زار الإمام "حسن البنا" الشيخ "يوسف الدجوي"- رحمهما الله- في منزله، وعرض عليه ما آلت إليه حال الأمة آنذاك، وطلب إليه عمل شيء ينقذ الأمة وشبابها، من تيار الإلحاد والانحلال الجارف، فردَّ الشيخ على الشاب بعد بيان جهوده التي بذلها، متمثلاً قول الشاعر:

وما أبالي إذا نفسي تطاوعني              على النجاة بمن قد مات أو هلكا

عندها فقط ترتعد فرائص الشاب، وتتفجر كمائن نفسه، التي امتلأت إيمانًا وصدقًا، فتأتي هذه الصرخة الداوية حقيقةً تكشف الوهن، ونورًا يبدد ظلام التقاعس، وشُهبًا تذيب كثبان جليد اليأس والضعف، ونارًا تحرق أشجار الأنانية، وتنير شمس الهمَّة، وتوقظ حسها في النفوس: "إنني أخالفك يا سيدي كل المخالفة، في هذا الذي تقول، وأعتقد أن الأمر لا يعدو أن يكون ضعفًا فقط، وقعودًا عن العمل، وهروبًا من التبعات، من أي شيء تخافون؟! مِن الحكومة أو الأزهر؟!.. يكفيكم معاشكم، واقعدوا في بيوتكم، واعملوا للإسلام، فالشعب معكم في الحقيقة لو واجهتموه؛ لأنه شعب مسلم، وقد عرفته في (القهاوي)، وفي المساجد، وفي الشوارع، فرأيته يفيض إيمانًا، ولكنه قوةٌ مهمَلة من هؤلاء الملحدين والإباحيين، وجرائدهم ومجلاتهم لا قيامَ لها إلا في غفلتكم، ولو تنبَّهتُم لدخلوا جحورهم".

ثم يتابع صيحَته الصادقة: "يا أستاذ إن لم تريدوا أن تعملوا لله فاعملوا للدنيا وللرغيف الذي تأكلون، فإنه إذا ضاع الإسلام في هذه الأمة، ضاع الأزهر، وضاع العلماء، فلا تجدون ما تأكلون، ولا ما تنفقون، فدافعوا عن كيانكم، إن لم تدافعوا عن كيان الإسلام، واعملوا للدنيا إن لم تريدوا أن تعملوا للآخرة، وإلا فقد ضاعت دنياكم وآخرتكم على السواء".

وأمام هذه الصرخة الدعوية الصادقة لم يجد الشيخ جوابًا إلا أن يَعِد الفتى بالتفكير في هذا الأمر، فما كان من داعيتنا الشاب إلا أن قال:

"يا سبحان الله!! يا سيدي، إن الأمر لا يحتمل تفكيرًا، ولكن يتطلب عملاً، ولو كانت رغبتي في هذا النقل (نوع من الحلوى قدمه الشيخ للشاب) وأمثاله لاستطعت أن أشتري بقرش، وأظل في منزلي، ولا أتكلف مشقة زيارتكم.

يا سيدي، إن الإسلام يحارَب هذه الحرب العنيفة القاسية، ورجاله وحماته وأئمة المسلمين يقضون الأوقات غارقين في هذا النعيم، أتظنون أن الله لا يحاسبكم على هذا الذي تصنعون؟! إن كنتم تعلمون للإسلام أئمةً غيرَكم، وحماةً غيركم، فدلُّوني عليهم لأذهب إليهم؛ لعلي أجد عندهم ما ليس عندكم".