بقلم: صادق أمين

رغم أنني صاحب جسيم نحيف، وقادر على العطاء- إذا أراد العطاء- إلا أنني ضعيف الإرادة والتحدي، متثاقل الخطى إذا نسيت أو تناسيت ثمن البيعة وجزاءَها؛ ولذا فإن إيقاظ الإرادة القوية قد وجدتها في دوام تذكر طرفي البيعة وثمنها؛ إيمانًا واعتقادًا بسمو الثمن وعلوه.. وقد جعلت شعاري في ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ﴾ (التوبة: 111).

ووجدتها وراء تساؤل حيرني وأذلني: "لماذا تحت ضغط سلطة ما أجدُّ في العمل والبذل، حتى مع عدم إيمان أو قناعة"..؟ فأراني خجلاً من ذاتٍ هي بهذه الطبيعة.. وظللت هكذا إلى أن أعانني الله، وجعلت خضوعي كاملاً لله وحده؛ إيمانًا واقتناعًا، وأحسست أنني كنت مع أهل بيعة العقبة حاضرًا يوم أن سألوه- صلى الله عليه وسلم- "ومالنا؟!" فقال عليه الصلاة والسلام: "الجنة" فقالوا- وقلت-: "لا نقيل ولا نستقيل".

شجاعة المؤمن

وأنا كثير الجزع.. أفتقد الصبر.. وتعوزني شجاعة المؤمن بفكره.. فلما نظرت في سماء دنياي شاهدت أرواحَ من تحمَّلوا قبلي معارك السنين تسبح في جنة الخلد؛ لأنهم صبروا؛ حتى نالوا راحةً في خلود، وكانوا شجعانًا في إيمانهم بفكرتهم ومعتقداتهم.. فما جزعوا وما ضجروا.

وفي ظني أنني لست ضعيفًا بل قويًّا مثلهم، ولكن لا بد لي من عقيدة إيمانية قوية بأن ما قدره الله كان وما لم يقدره لم يكن، وأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وأنه لم يكن ليصيبك ما أخطأك، ولم يكن ليخطئك ما أصابك، ولا بد من تحمل الأذى ولا بد من صبر على طاعة، وهجر لراحة ومعصية، ولا بد من تحمل للأذى.. ولا بد من تحصيل معية بما ورد في قرآنه، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ..﴾ (الطلاق: من الآيتين2،3)، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾ (الطلاق: من الآية 3)، وقوله: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف: من الآية 90)، وقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ (الزمر: من الآية 36)، وقوله عليه الصلاة والسلام: "ثلاث حقٌّ على الله أن يعينهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف".

ولقد أصابتني- في لحظة ضعف- رعشةُ خوف، وطمع كسب، ورغبة قعود قصير عن عطاء الخير والإيمان، فإذا بعلة رعشة الخوف تتحقق، وما منعتها رعشة خوف، وإذا بالكسب المكتوب يُحصَّل وما نقص بخوف أو طمع أو وسوسة قعود.. فكانت تربية ربي رحمةً وودًّا، وسبحانه ييسر لعباده ما فيه خيرهم ونجاتهم، والحمد لله رب العالمين.

مكابدة الناس في الله

وأنا فرد يميل إلى الخلوة والعزلة والهدوء التام، لكنه فُرض علي التزاوج مع الحياة والمجتمع، ولم أجد في ذلك غضاضةً.. لكني أجتهد في إعطاء كل ذي حق حقه وأرى ذلك في وقت السحر ونسمة الفجر وهدوء ميلاد إشراقة فجر جديد.. أستطيع فيها إشباع رغبة الخلوة والعزلة والهدوء والتأمل، وصدق الله إذ يقول: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً (6)﴾ (المزمل)،  وقوله: ﴿إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً (7)﴾ (المزمل).

الاشتياق إلى الله أولى

ولقد ابتليتُ بنفس تواقة للعلو، تسخط موقعها، وترنو إلى ما هو فوقه، فأعتقد أن أسمى علوٍّ وأولى اشتياق هو رؤية وجه الله تعالى ومرضاته، وأن ما دونه أهون من التفكير فيه واللهث وراءه، وأنه للخروج من هذا البلاء لا بد من إذلال الوجه لله تعالى ومن خضوع القلب له.

وإن من أظن فيه قلة إيمان، وضعف عزيمة، وبطء حركة وقلة، وأنني أولى منه بموقع ما أو مكانة معينة.. قد يكون- وهو كذلك- أفضل مني وأقرب إلى الله مني إليه، ومعيار ذلك أنه قد يكون مما سطرته سلفًا إما مبرءًا منه، أو سليم القلب، أو أنه ميسر لما خلق له.

أهل الخير أطباؤنا

وكنت كثير القلق من الغد، وكان مبعث ذلك سوء تربية في الصغر، وقسوة ظروف لاحقتني في الكبر.. إلى أن مسح الله كثيرًا من شوائب الصغر، وكشف كذلك كثيرًا من قسوة الكبر يوم أن امتزجت فكرة الخير بنفسي، وأحبَّت نفسي فكرة الخير وأهلها.