بقلم: صادق أمين

قاعدةٌ نبويةٌ كريمةٌ، وخلُقٌ دعويٌّ جليل، وتصرفٌ إنساني جميل، وميراثٌ سلفي عزيز، يدعونا إلى أن نقف قليلاً، قبل أن ننفعل ونحتدَّ، ويشتط بأحدنا الغضب، حين يترامى إلى مسامعه ما يسيئه، أو يظنه إساءةً في حد ذاته.

وكم موقف لإخوة كرام، نُسيء تقديرَه وتفسيره، ونقدم فيه سوءَ الظن، ونبني عليه استنتاجات كبيرة، ونتخذ على أساسه أحكامًا ظالمةً، ونتجاوز فيه حدودَ الأخوَّة والقرابة والجوار.. وتشرق بنا الظنون وتغرب، فتظلم في وجوهنا الدنيا، وتسودُّ في عيوننا كل جوانبها، وتضيق على رحابتها أمامنا الدنيا كلها، وما إن نظفر بمن يصغي لنا، حتى نبدأ ببث الهم والشكوى، والتفسيرات الظالمة، والتهديدات الصارمة، والتحليلات الفاسدة، والأحكام الغاشمة، التي ننال فيها من هذا الأخ، أو ذاك القريب، أو ذاك الجار.. فظلمنا بهذا كله نفوسنا، قبل إخواننا وجيراننا.. حين نتجاوز هذه القاعدة، وننساها في لحظة غضب، لا أساس لها، ولا مسوِّغ.

فتأتي الصحوة من هذه الغفلة، بعد أن نكون قد أتينا على أخضر العلاقة ويابسها، وعلى حلو الأخوَّة ومرارتها، فتبدو الأخوَّة ذاك الرباط الرباني العظيم، الذي امتنَّ فيه الله- سبحانه- على عباده، حين قال: ﴿فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (آل عمران: 103).. تبدو في حياتنا واهيةً ضعيفةً، لا وزنَ لها ولا قيمة، ولا تقوى على الصمود أمام وشاية كاذبة، أو معلومة ظنية، أو موقف بريء.

مسكينة علاقاتنا، حزينة أخوَّتنا..

مؤلمةٌ أحوالنا.. فقيرةٌ نفوسنا.. صحراء قاحلة أخلاقنا..

يوم لا نجد للصلح مكانًا.. يوم يستبد بنا الغضب..

يوم تفرق الآراء جمعَنا.. وتشتت الأهواء صفوفَنا.. وتعكِّر الهموم صفوَنا..

يوم ننسى سنوات الودِّ والصفاء.. وشهور التواصل واللقاء.. ولا أقول لحظات ذلك..

يوم تُذهب السيئات الحسنات، وتتقدم عليها..

يوم تنتصر الأهواء والشهوات على العقل والإيمان.. فتنهزم المحبة، وتحل العداوة لأتفه الأسباب..

يوم نشرق مع نفوسنا ونغرب.. نزكي نفوسنا وأخلاقنا، ونتهم إخواننا وأصدقاءنا، فنشنِّع عليهم، ولا نرى فيهم إلا ما تسوِّله لنا نفوسنا، من سوء ظن، وقبح فعل..

وحين تتكشَّف لنا الحقائق على وجهها، وندرك أننا كنا في معركة خاطئة، استسلمنا فيها لكثير من الهواجس والانفعالات، أوقعتنا في شرك كثير من القرارات والتهديدات.. وكثير من التصريحات والتحليلات.. كم نبدو عندئذ صغارًا جدًا جدًا، نبدو في صورة تنعدم فيها أوزانُنا، وتقل فيها عقولنا.. وتسكت فيها ألسنتنا، بل تخرس.. فلا نجد ما تعتذر فيه عن طيشها، وسوء فعلتها..!!

فهلا أنقذت من هذه الورطة نفسك؟!

باعتماد قاعدة الأولين.. في التماس الأعذار، وتقديمها على الاتهام، وسوء التقدير والأحكام!!