يقول عمر رضي الله عنه: "الحاج قليل والركب كثير"..

كم أطربتني وهزتني هذه الكلمات على قلتها؟!

فالله تعالى لا يعجبه من كثير الحجيج إلا صادق النية، متحلل النفقة، غزير الدمعة، حلو الدعوة، وإن كان واحدًا بين الملايين.

وكذا المصلون.. مهما بلغ عددهم في الجُمع والجماعات، لن ينظر الله إلا لذلك الخاشع قلبًا وجسدًا.. الذائب روحًا مع الآيات.. ولربما شفع هذا لمئات ممن يصلون معه إكرامًا له.

فلله مُنتَقَوْن بالعشرات من بين الملايين والألوف والمئات!!

لأن الكثرة عند الله ليست هي المطلوبة لذاتها.. لكنه سبحانه يحب نور القلة التي تسطع بين ظلام الكثرة.

لذلك أعطى للمتفردين بالعمل أجرًا لم يعطه لغيرهم:

فأرسل السلام من عليائه سبحانه لأبي بن كعب..

واهتز عرشه سبحانه لموت سعد بن معاذ..

وأرسل الدبر تحمي جسد عاصم بن ثابت..

وأنزل الآيات تؤيد عمر..

وسمع قول المرأة المجادلة - البسيطة عندنا العظيمة عنده - وأنزل فيها قرآنا يطيّب خاطرها ويحلّ مشكلتها..

فإذا علمت هذا فليكن همُّك في هذه الدنيا أن تكون الحاج المقبول لا الحاج المشهور!!

وليكن همك أن ينظر الله إليك بين الجموع الكاثرة، فيجدك عاملاً للدين على قلة من الرفقاء وكثرة من الأعداء.

ليكن همُّك أن تلقى الله وعرق السير على بدنك وغبار الطريق في أنفك وإن قل السالكون معك.

ليكن همُّك أن تلقى الله رافعًا شعلة الحق وإن لسعتك نارها.. فلربما لحق بك من يحملها عنك.. أو لقيت الله وأثر النور على يديك.

المهم أن ينظر الله إلى الجموع الكثيرة فيكون نورك الساطع أول ما يراه الله تعالى من بين هذه الجموع فيختارك.

وما زاغ من زاغ إلا لأنه انشغل بضجيج الركب عن نظر الرب فمشي معهم!!

الناس عند الله أحد رجلين:

رجل بأمة.. وأمة لا تساوي عند الله ظفر رجل!!

والنوع الثاني هو مادة عالم اليوم.. همل كثير لا يبالي الله بهم مهما بلغت أعدادهم!!

أما الأول.. فواحد منهم يرفع الله به البلاء.. ويباهي به في السماء.. فكونوا منهم.

فلولا الآحاد المحبوبون.. لهلك الجمع الكثيرون!!