من تراث الراحل الشيخ/ محمد الغزالي

لم أكن أظن المعصية فادحة الثمن إلى هذا الحد، إن سعرها المعجل باهظ، أما نتائجها المؤجلة فلا يعلم جسامتها إلا الله..

قرأت هذا الخبر الذي يصف واحدا من أحفال رأس السنة الميلادية، ثم استولى عليّ فكر عميق، الخبر يقول: في رأس السنة الأسعار دون دعم، زجاجة الويسكي بـ340 جنيها، والعشاء بـ250 جنيها.

زجاجة خمر واحدة تشتري بثلاث مئة وأربعين جنيهًا؟ إن هذا المبلغ تشترى به ستة آلاف وثمانمئة رغيف!

حلوف واحد يحتسي شرابا من الإثم يكفي ثمنه لإطعام قرية من الفلاحين؟ لماذا قلت حلوفا واحدا؟ قد تكون معه أنثى يتبادلان السكر ويستمعان إلى الأغنية الشهيرة كلما قلت له: خذ.. قال: هات.

والعشاء المقدم في هذا الحفل المائج ثمنه 250 جنيها، إن مرتب سنة من خريجي الجامعة.. يستقبلون به الحياة بعد كدح طويل، يتجرعه هذا التائه في مساء أسود.

والنساء الحاضرات قد انسلخن من الفراء الذي كان على أجسادهن، فأمسين لحمًا يتاجر فيه الشيطان من عالم الجن أو الإنس. وتوجد قطع من ثياب بقيت لأمر ما، لكن هذا الأمر ليس ستر العورات على كل حال.

أما العطور فقد قال الراوي إنها تدوّخ من يشمها، ونظر المدعوون والمدعوات إلى راقصة تجيد فن الأفاعي في الالتواء والامتداد.

قال الراوي: كانت الفتاة الراقصة تصدر أصواتا أثناء الرقص انزعجت لها الزوجات وذهل لها الأزواج.

وانطفأ النور في منتصف الليل ثلاث دقائق، وفق تقاليد الاحتفال بانتهاء سنة واستقبال أخرى، وكان الجميع على موعد مع هذه الظلمة المفتعلة ليعبث الذكور وليأتي النساء ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن.

إن عيسى وموسى ومحمد وسائر الأنبياء عليهم السلام يرفضون هذه المآسي أو هذه المعاصي جملة وتفصيلا، إن الأندية والفنادق في هذه الليلة الحمراء تتحول إلى غابات طافحة بالكفر والفسوق والعصيان.

وأنا أعرف أن الحضارة الغربية لا تنظر إلى السماء ولا تفكر في آخرة، لكنها حضارة منتصرة، وللنصر نشوة قد تفقد ذوي الألباب عقولهم إلى حين.

وسؤالي إلى العرب المهزومين والمسلمين المقهورين: ما أقحمكم في هذه الأحفال؟ ما حملكم على المشاركة في أرجاسها ومباذلها؟

لماذا رضيتم بفقدان الشرف والأنفة؟ وخنعتم لما نزل وينزل بكم من خزي؟ إن الشباب الناضر في فلسطين يدفن حيا أو تدق عظامه كلها حتى يبقى حيًّا كميت.

إن معركة الإسلام مع الشيوعية في أفغانستان استنفدت ألوف الشهداء ولا تزال تطلب المزيد.

إن دينكم ودنياكم معًا يتهددهما الابتزاز والاغتصاب والكساد والجفاف، وصنوف من الهوان المادي والأدبي لم تعرف في هذا العصر الكالح بين أتباع دين آخر!.

ماذا فعلتم بماضيكم وتراثكم؟ ماذا تفعلون بحاضركم وقضاياكم؟

إذا رقص المنتصر وانتشى رقصتم معه وفقدتم وعيكم، وأنتم مغلوبون على أموركم في ميادين العلم والإنتاج وشئون الحياة كلها.. ما أصدق قول القائل في كل واحد منكم:

بعت ديني لهم بدنياي حتى .. سلبونى دنياي من بعد ديني