معاهدة.. محاسبة.. مراقبة.. مصاحبة.. مجاهدة\

بقلم: صادق أمين

خمس وصايا: طبِّقها وأبشر بخيرٍ يجري على يديك، وصايا خمس لمن أراد أن يصبح من جند الله، ومَن أراد أن يلبس تاج الغربة بحق وصدق..

ومن أراد منكم أن تنقضي عليه الأيام والليالي وهو محسوب في جبهة الحق في صف الرحمن.. ومَن أراد أن يأخذ دورًا مهمًا كان صغيرًا أو كبيرًا في تحقيق نصر الله الآتي
فعليك أن تتمثلها، وتجسِّدها، وأن تصبح جزءًا منك،لا تنفك عنك أبدًا.. إنها كالتالي:

أولها... المعاهدة:

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة: 111)، هذا عهد بيننا وبين الله.. من الذي سيوقع؟، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغز أو يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية- وفي رواية- مات على شعبة من شعب النفاق"، المعاهدة بينك وبين الله: أن لا تعبد إلا إياه.. وأن لا تستعين إلا به ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (الفاتحة: 5).

المعاهدة.. أن تكون من أولئك الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً.. رغم الإغراء.. رغم التهديد.. رغم الوعيد.. رغم الخذلان.. رغم المخالفة.. رغم تخلي الناس جميعًا.. وما بدلوا تبديلاً.

المعاهدة بينك وبين الله على مدار الساعة.. على مدار اللحظة.. على كل حال من أحوالك.. عسرًا ويسرًا.. منشطًا ومكرهًا.. شدة وفرجًا.. رخاءً وضراءً.. يجب عليك أن تكون على حال المعاهدة بينك وبين الله سبحانه وتعالى..

ثانيها... المحاسبة:

حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن لكم..

حاسبوا أنفسكم على نواياكم.. على خطراتكم..

حاسبوا أنفسكم على كل جهد بذلتموه وكل عمر أنفقتموه..

ماذا أردتم؟؟ وجه الله أم كان مع الله ما كان..

هل كان خالصًا لدين الله أم كان فيه دخن الأهواء وحظوظ النفس والمصالح الذاتية..

حاسبوا أنفسكم في ما مضى وفيما تفعلون وفيما سيأتي..

حاسبوا قلوبكم.. حاسبوا نفوسكم..

انظروا في ذنوبكم في أخطائكم في عيوبكم راجعوا ذاتكم وانقضوها كونوا بينكم وبين الله خير مدقق في سجلات النفس والذات، وتجردوا لله وأحسنوا خلاصكم وإخلاصكم قبل فوات الأوان.

ثالثها... المراقبة:

لا تبال بنظر المخلوقين سواء نظروا إليك نظرة إعجاب وثناء أم نظروا إليك نظرة شذر ونظرة حقد وكره..

راقب الله وليكن شعارك أن "تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"..

إياك أن يراك حيث نهاك.. وإياك أن يفقدك حيث أمرك..

اجعل رقابة الله لك ورقابتك لنفسك وعين الله تنظر إليك هي الأصل ولا تبالي بالمخلوقين وناجه وناده..

فليتك تحلو والحـياة مريرة     وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر    وبيني وبين العـالمين خـراب

إذا صحَّ منك الود فالكل هينٌ      وكل الذي فوق التراب تراب

المراقبة.. لا تتأثر بالمخلوقين لا مدحًا ولا ذمًا.. لا بنظرات إعجابهم ولا بنظرات حقدهم وحسدهم إنما استقم.. ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ (الجـن: 16)
 قل الله ولا تبالي ثم استقم.. ثم استقم.. راقب الله واعلم أن الله يراقبك على مدار الدقيقة يا أخي..

رابعها... المصاحبة:

صاحِب النبي المختار صلى الله عليه وسلم.. صاحبه في سيرته..

لن تجد مرشدًا ومعلمًا كسيرة النبي صلى الله عليه وسلم

اقرأها في ليلك ونهارك.. حفِّظها أهلك.. اجعلها هي مطالعتك على كل أحوالك..

صاحِب النبي- صلى الله عليه وسلم- في أخلاقه.. في مأكله.. في دعوته.. في جهاده.. في صبره.. في تحمله.. في رباطه.. في قوته.. في صدعه بالحق.

صاحب النبي- صلى الله عليه وسلم- ومن ثم صاحب الأخيار الأبرار ولا تكن إمعة..إياك أن تكن إمعة..

وإياك إياك أن يجرفك التيار العام بعيدًا عن تيار الحق وأهله وإن قلوا وإن نُكِّل بهم تنكيلاً..

وهذه المصاحبة تكون لأمرين:

أولاً: لأن الله أمر بها قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة: 119).

والأمر الثاني: لأنها الطريق الوحيد في زمن الشهوات والشبهات وفي زمن تلاطم الفتن، الطريق الوحيد لكي تثبت ولكي تستعين على أمر الله، فالمرء على دين خليله فلينظر أحدكم إلى مَن يخالل.

وخامسها... المجاهدة:

جاهد نفسك جاهد هواك..

جاهد شيطانك..

جاهد حالة غضبك..

جاهد خمولك وكسلك وترددك وجبنك وهلعك وجزعك..

جاهد نفسك خلصها من كل هذا..

وهذا يأتي بالدربة ويأتي بالمران؛ حتى إن الوحش يُؤتى من البراري وما هي إلا أيام حتى يتروض ويمشي على الحبال ويقفز في دوائر النار غير هياب، بينما أكثر ما يخيف الوحوش هي شعلة النار، ومع ذلك بالتدريب والمران تقفز في النار.. فنفسك أولى من هذه الوحوش أن تتروض وأن تتدرب وأن تتمرن وأن تنصاع حينما تلزمها وتكون خير موجه لك فتنقاد لك ولا تنقاد لها..

ثم جاهد أعداءك:

جاهدهم بالكلمة.. جاهدهم بالفكرة.. جاهدهم بالقلم.. جاهدهم باللسان.. جاهدهم بالمال.. جاهدهم بأن تبقى متوحد مع الناس.. جاهدهم بعفوك.. بحلمك.. بكظم غيظك عن المؤمنين مهما أساءوا..

إنما وجِّه طاقاتك كلها إلى من احتلوا أرضك وأوصلوا أمتك إلى هذه الأخلاق مما أدى إلى تناحرها وتباعدها..

لا تحملوا على مسلمًا.. لا تبغضوا موحدًا..

 صل من قطعك.. أعط من حرمك.. اعف عمَّن ظلمك..

 أحسن إلى من أساء إليك.. ادفع بالتي هي أحسن.. اكظم غيظك..

 وكن دائمًا الخيط الذي يجمع ولا تكن المقص الذي يفرق..

كن النحلة التي لا تسقط إلا على الأزهار ولا تجني إلا طيب ولذيذ العسل وإن نزلت على غصن ما كسرته وعلى وردة ما فتَّتتها إنما طيبة تجني طيبًا وتعطي طيبًا ولا تحدث أثرًا ولا كسرًا.. ولا تكن كالذباب لا يحط إلا على مواضع الأذى ولا يحمل إلا القذارة ولا يعطي إلى المكروبات والأوبئة..

لذلك عليك أن تدقق في نفسك وأن تجاهدها ابتداء..

ثم تجاهد أعداءك بطاقات غضبك وطاقات قوتك وأن لا تخلط بين الأمرين في صرف هذه الطاقات في غير محلها.

هذه أمور خمس إذا استطعت أن تطبقها...

معاهدة ومحاسبة ومراقبة ومصاحبة ومجاهدة..

إذا استطعت أن تطبقها أبشر بوسامٍ يأتيك وأبشر باصطفاء يجتبيك.. وأبشر بخير يجري على يديك.. وإن عجزت فلا تحلم كثيرًا، ولا تتمن كثيرًا؛ لأنك جزء من خذلان الأمة وفشلها.