القوي الأمين؛ هو الذي يحافظ على المروءة، وعلى كرامته وكرامة الغير، ويحافظ على الأموال والأعراض والأرواح والعزة متى ما كان في موقع المسؤولية بالذات، ويحافظ على الأسرار للذات وللغير، ويبذل كل ما في وسعه لنشر الخير ومحاصرة الشر؛ وذلك حباً في رضا الله تعالى، وخوفاً من غضبه وسخطه جلَّ وعلا، ولا شك أن القوي الأمين يحمل الأمانة الفكرية والقانونية، وأمانة قول الحق المتمثلة في قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء: 58)، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الأنفال: 27)، ومحور هذه الأمانة الحفاظ على خيرية الأمة المتمثل بقوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) (آل عمران: 110).

القوة والأمانة لا شك خير من تخدمان وترفع بداية صاحبها؛ فتفضي عليه الاحترام من المقابل مهما كان.

والأمانة المادية أيضًا لها قيمتها عند الإنسان المسلم كما هي الأمانة عمومًا، وأداؤها لا يأتي إلا من قوي أمين، كما هو ظاهر بقول الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام، في هذه الرواية التي جمعت شمول الأمانة عموماً، المادية والمعنوية والاعتقادية بوضوح، وقوة شديدة لا مجاملات فيها، وبحزم وحسم، لا يحتمل إلا الدقة والوضوح والقطعية، كما جاء عنه عليه الصلاة والسلام: "ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدميَّ، إلا الأمانة؛ فهي مؤداة إلى البر والفاجر".

ونكمل شمولية الأمانة بأضيق الخصوصيات؛ بالخصوصية الخاصة جداً، كما جاء في صحيح مسلم: "إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها".

وقد جاء في مأثور الحكمة، قال خالد بن ربعي: قرأت في بعض الكتب السالفة: "أن مما تُعجل عقوبة الآخرة، الأمانة تخان، والإحسان يكفر، والرحم تقطع، والبغي على الناس".

ومن كبير الأمانة حقيقة ودقائق عظمتها، احتمال الإنسان لأسراره؛ أي أسرار ذاته والحفاظ عليها، وهي في حال تسربها –الأسرار- كثيراً ما يستغلها الخصم إذا ما علم بها وتمكن منها.

يقول سيدنا عمر رضي الله عنه ناصحًا: "ما أفشيت سري إلى أحد فأفشاه؛ فلمته؛ إذ كان صدري به أضيق".

إذا المرء أفشى سره بلسانه

ولام عليه غيره فهو أحمق

إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه

فصدر الذي يستودع السر أضيق

وأسرار الناس والأعمال ومواقع العمل لا شك من الأمانات الكبيرة، فلا بد من الإنسان والمسئول بشكل خاص العمل على كتمانها والحفاظ عليها، وعدم التحدث بها وفيها، فهذا من القوة والأمانة لا شك ولا ريب، والأمانة تعظم كلما عظمت المسئولية، نسأل الله تعالى أن يوفق الوزارة الجديدة لما يحب ربنا ويرضى.