شعر: د. جابر قميحة

تولَّى المرشدية بعد الأستاذ مشهور، وتوفِّي فجر الخميس 15 من ذي القعدة 1424هـ = الموافق 8 من يناير 2004

وللأسف، أغفلته وسائل الإعلام، ومنع رجالُ الأمن عشراتِ الآلاف من دخول القاهرة للعزاء؛ وذلك بإغلاق مداخلها، ومع ذلك حضر الجنازة قرابة 300 ألف مواطن، وهذه الكلمات أقدِّمها بمناسبة ذكرى وفاته.. يرحمه الله.

هو الموتُ أعجزَ طبَّ الطبيبِ  وفاق بيانَ الأديبِ الأريبِ

فلَلموتُ أوْفَى بيانٍ مبينٍ   بقدْرةِ علامِ أخْفى الغيوبِ

قضاءٌ إذا حُمَّ فضَّ الحياةَ  بسهمٍ قويٍّ عَدولٍ ضَروبِ

فلا المالُ يحمي الثريَّ الأثيمَ  ولا حَسَبٌ منقذٌ للحسيبِ

ولا الجاهُ يجديه يومَ الحسابِ  ويدفعُ عنه ثِقالَ الذنوبِ

هو العدل لا ينثني أو يميلُ  بميزان حقٍّ صدوقٍ مُصيبِ

    ***

ولكنْ فُزِعْنا بنزفِ القلوبِ  لفُرْقةِ قلبٍ كبيرٍ حبيبِ

وكان كطودٍ رفيعٍ مهيبٍ   ففي جنةٍ رَحْبةٍ يا "هُضيبي"

أفي كلِ عام لنا مِحنةٌ   فنُفجعُ في مرشدٍ بالمغيبِ؟!

مضى "مصطفى" فرفعتَ اللواءَ  بعزمٍ قديرٍ، وعقلٍ خصيبِ

وقُدتَ المسيرةَ لا الصفُّ هانَ  ولا أضعفَتكَ دواعي المشيبِ

فعشتَ المشيبَ بروح الشباب  دءوبًا قويَّ السنا والشبُوب

بعزمٍ وفيٍّ، وقلبٍ فتيٍّ   وفكرٍ مُضيءٍ ثريٍّ نجيبِ

وكنتَ الصَّمودَ الذي لا يهونُ  بليلٍ ظلومٍ، ويومٍ عصيبِ

وناديتَ: "عيشوا شموخَ الجبالِ"  فما كان منا سوى المستجيبِ

وقلتَ: "هو النصرُ لا يُستحقُّ  بغيرِ الثباتِ وتقوى القلوبِ

هو الخيرُ باقٍ ليومِ المعادِ  فعيشوا الحياةَ لخير الشعوبِ"

رحلتَ بدونِ وداعٍٍ؛ لذَا   حنايا القلوب لظًى من نَحيبِ

فهذي حشودٌ تليها حشودٌ  وقد رُوِّعتْ من شبابٍ وشيبِ

لتنْعاك، لا بالدموع الغزارِ  ولكنْ بأكبادِها والقلوبِ

وقد كنتَ حشدًا قويَّ اليقينِ  بدينٍ متينٍ وضيءٍ مَهيبِ

بدينٍ على الحقِّ والحبِّ قام  ودولةِ عدلٍ وعلمٍ رحيبِ

بها الحكم شورى وحريةٌ  وأمْنٌ بعيشٍ كريمٍ خصيبِ

    ***

أعدْتَ أباك "الهضيبي" الكبيرَ  بعلمٍ وصدق وجهد صَليبِ

فقد كان طَودًا أشمَّ العلاء  وما اهتزَّ يومًا لعصف الهُبوبِ

ولا هاب يومًا نباحَ الكلاب  ولا أفزعتْه حِدادُ النيوبِ

وقال: "دعاةٌ ولسنا قضاةً"  ومرجعنا للإله الحسيبِ

فسرتَ على الدرب "مأمونها"  ودربُك يزري بكل الدروبِ

عليه منارةُ قرآنِنا   وسنةُ طه الرسولِ الحبيبِ

***

أمأمونُ.. لا تأْسَ إذ جمَّعوا  جيوشًا كأنا "بأمِّ الحروبِ"

أهابوكَ حيًّا وخافوك مَيْتًا  بفرض حصارٍ دميمٍ عجيبِ

وقالوا: "هو الحظْر باسم النظام"  فواخيْبَتَا للنظام المريبِ!!

نظامٌ يقوم على المخزياتِ  وليس به غير إفكٍ كَذوبِ

وشتان بين نظامٍ طغَى    بحظْرٍ وسجنٍ وأنياب ذِيبِ

ودعوةِ حقٍ وعدلٍ ونورٍ   من الله تزري بكل الخطوبِ

وإن الجسومَ إذا حوصرت  فمَن ذا سيحظر نبْضَ القلوب؟!

***

"أمأمون".. عفوًا، فقد أغفلوك  لحقدٍ مريرٍ أثيمٍ غريبِ

فإعلامهم لم يُشِرْ من بعيدٍ  ليومِ رحيلك أو من قريبِ

مخافةَ أن يُغضبوا الحاكمين  فيُحرَمَ ناشرُهم من "نصيبِ"

وصُحْفُهمُو تنشر الموبقات  وأنباءَ راقصةٍ أو لَعوبِ

ويُغْنيك عنهم صحافُ الخلودِ  وذكرُك فيها بنورٍ وطِيبِ

وحظك في صفحات القلوبِ  كمثل الربيع الشذيِِّ القشيبِ

لقد راع فقدُك كلَّ الشعوبِ  ففي جنةٍ رَحْبةٍ يا "هضيبي"

-------------------

من معاني الكلمات:

حُمَّ: نزل.

الشبوب: التوهج.

الطود: الجبل.

حِداد النيوب:الأنياب الحادة.

"دعاة لا قضاة": كتاب للمرشد حسن الهضيبي.

لا تاسَ: لا تحزن.

الشذيَّ: طيبة الرائحة.

القشيب: اليانع المتجدد.