بقلم: صادق أمين

لقد تميَّزت دعوة الإخوان المسلمين بالعديد من الخصائص والصفات التي جعلتها ذات تأثير قوي وفعَّال في كثيرٍ من المجتمعات والشعوب رغم اختلاف أجناسهم وعروقهم ولغاتهم وثقافاتهم، فاستطاعت أن تربطهم بالله- عز وجل- والرجوع إلى كتابه الكريم واتباع سنة الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- والاقتداء به في واقعهم وحياتهم وسلوكهم، واستطاعت أيضًا أن تُعمِّق الفهم الصحيح للإسلام وشموله لجميع مجالات الحياة والعمل على تحقيق وتطبيق المنهج الإسلامي، والسعي لإقامة الدولة الإسلامية المنشودة.

ولقد أسهمت هذه الخصائص والمميزات في استمراريةِ هذه الدعوة وقيامها بدورها في إحياء الأمة الإسلامية، وتوجيهها نحو الترابط والوحدة فيما بينها.

كل هذا رغم ما تعرضت له الدعوة من محنٍ شديدة وابتلاءات متعددة على مدار ثمانين عامًا تقريبًا، فما وهنت، وما ضعفت، وما استكانت، ولكنها ازدادت قوةً وانتشارًا وتأثيرًا بتوفيقٍ من الله سبحانه وتعالى أولاً ثم بفضل هذه الخصائص التي تميَّزت بها، ومن هذه الخصائص والصفات:

عالمية الدعوة:

فلقد ظهرت دعوة الإخوان المسلمين وبرزت على الساحة الإسلامية والعالمية منذ أكثر من ثمانين عامًا، وقدَّمت الإسلامَ إلى العالم بتمامه وكماله وشموله ووضوحه كمنهجِ حياة صالح لكل زمان ومكان، إذا تحاكم إليه الناس سعدوا في دنياهم بالحق والعدل، وفازوا في أخراهم برضا ربهم الذي خلقهم ورزقهم وضمن لهم أعمارهم.

والإسلام الذي نعرفه ونفهمه بهذا الشمول يُربي النفوس، ويُكوِّن الرجالَ، ويؤسس المجتمعات، ويقضي بين الناس، ويُعطي كل ذي حق حقه، مسلمًا كان أو  غير مسلم، فالبشر في نظر الإسلام مكرمون ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (الإسراء: من الآية 70)، والناس تحت راية القرآن يُرحمون ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾ (الأنبياء)، والكل بغض النظر عن عقائدهم أمام عدل الإسلام لا يُظلمون ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة: من الآية 8) .

وهذا هو الإسلام الذي تحتاج إليه الدنيا الآن، وقد ظهر فيها الظلم والجور والفساد ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)﴾ (الروم).

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات: من الآية 13)؛ ولأن دعوة الإخوان المسلمين إسلامية خالصة التَّف حولها المسلمون وتفاعلوا معها، فأخذوا الإسلام بجد، وألزموا أنفسهم به بحق، وحرصوا على نشره، وجاهدوا في سبيل ذلك إنفاذًا لأمر الله تعالى ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ (النحل: من الآية 125)، وقد ظهر للعالم أجمع أن دعوة الإخوان لم تُوجَّه إلى قطرٍ دون آخر أو إلى جنس دون آخر، ولكنها موجهة إلى الناس كافة، وفي ذلك يقول الإمام البنا: "أصلهم واحد، وأبوهم وأحد، ونسبهم واحد، لا يتفاضلون إلا بالتقوى وبما يعدم أحدهم للمجموعة من خيرٍ سابغ وفضل شامل ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ (النساء: من الآية 1)، فنحن لا نؤمن بالعنصرية الجنسية، ولا نُشجِّع عصبية الأجناس والألوان، ولكننا ندعو إلى الإنسانية الحقة والمساواة الحقيقية.

ولقد حرص الإمام البنا- رحمه الله- على ألا تكون دعوة الإخوان المسلمين إقليمية في إطارٍ قطري، بل كانت عالمية بعالمية الدعوة الإسلامية؛ ولذلك وجدناها تمتد في الأربعينيات لتشمل العالم العربي كله، وانطلقت بعد ذلك إلى كل مكان، ولقد كان الإمام البنا يرسل المبعوثين إلى زعماء الهند وباكستان وإندونيسيا وأفغانستان، وإلى رجالات السودان والصومال وسوريا والأردن والعراق وفلسطين.

وعلى هذا الدرب سارت دعوة الإخوان المسلمين منذ نشأتها حتى يومنا هذا فلم تنغلق على قطر، بل انتشرت في ربوع العالم بمختلف أجناسه ولغاته وثقافته، واستطاعت أن تُحيي قيم الإسلام ومبادئه في نفوس أجيال متعاقبة في أقطار متعددة رباطهم واحد، وولاؤهم واحد، وهدفهم واحد، ومنهجهم واحد دون نظرٍ لجنس أو لون أو عرق، فحق فيهم قول الإمام البنا:

ولكنكم روح جديد يسري في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن".

وما تزال دعوة الإخوان المسلمين تمتد أفقًا وعمقًا لتغطي العالم كله بفكرها الإسلامي الأصيل، وإننا لنجد اليوم أن الفكر الإسلامي لعلماء وفقهاء ومفكرين هذه الدعوة المباركة قد فرض نفسه على كل التجمعات الإسلامية بشتى هوياتهم، وأصبحت أحقية الإسلام بالتطبيق في كل مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من المُسلَّمات التي تفرض نفسها، حتى على أعداء الإسلام، وتملأ نفوس تيارٍ عريضٍ من الإسلاميين في كل مكان، وتدفعهم للجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله وإقامة حكم الله في الأرض.

أستاذية العالم:

ولقد حدد لنا الإمام البنا- رحمه الله- الأهداف الأساسية التي تسعى لتحقيقها، ومنها الهدف السابع، وهو أستاذية العالم، ويوضح الإمام البنا مفهوم الأستاذية بقوله: "بنشر دعوة الإسلام في ربوعه"، ويؤكد ذلك في موضعٍ آخر فيقول: "والإسلام مع هذا يعتبر الأمة الإسلامية أمينة على رسالةِ الله في أرضه، ولها في العالم مرتبة الأستاذية- ولا نقول مرتبة السيادة- بحكم هذه الأمانة؛ فلا يسمح لها أن تذل لأحد أو تُستبعَد أو تلين قناتها لغامزٍ أو تخضع لغاصبٍ معتدٍ أثيم ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ (النساء: من الآية 141) (رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي):

الالتفاف حول محور الدعوة ومركزها:

ويُعبِّر الإمام البنا- رحمه الله- بكلماتٍ دقيقة واضحة حقيقة وطبيعة العلاقات والصلات بين جميع هيئات ومؤسسات الدعوة المنتشرة في ربوع العالم والتفافها حول محور الدعوة ومركزها فيقول:

"لأن الصلة بين هذه الهيئات كلها ليس مجرد التشابه في الاسم أو الوحدة في المقصد العام، كلا.. بل إنها أقوى الصلات جميعًا؛ إنها صلة الحب العميق، والتعاون الوثيق، والارتباط القدسي المتين، والالتفاف التام حول محور الدعوة ومركزها، والوحدة الشاملة في الألم والأمل والجهاد والعمل والوسائل والغايات والمنهج والخطوات.

الإخوان يزورون إخوانهم ويختلطون بهم، ويعرفون أهم ما يتصل بحياتهم وشئونهم الخاصة والعامة، ولا أكتمكم أني مزهو بهذه الوحدة الإخوانية الصادقة، فخورٌ بهذا الارتباط الرباني القوي المتين، عظيم الأمل في المستقبل ما دمتم كذلك؛ إخوة في الله متحابين متعاونين، فاحرصوا على هذه الوحدة فإنها سلاحكم وعدتكم". (رسالة المؤتمر الخامس).

ومن هنا وجب علينا عدة أمور:

- المواظبة على الدعاء بورد الرابطة الذي يجمع بين قلوب أصحاب هذه الدعوة مهما تباعدت المسافات بينهم.

- استشعار عالمية هذه الدعوة، واستشعار عظم المسئولية تجاه الأمة الإسلامية والعالم بأسره.

- التعريف بالدعوة ومبادئها وأفكارها في كل موضع في هذا العالم؛ حتى نكون نِعم السفراء وخيرهم لهذه الدعوة.

- التضامن الكامل مع قضايا العالم الإسلامي بكل الصور والوسائل الممكنة.

- العمل المتواصل الجاد لتحقيق نهضة الأمة الإسلامية ومشروعها الحضاري.

- الأمل الواسع الفسيح، والثقة واليقين في وعد الله- عز وجل- بالنصر والتمكين، وما أجمل تلك الكلمات التي يُعبِّر فيها الإمام البنا عن هذه المعاني فيقول في رسالة المؤتمر الخامس: "أيها الإخوان المسلمون: لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين، وحقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد، وما زال في الوقت متسع، وما زالت عناصر السلامة قويةً عظيمةً في نفوس شعوبكم المؤمنة رغم طغيان مظاهر الفساد، والضعيف لا يظل ضعيفًا طول حياته، والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين.. ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5)﴾ (القصص).

إن الزمان سيتمخض عن كثيرٍ من الحوادث الجسام، وإن الفرصَ ستسنح للأعمال العظيمة، وإن العالم ينظر دعوتكم دعوة الهداية والفوز والسلام لتخلصه مما هو فيه من آلام، وإن الدور عليكم في قيادة الأمم وسيادة الشعوب، وتلك الأيام نداولها بين الناس، وأنتم ترجون من الله ما لا يرجون، فاستعدوا واعملوا اليوم، فقد تعجزون عن العمل غدًا".