في ذكرى استشهاد الإمام المؤسس

تتميز هذه الدعوة بمجموعة من الخصائص التي تميزها من غيرها من الدعوات وهي ليست خصائص شكلية ، وإنما تمثل جوهر الفكرة التي يقوم عليها هذا المشروع الحضاري والذي يستنهض بالأمة من جديد . ولهذا ، فإن كل خاصية من الخصائص المميزة في هذه الدعوة لها مدلولها على الجوانب المختلفة لحياة المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وتشمل هذه الخصائص تسع خصائص ، ذكرها الأستاذ البنا في أكثر من موقع في رسائله ، نلخصها قي الشكل التالي :

خصائص فكرتنا:

1- الربانية
2- العالمية
3- التميز "
"4- الشمولية
5- العلمية
6- العقلانية
7- الاستقلالية
8- العملية
9- الوسطية

وسنلقي الضوء على هذه الخصائص ، من خلال رسائل الأستاذ البنا فيما يلي:

1ـ الربانية :

وفي ذلك يقول الأستاذ البنا :
( أما أنها ربانية ، فلأن الأساس الذي تدور عليه أهدافنا جميعاً ، أن يتعرف الناس إلى ربهم ، وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة "
"تسموا بأنفسهم عن جمود المادة الصماء وجحودها إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها . ونحن الإخوان المسلمين نهتف من كل قلوبنا: (الله غايتنا ) . فأول أهداف هذه الدعوة أن يتذكر الناس من جديد هذه الصلة التي تربطهم بالله تبارك وتعالى ، والتي نسوها فأنساهم الله أنفسهم {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذي من قبلكم لعلكم تتقون }(البقرة 21) . وهذا في الحقيقة هو المفتاح الأول لمغاليق المشكلات الإنسانية التي أوصدها الجمود والمادية في وجوه البشر جميعاً فلم يستطيعوا إلي حلها سبيلاً وبغير هذا المفتاح فلا إصلاح ) ( رسالة دعوتنا في طور جديد ) .

2ـ العالمية :

وعن هذه الخاصية يقرر الأستاذ البنا :
( وأما أنها عالمية فلأنها موجهة إلى الناس كافة لأن الناس في حكمها اخوة ، أصلهم واحد ، وأبوهم واحد ، ونسبهم واحد لا يتفاضلون إلا "
"بالتقوى وبما يقدم أحدهم للمجموع من خير سابغ وفضل شامل { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً و اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } (النساء : 1) . فنحن لا نؤمن بالعنصرية الجنسية ، ولا نشجع عصبية الأجناس والألوان ، ولكننا ندعو إلى الأخوة العادلة بين بني الإنسان ) ( رسالة دعوتنا في طور جديد) .

3ـ التميز :

ورسالة المؤتمر الخامس ، يقرر الأستاذ البنا خاصية التميز فيقول :
( واسمحوا لي أيها السادة أن أستخدم هذا التعبير ( إسلام الإخوان المسلمين ) ، ولست أعني به أن للإخوان المسلمين إسلاماً جديداً غير الإسلام الذي جاء به سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم عن ربه ، وإنما أعني أن كثيراً من المسلمين في كثيراً من العصور خلعوا على الإسلام نعوتاً وأوصافاً وحددوا رسوماً من عند أنفسهم ، واستخدموا مرونته وسعته استخداما ضاراً ، مع أنها لم تكن إلا للحكمة السامية ، فاختلفوا في معنى الإسلام اختلافا عظيماً ، وانطبعت في الإسلام في نفوس أبنائه صور عدة تقرب أو تبعد أو تنطبق على الإسلام الأول الذي مثله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه خير تمثيل . وهكذا اتصل الإخوان بكتاب الله واستلهموه وإسترشدوه ، فأيقنوا أن الإسلام هو هذا المعنى الكلي الشامل ، وأنه يجب أن يهيمن على كل شئون الحياة وأن تصطبغ جميعها به وأن تنزل على حكمه وأن تساير قواعده وتعاليمه وتستمد منها ما دامت تريد أن تكون مسلمة إسلاماً صحيحاً (رسالة المؤتمر الخامس ) .

4- الشمولية :

وفي تحديده لهذه الخاصية ، يفصل الأستاذ البنا فيقول:
( كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أن "
"شملت فكرتهم كل نواحي الإصلاح في الأمة ، وتمثلت فيها كل عناصر غيرها من الفكرة الإصلاحية ، وأبح كل مصلح مخلص غيور يجد فيها أمنيته ، والتقت عندها آمال محبي الإصلاح الذين عرفوها وفهموا مراميها ، وتستطيع أن تقول ولا حرج عليك ، إن الإخوان المسلمين : دعوة سلفية ، وطريقه سنية ، وحقيقة صوفية ، وهيئة سياسية ، وجماعة رياضية ، وروابط علمية ثقافية ، وشركة اقتصادية ، وفكرة اجتماعية . وهكذا نرى أن شمول معنى الإسلام قد أكسب فكرتنا شمولاً لكل مناحي الإصلاح ووجه نشاط الإخوان إلى كل هذه النواحي ، وهم في الوقت الذي يتجه فيه غيرهم إلى ناحية واحدة دون غيرها يتجهون إليها جميعاً ، يعلمون أن الإسلام يطالبهم بها جميعاً) ( رسالة المؤتمر الخامس ).

ويلخص الأستاذ البنا معنى هذه الخاصية بقوله :
( الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً ، فهو دولة ووطن أو "
"حكومة وأمة ، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة ، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء ، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى ، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة ، كما هو عقيد صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء ) ( رسالة التعاليم ) .
ولتأكيد هذه الخاصية فكراً وسلوكاً لجميع البشر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، يقول الأستاذ البنا :
( .. ولكنا أيها الناس : فكرة وعقيدة ، ونظام ومنهاج ، لا يحدده موضوع ولا يقيده جنس ، ولا يقف دونه حاجز جغرافي ، ولا ينتهي بأم حتى يرث الله الأرض ومن عليها ذلك لأنه نظام رب العالمين ، ومنهاج رسوله الأمين ) ( رسالة تحت راية القرآن ).

5ـ العلمية :

ولتأكيد ضرورة العلم في مشروع النهضة ، يقول الأستاذ البنا : "
( كما تحتاج الأمم إلى القوة كذلك تحتاج إلى العلم الذي يؤازر هذه القوة ويوجهها أفضل توجيه ، ويمدها بما تحتاج إليه من مخترعات ومكتشفات ، وإسلام لا يأبى العلم بل يجعله فريضة من فرائضه كالقوة يناصره ، .... وقد وزن قد وزن الإسلام مداد العلماء بدم الشهداء ، ولازم القرآن بين العلم والقوة في هاتين الآيتين الكريمتين { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم أنهم يحذرون * يا أيها الذين آمنوا قاتلوا يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعموا أن الله مع المتقين } (التوبة : 122-123) .. ولم يفرق القرآن بين علم الدنيا وعلم الدين ، بل أوصى بها جميعاً ، وجمع علوم الكون في آية واحدة ، وحث عليها وجعل العلم بها سبيل خشيته وطريق معرفته ، وذلك في قوله تعالى :{ ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلف ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود * ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء } (فاطر : 27- 28)
( رسالة نحو النور ) .

6ـ العقلانية :

وعن هذه الخاصية يقول الأستاذ البنا :
( أيها الإخوان السلمون : ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول ، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف وألزموا الخيال صدق الحقيقة الواقع ،واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة . ولا تميلوا كل الميل فتذروها المعلقة ، ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة ، ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها . واستعينوا ببعضها على بعض وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد )(رسالة المؤتمر الخامس).

7ـ الاستقلالية :

وعن هذه الخاصية ، يؤكد الأستاذ البنا : ( دعوة لا تقبل الشركة إذ أن طبيعتها والحدة ، فمن استعد لذلك فقد عاش بها وعاشت به ، ومن ضعف على هذا العبء فسيحرم ثواب المجاهدين ويكون من المخلفين ويقعد مع القاعدين ، ويستبدل الله لدعوته قوماً آخرين {أذلة علي المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومه لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء }(المائدة :54) (رسالة دعوتنا ).

8- العملية :

وعن وصف العملية ، يحدد الأستاذ البنا أسبابها الرئيسية فبقول :
(وأما إيثار الناحية الملية على الدعاية وإعلانات ، فقد أثارها في نفس الإخوان ودعا إليها في مناهجهم أمور : منها ما جاء في الإسلام خاصة هذه الناحية بالذات ، ومخافة أن تشوب هذه الأعمال شوائب الرياء فيسرع إليها التلف والفساد ، والموازنة بين هذه النظرة وبين ما ورد في إذاعة الخبر . ولأمر به والمسارعة إلي إعلانه ليتعدى نفسه ، وأمر دقيق قلما يتم إلا بتوفيق . ومنها نفور الإخوان الطبيعي من اعتماد الناس على الدعايات الكاذبة والتهريج الذي ليس من ورائه عمل . ومنها ما كان يخشاه الإخوان من معاجلة الدعوة بخصومة حادة أو صداقة ضارة ينتج عن كليهما تعويق في السير أو تعطيل عن الغاية ) ( رسالة المؤتمر الخامس ).

9ـ الوسطية :

وعن هذه الخاصية يقرر الأستاذ البنا ضرورتها للمشروع الإسلامي فيقول :
( هذا الإسلام الذي بني على المزاج المعتدل الإنصاف البالغ ،.....، والمسلمون اليوم بحاجة أكيدة لهذه الخاصية ، تمكنهم من تقديم فكرتهم ومشروعهم الإسلامي كنموذج حضاري بديل للبشرية كلها يكون شاهد عليها ، مصداقاً لقوله تعالى :{ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً } (البقرة : 143) ( رسالة نحو النور ) ."
"من هذا العرض المختصر لأساس الدعوة وخصائصها الفكرية ، ينضح لنا جلياً أن أساس دعوتنا بعامة ، ومشروعنا النهضوي بخاصة ، والخصائص الفكرية التي يتصفان بها .. تنبثق جملة وتفصيلاً ، وفقاً لفكر الأستاذ البنا ، من إسلامنا العظيم كدين ونظام حياة شامل وكامل .