار في إقليم أراكان (غرب)، في 25 أغسطس 2017، وشهدت عمليات قتل واغتصاب وإحراق متعمد لمنازل الروهينجا؛ حيث وصل عدد اللاجئين الروهينجا جنوب شرقي بنجلاديش إلى 1.1 مليون.

وبعد مرور أكثر من عامين على بدء المرحلة الراهنة من أزمة الروهينجا، لا يبدي مواطنو ميانمار، الذين لجؤوا إلى مخيمات في منطقة كوكس بازار ببنجلاديش، رغبة بالعودة إلى بلدهم؛ بسبب مخاوف أمنية تراودهم.

وللقبول بالعودة إلى بلدهم، يتمسك الروهينجا بمطالب، أهمها الحصول على جنسية ميانمار (تعتبرهم الحكومة لاجئين بنغاليين غير نظاميين)، وضمان أمنهم، والحصول على حق ملكية ممتلكاتهم.

قال بروفسور العلاقات الدولية في جامعة دكا، محمد شهيد الزمان، إن “العائق الأساسي أمام تقدم المفاوضات بين بنجلاديش وميانمار هو عدم وجود شرط مسبق بانسحاب الجيش من أراكان، قبل عودة لاجئي الروهينجا إلى أراضيهم”.

وأضاف أنه “تم السماح لهذه الفجوة الكبيرة بالظهور إلى العلن، كما لو أن الروهينجا سيكونون معرضين للرمي بالرصاص مرة أخرى، حال السماح بعودتهم إلى ميانمار”.

وطالبت منظمة “هيومان رايتس ووتش”، في بيان، الحكومتين بتعليق خطط إعادة الروهينجا إلى بلدهم، حتى يتم تأمين عودة آمنة طوعية تحفظ كرامتهم.

وتعارض معظم 200 منظمة إغاثة تؤمن المساعدات الإنسانية لمخيمات الروهينجا إعادة الأقلية المسلمة إلى ميانمار ما دام الروهينجا في تردد إزاء تلك الخطوة.

صمت دولي

إبادة المسلمين بالروهينجا تتم تحت مرأى ومسمع من العالم، فعندما حاول مسلمو بورما أن يهربوا لم يرض أي بلد مسلم أن يستقبلهم وبات الخيار الوحيد لهم أن يموتوا في البحر أو من شدة الجوع والخوف والترهيب!

وبحسب تقرير مصور نشرته "نيويورك تايمز" فإن مأساة الروهينجا يمكن وصفها بالمثلث، حيث تطاردهم سلطات ميانمار من جهة، والبوذيون من جهة أخرى، وعلى الحدود تطلق عليهم قوات حرس الحدود في بنجلاديش الرصاص.

فبعد أن استقبلت بنجلاديش لاجئي الروهينجا المشردين، الذين وصلوا أراضيها في حالة صدمة بسبب الانتهاكات التي ارتكبتها السلطات الميانمارية بحقهم، تداعى المجتمع الدولي لتحمل جزء من المسئولية لدعمهم ومساعدتهم.

وعرقلت الصين وروسيا مساعي مجلس الأمن الدولي، التي لم تتعد إصدار بيان لحث ميانمار على معالجة الأزمة.

ومنعت الهند دخول الروهينجا إلى أراضيها، ورحلت بعضا ممن نجحوا بالوصول إليها.

صراع على الميانمار

وتعتبر ميانمار، الواقعة على ممر إستراتيجي يربط جنوب آسيا بجنوبها الشرقي، اقتصادا بكرا، إذ تتمتع بثروات طبيعية كالمعادن والأخشاب وإمكانات سياحية.

وبينما تمتلك الصين النفوذ الأكبر في اقتصاد ميانمار، تنفذ الهند مشروعا ضخما في مجال وسائل المواصلات في أراكان، وهو مشروع “كالادان للنقل متعدد الوسائط”، كما تسعى اليابان أيضا للحصول على استثمارات في الإقليم.

كما أن الجشع تجاه الموارد والمنافع التجارية من جهة و”الإسلاموفوبيا” من جهة أخرى، قد يكونان العاملين المشتركين، اللذين رسما سياسات بعض الدول تجاه قضية الروهينجا؛ حيث تدفع الهوية الدينية للروهينجا الدول ذات الأغلبية المسلمة إلى اتخاذ موقف حساس من قضيتهم.

وتحدث ألطاف بارفيز، كاتب وباحث في شئون ميانمار وأزمة العرقيات بالمنطقة، عن الدوافع المحركة لمواقف الدول من قضية الروهينجا.

وقال إن “البعض مدفوع بالمصالح الاقتصادية.. والهوية المسلمة للروهينجا ربما أدت إلى تعاطف أقل مع قضيتهم”.

وأضاف بارفيز أن “الصين قد تكون توصلت إلى اتفاق بشأن إعادة جزئية للروهينجا إلى بلدهم، أما الهند فتحاول الإبقاء على دور فعّال في القضية، عبر تصريحات مساندة لبنغلاديش”.

عنصرية ضد الإسلام

يعتبر الشعب الروهينجي بأنه "من بين أقل الأقليات في العالم" و "واحدة من أكثر الدول اضطهادا في العالم".

 ويحرم الروهينجا من الحق في حرية الحركة والتعليم العالي كما حرموا من الجنسية البورمية منذ صدور قانون الجنسية البورمية.

ولا يسمح لهم بالسفر دون إذن رسمي، وكان يطلب من قبل التوقيع على الالتزام بعدم وجود أكثر من طفلين، على الرغم من أن القانون لم ينفذ بدقة.

وهم يتعرضون للعمل الجبري الروتيني حيث عادة رجل الروهينجا سوف يضطر إلى التخلي عن يوم واحد في الأسبوع للعمل في المشاريع العسكرية أو الحكومية وليلة واحدة لواجب الحراسة، كما فقد الروهينجا الكثير من الأراضي الصالحة للزراعة التي صادرها الجيش لمنحها للمستوطنين البوذيين.