للمرة الأولى في تاريخ العاصمة الهولندية أمستردام، رُفع أذان الجمعة في المسجد الأزرق (المركز الثقافي الاجتماعي الكويتي)، الجمعة الأخيرة منتصف نوفمبر 2019، من خلال مكبرات الصوت خارج المسجد، وسيكون هذا أمرا معتادا كل جمعة.

عاد الحديث عن الإسلام والجاليات المسلمة بقوة خلال المدة الأخيرة ليهيمن على المشهد السياسي والإعلامي بهولندا.

 عودة جاءت بعد فترة بيات شتوي طويلة كانت بالنسبة لخيرت فيلدرس بمثابة كابوس ثقيل، فهو لا يستطيع الحياة بدون أن تكون هناك قضية إسلامية يحاول من خلالها تأكيد حضوره ووجوده.

فقبل أسابيع أعلنت إدارة المسجد الأزرق بعاصمة أرض الطواحين الهوائية أمستردام عزمها رفع الأذان عبر مكبرات الصوت خارج أسوار المسجد.

هذا الإعلان الذي فتح نقاشا واسعا على الصعيد الوطني والمحلي، سواء على المستوى السياسي أو في وسائل الإعلام الرسمية أو عبر منابر التواصل الاجتماعي المختلفة.

وكما كان متوقعا فقد كان حزب الحرية لفيلدرس السباق للتنديد بهذه الخطوة، مطالبا وزير الاندماج بالإغلاق الفوري للمسجد، بل ولجميع المساجد.

مجلس إدارة المسجد قال في البيان الصحافي الذي أرسله إلى وسائل الإعلام: “لقد اتخذنا هذا القرار لأننا نعتقد أنه يمكننا المساهمة من خلاله في تطبيع الإسلام في مدينة أمستردام الجميلة”.

خطيب المسجد ياسين الفرقاني صرح من جانبه بالقول: “نريد أن نبرز أن عبارة “الله أكبر” جميلة للغاية، وأمستردام، المدينة الأكثر تسامحاً يجب ألا تضيق بذلك. بهذه الطريقة يمكننا أن نتخلص من الكثير من الأفكار السلبية عن الإسلام”.

الناطق الرسمي باسم مجلس المساجد المغربية (RMMN) سعيد بوهرو نقلت عنه صحف هولندية أنه لا يفهم كل هذه الضجة بشأن قرار المسجد الأزرق؛ ففي هولندا هناك عشرات المساجد التي يتم فيها رفع الأذان دون أي مشاكل إطلاقا.

عمدة المدينة، فيمك هالسما (الزعيمة السابقة لحزب اليسار الأخضر)، لم تكن متحمسة لقرار المسجد الأزرق، على اعتبار أن الأذان يتم باللغة العربية وليس بالهولندية.

ولإعطاء التوضيحات اللازمة عن الموضوع، ولتصحيح كثير من الأحكام المسبقة، نظم المسجد أمسية معلوماتية حضرها العشرات من سكان الحي, وفي ختام اللقاء كان الارتياح باديا على محايا معظم الحاضرين.

كان من المفروض أن يتم رفع الأذان يوم الجمعة 8 نوفمبر، ولكن في آخر لحظة تم اكتشاف قطع سلك موصل بمكبر الصوت في الخارج. ليتم تأجيل الموعد إلى الجمعة الموالي.

معظم الحاضرين عبروا عن ارتياحهم وتعاطفهم, الجاليات المسلمة بهولندا والمغربية منها بالخصوص تفاعلت مع الحدث الذي رأت فيه خطوة إيجابية تكرس لقيم وطن متعدد الثقافات، وتعزز مبادئ التسامح والعيش المشترك والاحترام المتبادل بين جميع مكونات المجتمع الهولندي.

وعن المساجد في هولندا يقول: الباحث التربوي محسن الزمزمي مقيم في هولندا: إن تقديرات عدد المساجد في هولندا تختلف، حيث ليست هناك تقديرات حديثة، إذ إن آخر إحصائية دقيقة تم إجراؤها في عام 2008 وقدّر العدد آنذاك بحوالي 500 مسجد، بلا شك هذا العدد في ازدياد، كما أنه ليست كل المساجد ترفع الأذان في مكبرات الصوت يوم الجمعة.

واستدل الزمزمي بالدراسة التي أعدها ويليام هوينك، بعنوان "التجربة الدينية لمسلمي هولندا.. استعرض للتنوع والتطور" مكتب التخطيط الاجتماعي والثقافي، لاهاي، يونيو 2018، التي تشير إلى أنه وبالرغم من أن معظم المسلمين في هولندا من السُّنة، فإن إدارة مساجدهم يطغى عليها أثر عرقي واضح، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي نصف المساجد يديرها الأتراك، وحوالي ثلثها يديرها المغاربة، والجزء الأخير يديره مسلمون ذوو أصول سورينامية، وهناك جزء صغير من المساجد تديره جماعات إثنية أخرى، وتُتحدّث اللغة التركية غالباً في المساجد التركية واللغة العربية في المساجد المغربية.

أما فيما يخص هذا النسيج الاجتماعي والتعايش المشترك اللافت للانتباه، يفسره أيهم الفارس، صحفي سوري مقيم في هولندا، بقوله: إن التنوع الثقافي الذي تعيشه مدينة أمستردام يكاد يكون فريداً من نوعه مقارنة بمثيلاتها في العالم، إذ يقطن المدينة قرابة 140 ثقافة وعرقاً من شتى أنحاء العالم، وأن هذا التنوع يدفع رئيسة البلدية ڤيميكا هالسيما باستمرار إلى التغني بهذه الميزة في كل خطاباتها أمام سكان العاصمة الذين تعتبرهم مشاركين في بناء المجتمع الهولندي، كما يضمن الدستور الهولندي للفرد حرية التفكير والإيمان، وهو ما ساعد بشكل ملحوظ في الموافقة على رفع الآذان في أمستردام.