مقدمة

شبه جزيرة سيناء هي شبه جزيرة صحراوية وتقع في مصر بين البحر المتوسط وخليج السويس وقناة السويس والبحر الأحمر وخليج العقبة. تربط إفريقيا بآسيا عبر الحد المشترك مع فلسطين شرقا، ومساحتها 60,088 كم2 .

قاعدتها العريش؛ حيث تنقسم إلى العريش في الشمال والتيه في الوسط والطور في الجنوب؛ حيث الجبال العالية، أهمها جبل موسى 2,285 متر وجبل القديسة كاترينا 2,638 متر (أعلى جبال في مصر) وفي هذا الجبال يوجد دير سانت كاترين، وتضم محافظتي شمال وجنوب سيناء.

اهتم الإخوان المسلمين بسيناء كما اهتموا بكل بقعة على أرض مصر، لكن كان لسيناء شأن آخر؛ حيث إنها بوابة مصر الشرقية، كما أنها مهبط الوحي على سيدنا موسى بطور سيناء.

محاولات التوطين

استطاع الإنجليز السيطرة على مصر عام 1882، كما عقد اليهود مؤتمرهم الأول بمدينة بازل بسويسرا عام 1897م وحددوا فيه ملامح الدولة التي يريدونها.

ولقد تعاون الإنجليز مع اليهود على تنفيذ مخططهم والسيطرة على فلسطين بعدما وقع الاختيار عليها في المؤتمر، ولذا بحثت سبل توطين اليهود المشردين في العالم في سيناء التي تقع تحت سيطرة الإنجليز حتى يتم استكمال الخطة بالسيطرة على فلسطين وتحقيق حلم من النيل إلى الفرات.

ففي 12 /7/ 1902م نجد رسالة هرتسل إلى تشمبرلين (1) لعمل مخطط لتسكين اليهود المشردين في شبه جزيرة سيناء، وفي فلسطين المصرية وفي قبرص، حيث جاء في الرسالة ما يلي:

رسالة هرتسل إلى تشمبرلين حول مشروع توطين اليهود في سيناء 12/ 7/ 1902م الرجاء أن تجد طيه ملخصًا عامًّا لمخطط تسكين اليهود المشردين في شبه جزيرة سيناء وفي فلسطين المصرية وفي قبرص الناحية السياسية باللغة الإنجليزية والناحية المالية بالألمانية.

ولمنع أي سوء تفاهم قد يحصل الآن أو في المستقبل دعني أذكر أنني أعددت هذا المخطط لك لأنك أبديت معارضة بخصوص فلسطين إنك أعظم قوة مؤثرة على شعبنا منذ تشرده وإني لأشعر أنه من واجبي أن أقدم لك نصائحي المتواضعة شرط أن تكون عندك النية لعمل أمر مهم لتعسائنا.

ويجب أن لا أكون فقط شديد التمسك بالمثل وأرفض المساعدة السريعة لأفقر فقرائنا مهما كان شكل هذه المساعدة بل يجب أن أكون أكثر من ذلك يجب أن أعطي نصحي حسب ما أراه افضل.

عندي إلى جانب الناحية الإنسانية غاية سياسية أيضًا. إن توطين اليهود شرق البحر الأبيض المتوسط سيقوي إمكان الحصول على فلسطين. سيكون يهود الشركة الشرقية في المستعمرة الإنجليزية صهيونيين مخلصين تماما كيهود هيرش المستعمرين في الأرجنتين.

لا أدري إذا كنت سأستطيع أن أساعد في تحقيق المشروع أي إذا كنت سأجعل منظمتنا الصهيونية تعمل له لأن هذا يعتمد على قرار حزبي. سأدعو أعضاء اللجنة من جميع البلدان إلى اجتماع سري وابحث معهم الموضوع.

وإلى جانب هذا فإن عندي مخططا ثانيا لك يمكن تحقيقه في الوقت نفسه ولكن على حده.وهذا المخطط سري تماما يتعلق بالعراق. لقد أخبرتك أن السلطان عرض عليّ الاستيطان في العراق (وذلك في فبراير/ شباط من هذه السنة لما ذهبت إلى القسطنطينية بناء على دعوته).

وقد رفضت العرض لأنه لم يشمل فلسطين. أستطيع أن أعود إليه غدا ما دامت علاقاتنا ممتازة. وبدل هذا علينا أن نقدم له بعض المساعدات المالية.

يقوم بالمطالبة بهذا رجل أستطيع أن أسميه لك شفهيا. ولكن السلطان يفضل أن يعهد بهذا المشروع لي لأنه يعرف أني شخصيًا لست وراء المنفعة المالية وهو بالطبع يريد شروطا أفضل ولكن حتى ولو أعطى شروطا أفضل يمكن وضع ما يقرب من مائتي مليون جنيه على الحساب. هذا الربح يذهب للشركة اليهودية لأنها تستطيع بذلك أن تبدأ حياتها بربح من مليوني جنيه وفي رأيي أن هذا يسهل تحقيق المخطط.

لا أدري إذا كانت عندك معلومات كافية عني ولكني أود أن أؤكد هنا أنه ليست لي في هذا المخطط أية غاية مادية لست أعمل لعمالة مالية إنما كل ما أريده هو أن يكون للصندوق القومي اليهودي حساب محترم فيما إذا سار هذا المشروع المالي أنا لا أضع هذا شرطاً لا بد منه.

إني أفضل المخطط الأول لأن ضمانات مشروع العراق السياسية للمستقبل قليلة. أما إذا لم نتمكن من إقامة المستعمرة اليهودية في المملكات البريطانية بسبب رفض الحكومة الإنجليزية أو إذا لم يرغب في هذا المخطط رجال المال فعندها فقط أقدم لك المشروع الثاني. (2)

لقد صدر قرار الأمم المتحدة عام 1947م بتقسيم فلسطين إلى نصفين بين الفلسطينيين واليهود وهو القرار الذي رفضته الدول الإسلامية كلها، وخاضت من اجله حرب ضد الصهاينة لكنها كانت حرب غير متكافئة حيث كانت كل القوى الغربية تعمل بكل قوتها على توطين اليهود في فلسطين، واستيقظ المسلمين على فاجعة سقوط فلسطين في قبضة الصهاينة الذين قاموا بعمليات قتل وإرهاب تجاه الفلسطينيين وتهجيرهم من بلدانهم لتوطينهم في بلدان مجاوره.

يعد مشروع "ماك غي" (1949) أقدم مشاريع التوطين، بعد الحرب وقد توالت المشاريع بعد ذلك، ويمكن إجمال المواقف والأفكار التي حملتها فيما يلي:

اعتماد المقاربة الاقتصادية للتوطين والدمج في بلدان اللجوء. فلجنة "كلاب" أوصت بإيجاد برنامج للأشغال العامة. و"جون بلاندفورد" (1951) أوصى بتخصيص 250 مليون دولار لدمج اللاجئين. ومبعوث الرئيس الأميركي أيزنهاور إلى الشرق الأوسط (1953-1955) اقترح توطين اللاجئين في الضفة الشرقية للأردن تحت مسمى الإنماء الموحد.

ممارسة الضغط أو الابتزاز أو الإغراء على الدول العربية لإجبارها على القبول بتوطين اللاجئين على أراضيها.

لم تستثن بعض المشاريع إمكانية إعادة بضعة آلاف من اللاجئين إلى إسرائيل، شرط أن توافق إسرائيل، ويوافق العائدون على العيش في كنف الحكومات الإسرائيلية (جون فوستر دالاس 1955، كينيدي 1957)

بعض المشاريع قامت على أساس مقايضة أو مساواة حق العودة بالتعويض، علاوة على مدخل التنمية الاقتصادية في حل المشكلة (دراسة هيوبرت همفري 1957، مشروع داغ همرشولد 1959، جوزيف جونسون 1962)

اشتملت المشاريع اللاحقة للتوطين على تقديم تصورات تفصيلية وعملية تتعلق بالأعداد وأماكن التوطين وغير ذلك. المحامية الأمريكية "دونا آرزت" (1977) قدمت اقتراحاً بتوطين نحو 75 ألف فلسطيني. وتضمن مشروع "فانس" (1969) إنشاء صندوق دولي لتوطين (700) ألف في الأردن و (500) ألف في سوريا وتفريغ لبنان من اللاجئين.

كما تدفع تعويضات لأصحاب الأملاك وفق الجداول التي وضعتها لجنة التقديرات عام 1950. كما تضمنت رؤية بيل كلينتون (2000) اقتراح توطين بعض اللاجئين في دولة فلسطينية جديدة وفي الأراضي التي ستنقل من إسرائيل.

تميزت المشاريع المقدمة من وكالة غوث اللاجئين بالطابع العملي كما تجلى الأمر على سبيل المثال في مشروع سيناء، أو تحسين حياة اللاجئين من خلال إعطائهم قطع أرض وقروض لتوطينهم كما جاء ضمن خطة لعام 1959 التي كان هدفها توطين 60% من اللاجئين في الأردن وسوريا ولبنان.

تأثرت المشاريع المقترحة بالسياقات التاريخية، فقد أظهرت بعض المقترحات الأمريكية أن أحد محددات الموقف الأمريكي تجاه اللاجئين يكمن في مواجهة الخطر السوفييتي في المنطقة، فمشروع أيزنهاور (1957-1958) ربط بين التنمية الاقتصادية ومحاربة الشيوعية.

كما أن دعوات التوطين في العراق تصاعدت إبان حصاره ومن ثم احتلاله عام 2003. كما اتسمت معظم المعالجات المقترحة قبل صعود الحركة الوطنية الفلسطينية بالطابع الإنساني.

مثلت المشاريع الدولية المقترحة في أغلبها انحيازًا واضحًا لإسرائيل، علاوة على أن المجتمع الدولي لم يتخذ أية تدابير عملية للضغط على إسرائيل أو إجبارها لتطبيق قرارات الشرعية الدولية.

ومع الحرج الذي تسبب به هذا الانحياز، لم تتردد بعض الجهات الدولية في محاولة إبراز هيئات تتحدث باسم اللاجئين بما يفكك قضيتهم ويضعفها أمام الرأي العام العالمي، ومن ذلك أيضاً محاولات وكالة الغوث تحويل قضية اللاجئين من قضية دولية إلى قضية تتحمل مسؤولياتها الحكومات المحلية، بما في ذلك السلطة الفلسطينية.

أنكرت إسرائيل مسئوليتها عن التسبب في نشأة مشكلة اللاجئين منذ البداية. وحملت مسئولية المشكلة، وبالتالي حلها على الجانب العربي. يمكن استخلاص بعض الأفكار من جملة المشاريع المقترحة:

أجمعت المشاريع الإسرائيلية المقترحة على منع عودة اللاجئين، وعلى توطينهم في البلدان المضيفة لهم أو في بلدان أخرى ودائمًا بتمويل دولي أو عربي. هذا ما خلصت إليه لجنة بن غوريون عام 1948، وكذلك مشروع ييغال ألون بعد عام 1967 الذي دعا إلى توطين اللاجئين في سيناء. كما اقترح أبا إيبان (1968) التوطين في أماكن اللجوء بمساعدة دولية وإقليمية.

بعض المشاريع غير الرسمية تضمنت بصورة أو بأخرى بعض "التنازلات" ويمكن تفسير الأمر برغبة إسرائيل بالحد من الضغط الدولي أو تجنب الحرج أو الخديعة في أحيان أخرى لاصطياد تنازلات بالمقابل من الطرف الفلسطيني أو الأطراف العربية. فقد تضمن مشروع ليفي أشكول (1965) اقتراحًا باستعداد إسرائيل للمساهمة المالية، واشتملت دراسة أعدها شلومو غازيت (1994) على اقتراح بعودة بعض لاجئي سنة 48 ونازحي 1967 إلى مناطق الحكم الذاتي.

فعت أطراف إسرائيلية مختلفة بالعديد من الأفكار والمقترحات، والممارسات التي تنطوي على عنصرية شديدة، وتعكس درجة الخوف من بقاء مشكلة اللاجئين بلا حل، أو حلها بعودتهم إلى ديارهم التي شردوا منها. مارست إسرائيل ابتزاز الدول العربية بطرحها مشكلة يهود الدول العربية، والدعوة إلى الوطن البديل في الأردن، وهي فكرة طرحها بن غوريون وتضمنها مشروع ألون (1968) وتمسك بها شارون بهدف السيطرة على الضفة الغربية، وشنّت حرب 82 كمحاولة لتحقيق هذه الفكرة. ومن ذلك أيضًا السعي المحموم لإزالة المخيمات واستهدافها في كل الحروب.

من التكتيكات التي اتبعتها إسرائيل في مواجهة مشكلة اللاجئين: الضم الزاحف (دايان)، تشجيع الجذب الاقتصادي والرحيل الإرادي (العملية الليبية 1953-1958)، المساومات مع الأطراف الإقليمية والدولية (التوطين في العراق)، التأهيل والتذويب، المذابح (1982)، استدراج الطرف الفلسطيني لتقديم تنازلات بوهم تشجيع مبادرات السلام (جنيف 2002). (3)

سيناء مكان للتوطين

قبلت الحكومة المصرية عام 1953 اقتراح توطين بعض لاجئي قطاع غزة في سيناء تحت ضغوط دولية تعرضت لها مصر آنذاك لتلافي وقوع حرب مع إسرائيل ليست مستعدة لها من ناحية، ولتجنب العمليات الانتقامية التي كانت تقوم بها إسرائيل ضد قطاع غزة، من ناحية ثانية.

تضمن المشروع المقدم من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين توطين حوالي 12 ألف أسرة على أراض يجري تحويلها إلى أراض زراعية في شمال غرب سيناء، دون أن يتعارض هذا الأمر بالضرورة مع حق العودة، كما يشتمل المشروع على إمكانيات التوسع في المستقبل.

يمكن القول إن مشروع توطين اللاجئين في سيناء يعد من بين أخطر وأبرز المشاريع، لأكثر من سبب:

        جرى المشروع بموافقة الحكومة المصرية وبتعاونها تعاونًا تامًّا مع وكالة الغوث.
        قدم المشروع في زمن حرج، حيث لم تكن الثورة قد ثبتت أقدامها بعد، بما يعني عدم قدرتها على مواجهة إسرائيل عسكريًّا.
        المشروع الوحيد الذي يمكن وصفه بالمشروع المتكامل والمنظم وبدخوله حيز التنفيذ العملي.
        بدا أن سلوك وكالة الغوث بوصفها آلية دولية ليست في منأى عن تأثير القوى النافذة في النظام العالمي؛ حيث يمكن استغلالها في غير الهدف الذي أنشئت من أجله.
        كشفت تداعيات المشروع وردود الفعل عليه وموقف الحكومة المصرية الذي استجاب لهبة مارس عن مدى غضب إسرائيل وحنقها من فشل المشروع، ما دفعها، من بين أسباب أخرى، للمشاركة في العدوان الثلاثي 1956.
        أظهرت انتفاضة مارس 1955 مدى تمسك الفلسطينيين بحقهم وعدم التفريط به واستعدادهم للموت في سبيله، كما أظهرت أهمية وحدتهم في مواجهة التحديات والمخاطر والمؤامرات الخارجية.
        المشروع وردود الأفعال عليه نبه القيادة المصرية الشابة إلى الخطر الذي تمثله إسرائيل ومدى التواطؤ الدولي معها، فاختار عدم الانحياز والاستفادة من الفرص التي تخلقها الحرب الباردة. (4)

ويقول حسين أبو النمل:

    وبعد قيام الثورة في مصر واستقرار الحكم نسبيا استؤنفت "المحاولات التي كانت قد بدأت قبل ذلك لتوطينهم"، وقد استفادت المحاولات اللاحقة من التجارب السابقة الفاشلة بعد أن تأكد المعنيون أن قضية التوطين ليست بالأمر السهل الذي يمكن تنفيذه ببساطة.

    ومن هنا اتسمت المشاريع المطروحة بطابع أكثر تنظيما وعمقا ، ومن هنا اتسمت المشاريع المطروحة فى مرحلة 1952-1955 بطابع أكثر تنظيمًا وعمقًا، وكان من أهم هذه المشاريع مشروع توطين اللاجئين في شمال غرب سيناء الذي ووجه بردود فعل تفيض بالسخط والقلق من جانب الفلسطينيين في قطاع غزة.

وقد حاولت الإدارة المصرية تنفيس ذلك السخط ، فأصدرت لهذه الغاية بيانين ،أولهما في الثامن والعشرين من أيار (مايو) سنة 1953 وثانيهما في التاسع عشر من أيلول (سبتمبر) 1953 .

وقد خاطب نائب الحاكم العام أهالي قطاع غزة قائلا:

    "كانت بعض الصحف المحلية قد نشرت خلال شهر مايو سنة 1953 أن هناك محاولات لإسكان اللاجئين خارج فلسطين، مستندة في ذلك إلى ما نشر في بعض الصحف الخارجية حول مشروع تقدمت به هيئة الإغاثة الدولية التابعة لهية الأمم المتحدة لتشغيل وإسكان اللاجئين في شبه جزيرة سيناء، وغزة؛ ما دعانا إلى أن نصدر بياننا المؤرخ في 28/5/1953 نعلن فيه أنه قد أرجئ البحث في هذا الموضوع.

    ولما كان هذا المشروع قد أصبح شاغلا للأهالي ومدار حديثهم ، ولما تعلمه هذه الإدارة التي دأبت جاهدة على العمل لما فيه الخير والرفاهية للجميع، وتحقيقا لرغباتهم ليسرها أن تعلن لأهالي ومهاجري المنطقة جميعا ، بأنه قد تمت مقابلة بين السيد قائد عام القوات المسلحة والسيد الحاكم الإداري العام للمنطقة الخاضعة لرقابة القوات المصرية بفلسطين بخصوص هذا الموضوع، وقد انتهت بالموافقة على أن إسكان اللاجئين هو محل إعادة نظر السلطات المختصة في الوقتت الحاضر، ولن تتخذ فيه أية إجراءات أو خطوات إلا بما يحقق أماني الفلسطينين ومصالهم. ولذلك نلفت النظر إلى أن الحديث حول هذا المشروع قد أصبح غير ذي موضوع.

كان نائب الحاكم الإداري لا يقول الحق لأن الحكومة المصرية كانت قد اقترحت اعتبار نهر النيل كمصدر لمياه الري للأراضي الواقعة مباشرة شرق قناة السويس. ونتيجة لهذا الاقتراح أتمت الوكاالة في 30 يونيو عام 1953 اتفاقية برنامج مع الحكومة المصرية أتاحت الاحتفاظ بمبلغ 30 مليون دولار لأغراض أبحاث المشروع في شبه جزيرة سيناء وغزة والباقي ليستعمل في الإنشاء والاستيطان، إذا ما أثبتت الدراسات الأولية أن هناك مشروعات عملية يمكن القيام بها.

أي أن تخوف اللاجئين والأهالي في القطاع كان له ما يبرره. وبجانب ذلك فقد اتفقت الحكومة المصرية ووكالة الغوث على إسناد المسئولية المشتركة عن إدارة الأبحاث والدراسات الخاصة بالمشروع ، المحدد في الاتفاقية، إلى المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومي، ممثلا للجانب المصري، وإلى مكتب وكالة الغوث في القاهرة ممثلا للوكالة . وقد تم هذا الاتفاق خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) 1953، أي بعد ما يقرب من شهر من صدور بيان الحاكم الإداري الأخير المشار إليه آنفا.

"ويمكن لنا اعتبار هذا المشروع، الذي أعد خصيصا لتوطين لاجئي قطاع غزة من أكثر المشاريع خطورة؛ لأنه يطرح تصورا شاملا لكيفية تنفيذ المشروع، كما أنه يعكس من الناحية الثانية الجدية الفائقة لوكالة الأمم المتحدة وللحكومة المصرية لتنفيذ ذلك المشروع.

وقد رمى المشروع إلى زراعة خمسين ألف فدان في الشمال الغربي لسيناء لتوطين اللاجئين فيها ليتولوا زراعتها، وليعيشوا حياة عادية معتمدين على أنفسهم وعلى إنتاجهم. كما اقترح قيام نوع من الحكم المحلي، مع أخذ التجمعات التي انتظم اللاجئون على أساسها بعين الاعتبار، بحيث يكون أبناء العشيرة الواحدة والقرية الواحدة في مستوطنة واحدة. (5)

ويؤكد الكلام السابق الكاتبة الفلسطينية بيسان عدوان بقولها:

    يقوم هذا المشروع على توطين اللاجئين الفلسطينيين المتمركزين في قطاع غزة في سيناء التابعة للأراضي المصرية، وأثناء الاتصالات بين وكالة الغوث والحكومة المصرية عام 1951 والجهات المعنية الأخرى عبرت مصر عن استعدادها لقبول 50 ألف لاجئ في شبه جزيرة سيناء وبدأ البحث عن الحياة في منطقة العريش.

    ويرى مشروع سيناء على أن لاجئي قطاع غزة مرشحون لتقبل التوطين أكثر من سواهم، كون الأوضاع التي كان يعيشها سكان القطاع اللاجئون منهم وغير اللاجئين هي أوضاع متردية للغاية اجتماعيًا وديمغرافيًا، بالإضافة إلى الاكتظاظ السكاني الهائل؛ حيث بلغت الكثافة السكانية أعلى نسبة لها إضافة إلى ذلك فقد عانى القطاع من تدني في الموارد.

    وفي 14 تشرين الأول عام 1953 توصلت وكالة الغوث مع الحكومة المصرية إلى اتفاق محدد تقدم مصر بموجبه 230 ألف مدان من الأراضي الصحراوية إلى وكالة الغوث لإجراء اختبارات زراعية فيها مع إعطاء وكالة الغوث الحق بانتقاء 50 ألف فدان من بينها من أجل أعمال التطوير الزراعي لمصلحة اللاجئين.

    شريطة أن تقوم مصر بإيصال كميات كافية تصل إلى حدود 1% من حجم مياه نهر النيل سنوياً لا رواء هذه الأراضي، وقد استغرقت أعمال هذا المشروع نحو ثلاثة أعوام من تاريخ توقيعه حتى 28 حزيران عام 1955، حين قدمت اللجنة الموكل إليها العمل تقريرها إلى وزير الدولة المصري لشئون الإنتاج وإلى مدير الأونروا.

وقد قدرت الفترة لتحقيقه كاملاً بخمسة وعشرين عامًا وقد جاء هذا في تقرير أعدته وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين عام 1955 عن المشروع وأن عدد الذين سيرحلون نحو 59500 نسمة يشكلون 12200 أسرة منها 10 آلاف أسرة زراعية و1750 أسرة خدمات و700 أسرة بالقطاع الثانوي وقد قررت الفترة الزمنية اللازمة لتوطين الأسرة بعشرة أعوام وقد أمنح المشروع مجال زيادة عدد السكان وما تقتضيه هذه الزيادة من خدمات، فمن المتوقع حسب المشروع أن تصل الزيادة في عدد السكان خلال 25 عاماً إلى 85000 ألف نسمة. (6)

ويقول عبد الله أبو عزة:

    رأيت بنفسي "ملف مشروع سيناء" عندما انتقلت للعمل في مكتب المدير العام لعمليات وكالة الأمم المتحدة للإغاثة والتشغيل سنة 1958 ، بيد أنني لم أتمكن من الاطلاع على جميع محتوياته ، لأنه لم يكن في عهدتى ، وإنما كان في عهدة سكرتيرة المدير .

    إن هذا يؤكد وجود قدر كبير من التفاهم المشترك بين السلطات المصرية ووكالة الغوث من أجل تصفية القضية الفلسطينية، أو على الأقل تصفية الجزء الذي اضطلعت الحكومة المصرية بمسئوليته منها، من خلال إدارتها لقطاع غزة، وقد تجاوز مرحلة التفاهم إلى مرحلة الاتفاق الرسمي، وتخصيص الأموال بتفاصيل واضحة لتفي باحتياجات المشروع ومكملاته لفترة طويلة. (7)

رؤية الإخوان لتعمير سيناء

كان اهتمام الإخوان بسيناء منذ نشأة الجماعة عام 1928م، فقد كتب الأستاذ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، يناشد الحكومة المصرية العناية بها وبأهلها وعدم إسقاطها من حساباتها حتى لا تنعدم الهوية لدى أهلها، فكتب يقول في جريدة الإخوان المسلمين اليومية عام 1946م تحت عنوان (سيناء والسودان):

    " أكتب هذا بمناسبة ما ورد في بيان صدقي باشا على لسان أحد الساسة المصريين عن التعبير عن سينا المباركة بلفظ برية سيناء، ووصفها بعد ذلك بأنها أرض قاحلة ليس فيها ماء ولا نبات إلا أربعة بلاد جعلت للتموين وقت اللزوم.

    وقد أثار هذا المعنى في نفسي سلسلة من المحاولات التى قام بها المستعمرون منذ احتلوا هذه الأرض؛ ليركزوا هذا المعنى الخاطئ في أدمغة السياسيين المصريين، وفي أبناء سينا أنفسهم، فأخذوا يقللون من قيمتها وأهميتها، ويضعون لها نظاما خاصا في التعليم والتموين والحكم والإدارة؛

    ويحكمها إلى العام الماضى فقط محافظ إنجليزي يعتبر نفسه مطلق التصرف في كل مقدراتها، ويجعلون الجمرك في القنطرة لا في رفح إيذانا بأن ما وراء ذلك ليس من مصر حتى صار من العبارات المألوفة عند أهل سيناء وعند مجاوريهم من المصريين أن يقال هذا من الجزيرة، وهذا من وادي النيل كأنهما إقليمان منفصلان.

مرت بنفسى هذه الخواطر جميعا فأحببت أن أنبه الساسة الكبار والساسة الصغار وأبناء هذا الشعب إلى الخطر الداهم العظيم الذى تخفيه هذه الأفكار الخاطئة، ولا أدرى كيف نقع فى هذا الخطأ الفظيع مع أن القرآن الكريم نبهنا إليه و لفت أنظارنا إلى ما فى هذه البقاع من خير وبركة وخصب ونماء؟ وأنها إنما أجدبت لانصرافنا عنها وإهمالنا إياها فذلك قوله تعالى: ﴿وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سيناء تَنْبُتُ بِالدُّهنِ وَصِبْغٍ لِّلآََكِلِيِن﴾ (المؤمنون: 20).

إن سيناء المصرية تبلغ ثلاثة عشر مليونا من الأفدنة أى ضعف مساحة الأرض المنزرعة فى مصر، وقد كشفت البحوث الفنية فى هذه المساحات الواسعة أنواعا من المعادن والكنوز فوق ما كان يتصور الناس، واكتشف فيها البترول حديثا.

    ويذهب الخبراء فى هذا الفن إلى أنه فى الإمكان أن يستنبط من سينا من البترول أكثر مما يستنبط من آبار العراق الغالية النفيسة، وأرض سيناء فى غاية الخصوبة وهى عظيمة القابلية للزراعة، وفى الإمكان استنباط الماء منها بالطرق الارتوازية وإنشاء بيارات يانعة على نحو بيارات فلسطين تنبت أجود الفواكه وأطيب الثمرات، وقد تنبه اليهود إلى هذا المعنى ووضعوه فى برنامجهم الإنشائي وهم يعملون على تحقيقه إذا سنحت لهم الفرص، ولن تسنح بإذن الله.

    فمن واجب الحكومة إذن أن تعرف لسيناء قدرها وبركتها ولا تدعها فريسة فى يد الشركات الأجنبية واللصوص والسراق من اليهود، وأن تسرع بمشروع نقل الجمرك من القنطرة إلى رفح، وأن تقيم هناك منطقة صناعية على الحدود.

    فلعل هذا من أصلح المواطن للصناعة، ويرى بعض المفكرين العقلاء أن من الواجب إنشاء جامعة مصرية عربية بجوار العريش تضم من شاء من المصريين، ومن وفد من فلسطين وسورية والعراق ولبنان وشرق الأردن وغيرها من سائر أوطان العروبة والإسلام، ويرون في هذه البقعة أفضل مكان للتربية البدنية والروحية والعقلية على السواء.

    وحرام بعد اليوم أن تظن الحكومة أو يتخيل أحد من الشعب أن سيناء برية قاحلة لا نبات فيها ولا ماء فهي فلذة كبد هذا الوطن ومجاله الحيوى ومصدر الخير والبركة والثراء، ونرجو أن يكون ذلك كله بأيدينا لا بأيدي غيرنا.

    كم نتمنى أن نستقل ونتحرر فى أفكارنا ومشاعرنا لنتحرر بحق فى أوطاننا وتصرفاتنا ﴿وَلله عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ "الحج: 41". (7)

------------------

المراجع:

(1) جوزف تشمبرلين: سياسي بريطاني، تزعم عام 1891 "الاتحاديين الأحرار" في مجلس العموم. عيّن وزيراً للمستعمرات بين عامي 1895- 1906

(2) مركز الدراسات الفلسطينية: وثائق فلسطين: مائتان وثمانون وثيقة مختارة، 1839-1987 " (تونس: منظمة التحرير الفلسطينية، دائرة الثقافة، 1987)، ص ٣٨

(3) تيسير محسين: عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني، المركز الفلسطين (بديل) لمصادرة حقوق المواطنة واللاجئين

(4) تيسير محسين: مرجع سابق

(5) حسين أبو النمل ، قطاع غزة 1948 ،1967، تطورات اقتصادية وسياسية واجتماعية وعسكرية (بيروت: مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية) نيسان أبريل 1979 ، ص 82 –85

(6) بيسان عدوان: مخططات توطين اللاجئين الفلسطينيين ، الحوار المتمدن العدد: 1234 20/6 /2005م

(7) عبد الله أبو عزة: مع الحركة الإسلامية في الدول العربية، دار القلم للنشر والتوزيع، الكويت، ط1، 1986م، صـ 33