مِن حولك.. زوجتُك.. أبناؤك.. إخوانك.. أخواتك.. طلابك.. أو طالباتك.. أنت بحاجة إلى أن تجعل منهم أفرادًا نافعين لدينهم وأمتهم.. بحاجةٍ إلى أن تصنع فيهم التميز والإبداع.. لتستقر لنا الحياة السعيدة في ظل بارقة الوحي المطهَّر.

عشر خطوات نحو التميُّز في بناء الثقة بين أفرادك مِن حولك

الأولى: علِّقهم بالله

من تعلَّق بشيء وُكِلَ إليه.. فما أعظم أن يوكَل الإنسان إلى ربه الرحمن الرحيم.. القوي القدير.. اللطيف الخبير.. علِّمهم كيف يحسنون التعلق بالله.. بالفزع إليه.. "يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين.. الله ثالثهما"؟! وقد كان- صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصلاة، وكان إذا همَّ بالأمر صلى لذلك الاستخارة.. حين يتعلق القلب بالله فإنه يأوى إلى ركن شديد.. وحين يتعلق القلب بجهد أو مادة.. أو قوة أو فتوَّة.. أو فِطنة أو دهاء.. فإنه يكون قد هلك وخاب وخسر ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ (القصص: من الآية78)، ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ﴾ (القصص: من الآية81).

وفي حادث الإفك تعيش الطاهرة المطهرة العفيفة الصينة السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق أحلك أيام حياتها.. تُرمى بالأذى والإفك.. ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- بَشر من البشر.. أحبَّ زوجته.. بل هي أحبُّ الناس إليه.. يَدخل عليها وهو يقول.. "أما بعد: يا عائشة، فإنه قد بلغني عنكِ كذا وكذا، فإن كنتِ بريئةً فسيبرئك اللَّهُ".. إنَّه التثبيت.. إنها البراءة الطاهرة.. حين لا تكون إلا من الله!!

أيُّها الداعية.. أيها الزوج.. نمِّ فيمن حولك هذا الإيمان، وادع الله لهم بأن يزينَه في قلوبهم.

الثانية: اشحذ همَّتهم

"يا عمر.. ما رآك الشيطان سالكاً فجًّا إلا سلك فجًّا آخر" وهكذا صار عمر.. الأمير.. الخليفة.. الملهم.. المحدَّث!! في يوم بدر﴿فِئَةٍ قَلِيلَةٍ﴾ ﴿غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ﴾ "من يقاتلهم وله الجنة"!! فقال عمير.. "بخٍ بخٍ!! إنها لحياة طويلة حتى آكل هذه التمرات".. "إرمِ سعد.. فداك أبي وأمي"!!

الثالثة: عزز جانب النقص فيهم

يصعد مرة الفتى النحيل والصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - على شجرة.. فتتلاعب الريح بساقيه.. فيضحك بعض الصحابة من دقَّة ساقيه.. فيقول الإمام المربِّي.. "أتضحكون من دقة ساقيه، والله إنها عند الله أثقل من جبل أحد"!! يريد أن يعلمنا كيف نعزز جانب النقص فيمن حولنا، النقص قد يكون نقصًا فطريًّا.. جِبليًّا.. عزِّزه بما يكمله.. وإن كان هذا التعزيز شعوريًّا نفسيًّا..

إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يريد أن يخبرنا أن وزن ساقي ابن مسعود أثقل من جبل أحد لمجرد أنهما ساقا ابن مسعود، إنما يريد أن هاتين الساقين تغبَّرتا في سبيل الله.. فثقلت في ميزان الله!!

يخبرنا الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن النساء ناقصات عقل ودين، لكنه- صلى الله عليه وسلم- يعزِّز هذا النقص الفطري في الحديث المروي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم إني أحرج حق الضعيفين، اليتيم والمرأة" (رواه أحمد وابن ماجه)، وقوله: "من عالَ جارتين كُنَّ له حجابًا من النار"، "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت"!! تكميل وتعزيز.. لتكون أكثر ثقةً بنفسها.. حين تتعامل مع معطيات الحياة.. بهذه النفسية والمهنويات الواثقة المرتفعة!!

الرابعة: احترم جهدهم

لا تتجاهل.. أو تحقِّر.. لكنْ.. احترِم وقدِّر..

اختصم شابان فتيَّان عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أيَّهم قتل أبا جهل!! فيطلب- صلى الله عليه وسلم- سيوفهما فيرى عليها آثار الدماء فيقول: "كلاكما قتله"، ويوصي عائشة- رضي الله عنها- "يا عائشة.. لا تحقرنَّ جارةٌ لجارتها ولو فرسن شاة".. إن احترام جهود الآخرين مهما قلَّت أو دقَّت لتبعث في قلوب الآخرين الثقة فيما يقدمون ويعطون ويبدعون.. احترم جهدهم.. تصنع فيهم الثقة!!

الخامسة: كلِّف بالمستطاع:

حتى لا يصاب من حولك بالإحباط أو الفتور، حتى لا يصيرون أسرى الضجر والملل، أسرى التخبُّط والفشل.. كلِّف بالمستطاع، اعرف قدراتهم وإمكاناتهم، ثم اختر المناسب في المكان المناسب وفي الوقت المناسب.

"حذيفة" أمين السر، و"خالد بن الوليد" سيف الله المسلول، و"أبو هريرة" المحدِّث الحافظ، ويوم الخندق ينتدب حذيفة، وفي القوم أبو بكر وعمر، حين تطلُب من الآخرين ما لا يمكن أن ينجزوه أو يعملوه، فإنك توقعهم في حبائل الضعف والخوَر والفشل، فكلِّف بالمستطاع؛ لتجد مَن حولك أكثرَ ثقةً في إبداعهم.

السادسة: ثِقْ بهم

ليكونوا أوثقَ بأنفسهم امنحهم ثقتك وحسِّن ظنَّك بهم، لا تعاملهم بالشك والريبة، وتأويل الأفعال، وإلزام النيات والمقاصد ما لا يلزم.. رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يجعل "أسامة بن زيد"- رضي الله عنه- على جيش يسيِّره إلى الروم وفي الجيش كبار الصحابة وأميرهم "أسامة".. يرسل الشاب اليافع "حبيب بن زيد"- رضي الله عنه- ليبلغ رسالتَه إلى مسيلمة الكذاب من غير أن يكون له حرس أو حُجَّاب يُرسِل معاذًا إلى اليمن.. و"مصعب" الشاب المترَف يرسله سفيرًا للإسلام إلى المدينة.. إن الثقة بالآخرين من أعظم ما يولِّد الثقة عندهم، ثقة في أنفسهم، وثقة بك.. أيضًا زوجتك وأبناؤك هم أولى الناس بأن تمنحهم ثقتك!!

السابعة: صارحهم

لا تزين لهم، ولا تتكلَّف لهم.. استرْ عيبَهم عن أن تفضحهم، لكن لا تستر عيبهم عن أن تنصحهم، صارحهم بأخطائهم مصارحةَ الحريص المشفق من غير تشهيرٍ أو تحقيرٍ أو إذلالٍ "ما بال أقوام.."، و"نعم العبد عبد الله لو كان يقوم من الليل.."، وكما صارحتهم بعيبهم صارحهم بحبك.. "إذا أحب أحدكم صاحبه، فليأته في منزله، فليخبره بأنه يحبه لله عز وجل".

الثامنة: امنحهم فرصة التعبير عن شعورهم وأفكارهم بكل أريحية

لا تزجر أو تضجر.. يدخل شاب على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "يا رسول الله، ائذن لي في الزنا"!! يا لله!! يريد الزنا؟! ويريده حلالاً أيضًا؟! فيدنيه منه- صلى الله عليه وسلم- وهو يقول في شفقة وحب.. "أترضاه لأمك؟!".. "لأختك؟!".. حتى يقول له: "وهكذا الناس لا يرضونه لأمهاتهم وأخواتهم"! فيقوم الشاب من عنده، وهو أوثق بنفسه من أن يقع في هذه الكبيرة بعد هذا الحوار الهادئ، فزوجتك وأبناؤك وكل مَن حولك بحاجة إلى أن تعطيَهم فرصةً- أريحية- للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم وعواطفهم وخلجات دواخلهم، من غير أن تكبح أو تزمر أو تزجر.. إنك حين تحرمهم هذه الفرصة سيكونون أضعف من أن يواجهوا أنفسهم بصراحة.. لتبنِ الثقة فيمن حولك، امنحهم فرصة التعبير.

التاسعة: لا تسخر منهم

يشرب رجل الخمر، فيؤتَى به إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فيجلده، فيقول أحدهم: ما أقبحه!! فيقول- صلى الله عليه وسلم-: "ما أعلم إلا أنه يحب الله ورسوله.. لا تعينوا الشيطان على أخيكم"!! هذه الكلمات لهي أشدُّ وقْعًا في نفس ذلك الرجل من سياط الجلد.. إنها تربية النبوة.. لا تسخر من طالبك أو ابنك أو زوجك، حين يخطئ أو حين يحاول الإبداع.. إنك تغتال طموحه.. تقتل فيهم الإبداع والمبادرة والإنجاز.. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ﴾ (الحجرات: من الآية11).

العاشرة: علِّمهم كيف يبدعون
 
كيف ينجزون كيف يتخلصون من مشكلاتهم، وجِّه وانصح وساعد وأغِثْ، وكن بهم رحيمًا..﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنَفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتِّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ (التوبة: 128).

وينشأ ناشئ الفتيان منَّا    على ما كان عوَّده أبوه

أخرج ابن جرير عن أبي اليسر- كعب بن عمرو الأنصاري- قال: أتتني امرأةٌ تبتاع مني بدرهم تمرًا، فقلت: إن في البيت تمرًا أجودَ من هذا، فدخلت فأهويت إليها فقبَّلتُها، فأتيت عمر فسألته، فقال: اتقِ اللَّه، واستُر على نفسِك، ولا تخبرَنَّ أحدًا، فلم أصبِر حتى أتيتُ النبي- صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبرتُه، فقال: "أخلَفتَ رجلاً غازيًا في سبيل اللَّه في أهله بمثل هذا؟"، حتى ظننتُ أني من أهل النار، حتى تمنَّيتُ أني أسلمتُ ساعتئذٍ"، فأطرق رسول اللَّه- صلى اللّه عليه وسلم- ساعةً، فنزل "جبريل"، فقال: "أبا اليسر"، فجئتُ، فقرأ عليَّ رسول اللَّه- صلى اللّه عليه وسلم-: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾ (هود: 114)، فقال إنسان: يا رسول اللَّه، أله خاصةً؟ أم للناس عامةً؟ قال: "للناس عامة".

وعن أبي ذر أن رسول اللَّه- صلى اللّه عليه وسلم- قال: "اتق اللَّه حيثما كنتَ، وأتبِع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" (أخرجه الإمام أحمد).

لقد خرج هذا المذنب الخطَّاء من عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو أشدُّ عزمًا على أن لا يقربَ هذه المعصية.. خرج من عنده وهو أكثرُ أمَلاً وتفاؤُلاً.. إنك حين تعلِّم غيرك كيف يبدع وكيف يسمو وكيف يتخلَّص من مشكلاته وهمومه يكون أقدرَ وأوثقَ من نفسه على أن يقضي دهره في ظل أمل بعمل.