صدرت عشرات التقارير الصحفية والحقوقية الموسعة، في الأعوام القليلة الماضية، لنقل معاناة الأقليات العرقية المسلمة في إقليم شينجيانج الصيني، نتيجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق أفرادها من قبل السلطات، لكن تسريب أوراق حكومية، قد يثبت جميع مزاعم التقارير، بل ويضيف عليها أيضا.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أمس السبت، إنها حصلت على أوراق حكومية داخلية صينية، مُسربة، تكشف تفاصيل جديدة حول أصول الاعتقال الجماعي لما يزيد عن مليون شخص من الأقليات العرقية المسلمة، وطرق تنفيذه.

وقالت الصحيفة إن الوثائق المسربة المؤلفة من 403 صفحات، تكشف أن إنشاء معسكرات الاعتقال الجماعي لتلقين الأويغور والكزاخستانيين وغيرهم من الأقليات المسلمة في شينغيانغ، تعاليم الحزب الشيوعي وثقافة الهان السائدة، جاء استجابة لمطالب حكومية رفيعة المستوى، على رأسها الرئيس الصيني شي جين بينغ.

وتوضح الوثائق أيضا أن الحكومة اعترفت داخليا بأن الحملة الأمنية قد مزقت العائلات، وأن البرنامج واجه مقاومة غير متوقعة من المسؤولين الذين يخشون حدوث ردود فعل وأضرار اقتصادية.

وأوضحت "نيويورك تاميز" أن عضوا في المؤسسة السياسية الصينية طلب عدم الكشف عن هويته، كشف الوثائق على أمل أن يؤدي انتشارها إلى منع قادة الحزب الشيوعي، بمن فيهم الرئيس، من التنصل من مسؤوليتهم عن البرنامج القمعي.

وشددت الصحيفة على أن هذا التسريب يُعد من أهم التسريبات التي وصلت إلى الصحف والتي تكشف أمورا من داخل الحزب الشيوعي الحاكم، منذ عقود.

ولخصت الصحيفة كل ما جاء في الوثائق المسربة على خمسة أصعدة:

نقاشات جدية داخلية حول عواقب البرنامج

وصفت الحكومة الصينية جهودها في شينغيانغ بأنها حملة إيجابية تهدف لـ"كبح التطرف الإسلامي" من خلال تدريب الناس على إيجاد وظائف أفضل. لكن الوثائق تكشف عن مساعي الحزب هدفت إلى تنظيم حملة اعتقال جماعي قاسية ضد الأقليات المسلمة، باسم "مكافحة الإرهاب"، وهو البرنامج الذي يكشف التسريب أيضا، أنه أحدث نقاشا داخليا ضاريا بين المسؤولين.

وتصف الأوراق المسربة كيف فصلت السلطات أولياء الأمور عن أطفالهم، وكيف تساءل الطلاب عمن سيدفع رسومهم الدراسية، وكيف لا يمكن زراعة المحاصيل أو حصادها بسبب نقص العمال. ومع ذلك، فقد وُجّه المسؤولين لإخبار الناس بأن عليهم الشعور بالامتنان للمساعدة التي يقدمها الحزب الشيوعي، وأنهم إذا زادوا شكاواهم، فقد يزداد الأمر سوءًا بالنسبة لأسرهم، وهو ما أشعل الخلاف داخليا، حيث أثار مخاوف من التبعات الاقتصادية للبرنامج الحكومي.

الرئيس الصيني يضع مسارا لـ"مكافحة التطرف"

وضع رئيس البلاد، شي جينغ بينغ، أسس حملة القمع هذه، في سلسلة خطابات قدمها سريا أمام المسؤولين، أثناء وبعد زيارته إلى شينجيانغ في أبريل 2014، بعد أسابيع فقط من طعن مقاتلين من أقلية الأويغور أكثر من 150 شخصًا في محطة قطار، ما نجم عنه مقتل 31 شخصا.

ودعا إلى "نضال شامل ضد الإرهاب والتسلل والانفصالية" باستخدام "أساليب دكتاتورية" دون "إبداء أي رحمة".

لكن الوثائق المسربة لا تشير إلى أنه أمر بشكل مباشر بإنشاء معسكرات الاعتقال، لكنه عزا انعدام الاستقرار في إقليم شينجيانغ، إلى التأثير واسع النطاق، للمعتقدات "السامة" مطالبا بالقضاء عليها.

الهجمات في الخارج أثارت المخاوف في الداخل

قالت "نيويورك تايمز" إن الهجمات "الإرهابية" التي نُفذت في عدّة دول في العالم، في تلك الفترة، وتراجع القوات الأميركية في أفغانستان، تسببت بزيادة المخاوف لدى القيادة الصينية، وساهمت في إنشاء الحملة القمعية ضد الأقليات المسلمة في شينغيانغ.

وادعى المسؤولون بأن الهجمات في بريطانيا ناتجة عن سياسات تضع "حقوق الإنسان فوق الأمن"، وحث شي الحزب على محاكاة جوانب من "الحرب على الإرهاب" الأميركية بعد هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة.

وأشار شي إلى نيته "الابتعاد" عن سياسات سلفه القمعية، جين تاو، الذي استجاب لأعمال الشغب المميتة التي وقعت في عام 2009 في عاصمة شينجيانغ، أورومتشي، بشن حملة قمعية شديدة الوطأة، لكنه شدد أيضًا على التنمية الاقتصادية كعلاج للسخط العرقي، وهي سياسة الحزب المعتادة.

وبحسب الوثائق، فقد صرح شي في خطاب ألقاه أمام مسؤولي الحزب: "في الأعوام الأخيرة، نمت شينغيانغ بسرعة كبيرة، ومستوى المعيشة في ارتفاع مستمر، ولكن الانفصالية العرقية والعنف الإرهابي لا يزالان في ارتفاع مستمر. وهذا يدل على أن التنمية الاقتصادية لا تجلب تلقائيا نظاما وأمنا دائمين".

زعيم جديد في المنطقة يأمر بحشد تجمع بشرية كبيرة

توسعت معسكرات الاعتقال في شينغيانغ بسرعة بعد تعيين رئيس حزب جديد متحمس للمنطقة، تشن قانغو، في آب/ أغسطس 2016, ووزع خطب شي لتبرير الحملة وحض المسؤولين على "إلقاء القبض على كل من يجب القبض عليه".

وقاد تشن حملة تشبه إحدى حملات ماو السياسية المضطربة، والتي مارس فيها ضغطا هائلا على المسؤولين المحليين، معتبرا أن أي تعبير عن الشك يجب أن يُعامل كجريمة.

طرد بعض المسؤولين لمعارضتهم الحملة

واجهت حملة القمع شكوكا ورفضا من المسؤولين المحليين الذين يخشون أن يؤدي ذلك إلى تفاقم التوترات العرقية وخنق النمو الاقتصادي في المنطقة. لكن تشن، رئيس الحزب الجديد في شينغيانغ، استجاب لهذه المعارضة، بطرد المسؤولين المشتبه في وقوفهم في طريقه، بما في ذلك زعيم المقاطعة،  وانغ بونغ تشي، الذي سُجن بعد أن أطلق بهدوء آلاف المعتقلين من المعسكرات.

وكان تشي قد شيّد مرافق احتجاز مترامية الأطراف وزاد التمويل الأمني في المقاطعة التي أشرف عليها. ولكن في اعتراف مؤلف من 15 صفحة، وقع عليه على الأرجح بالإكراه، أعرب عن قلقه من أن القمع سيضر بالعلاقات العرقية وأن الاعتقالات الجماعية ستمنع تحقيق التقدم الاقتصادي الذي يحتاج إلى بلوغه، من أجل الحصول على ترقية.

ولذا، أمر بالإفراج عن أكثر من سبعة آلاف معتقل، من معسكرات الاعتقال، في خطوة تحدى فيها القرارات الحكومية، ما أدى إلى اعتقاله وتجريده من صلاحياته ومحاكمته.