السعادة شعور داخلي يحسه الإنسان بين جوانبه، يتمثل في سكينة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وراحة الضمير والبال نتيجةً لاستقامة السلوك الظاهر والباطن المدفوع بقوة الإيمان.

وإن كانت الأسباب المادية من عناصر السعادة، ولقد تقرر فيما سبق أن الإسلام لا ينكر أهمية الأسباب المادية في تحقيق السعادة إلا أن هذه الأشياء المادية ليست شرطًا لازمًا في تحقيق السعادة، وإنما هي من الوسائل المؤديه لذلك.

وقد تناولت كثير من النصوص هذه الحقيقة منها : قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ (الأعراف:32)، وقال صلى الله عليه وسلم: "نعم المال الصالح للعبد الصالح"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة والمسكن الصالح والمركب الصالح".

يقول الله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ (النحل:97).

فالحياة الدنيا ليست جنة في الأرض، فالحياة ليست مذللة سهلة دائمًا كما يريدها الإنسان ويتمناها بل هي متقلبة، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ (البلد:4) ﴿يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيهِ﴾ (الانشقاق:6)

يومك يومك

عش في حدود يومك، اليوم فحسب ستعيش فلا أمس الذي ذهب بخيره وشره ولا الغد الذي لم يأتِ.. لليوم فقط اصرف تركيزك واهتمامك وإبداعك.

قسِّم ساعات يومك واجعل من دقائقه سنوات ومن ثوانيه شهورًا تزرع الخير وتسدي الجميل وتستغفر من الذنب.

ما مضى فات والمؤمل غيب إنما لك الساعة التي أنت فيها إن عليك أن تكتب على لوح قلبك عباره واحدة تجعلها أيضًا على مكتبك تقول العبارة: يومك يومك، إذا أكلت خبزًا حارًا شهيًا هذا اليوم فهل يضرك خبز الأمس الجاف الردئ، أو خبز غد الغائب المنتظر.

إذا شربت ماءً عذبًا زلالاً هذا اليوم فلماذا تحزن من ماء أمس الملح الأجاج، أو ماء غد الآسن الحار.

إنك لو صدقت نفسك بإرادة فولازية صارمة عارمة لأخضعتها لنظرية: لن أعيش إلا هذا اليوم.

حينها تستغل كل لحظة في هذا اليوم في بناء كيانك وتنمية مواهبك، وتزكية عملك، فتقول: لليوم فقط أهذب ألفاظي فلا أنطق هجرًا أو فحشًا، أو غيبة.. لليوم فقط سوف أرتب بيتي ومكتبتي، فلا ارتباك ولا بعثرة، وإنما نظام ورتابة.. لليوم فقط سوف أعيش فأعتني بنظافة جسمي، وتحسين مظهري والاهتمام بهندامي، والاتزان في مشيتي وكلامي وحركاتي.

إن الاعتبار بالماضي من سنن الله، واستفادة المرء من سابق تجاربه تؤتيه المنعة في المستقبل.. ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ (محمد:10)، وأخيرًا إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، والعمل للمستقبل أمر مطلوب وأمل يحيى به كل إنسان كما قال النبى- صلى الله عليه وسلم-: "اعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا"

كيف تواجه النقد؟

تختلف ردود فعل الناس أمام النقد الموجه لهم، وليس كل النقد صحيحًا وليس كله خطأ، إنك سوف تواجه في حياتك نقدًا لاذعًا ومحاولة لوأد جهدك، ومن الأمور النافعة أن تعرف أن أذية الناس لك وخصوصًا في الأقوال السيئة، لا تضرك بل تضرهم، إلا إن شغلت نفسك في الاهتمام بها، وسوغت لها أن تملك مشاعرك، فعند ذلك تضرك كما ضرتهم، فإن أنت لم تضع لها بالاً لم تضرك شيئًا.

اقبل الحياة كما هي

لكل جود كبوة ولكل عالم هفوة ولا يوجد إنسان على وجه الأرض اكتملت عنده الصفات إلا الحبيب محمد- صلى الله عليه وسلم- فإذا كرهت خلقًا من أحد قبلت منه آخر، وأطفئ حر شره ببرد خيره فعش واقعك ولا تسرح مع الخيال، وكما قال رسول الله– صلى الله عليه وسلم- "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي آخر".(أخرجه مسلم).

لا تحطمك التوافه

فكم من مهموم سبب همه أمر حقير تافه لا يذكر

وتعظم في عين الصغير صغارها  *  *  *وتصغر في عين العظيم العظائم

إذًا ففكر في الأمر الذي تهتم له وتغتم، وعلماء النفس يقولون أجعل لكل شيء حدًا معقولاً، وأصدق من ذلك قول ربنا ﴿قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ (الطلاق:3)

حياتك من صنع أفكارك

إن حياتك تبع لأفكارك، فإن كانت أفكارك فيما يعود عليك نفعه في دين أو دنيا فحياتك طيبة سعيدة، وإلا فالأمر بالعكس.

إن الذكي الأريب يحول الخسائر إلى أرباح والجاهل الرعديد يجعل المصيبة مصيبتين

طُرد النبي- صلى الله عليه وسلم- من مكة فأقام في المدينة دولة ملأت سمع التاريخ وبصره، سُجن أحمد بن حنبل وجلد فصار إمام أهل السنة، وحبس ابن تيمية فأخرج عشرين مجلدًا في الفقه.

إذا داهمتك داهية فانظر في الجانب المشرق منها، وإذا ناولك أحدهم كوب ليمون فأضف إليه حفنة من سكر، تكيَّف في ظرفك القاسي لتخرج لنا منه زهرًا ووردًا وياسمينا،﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ﴾ (البقرة:216)

إن عليك أن تقنع نفسك بما قسم الله لك من جسم ومال وولد وسكن وموهبة وهذا منطق القرآن ﴿فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ﴾ (الأعراف:114)

واسمع قول الشاعر:

سعادتك العظمى إذا كنت عاقلاً  * * * مناك بحالٍ دون حال تعيشها

قائمة رائعة مليئة باللامعين الذين بخسوا حظوظهم الدنيوية:

الأحنف بن قيس حليم العرب قاطبة نحيف الجسم أحدب الظهر أحنى الساقين، بل الأنبياء الكرام صلوات الله عليه وسلامه كل منهم رعى الغنم، وكان داود حدادًا وزكريا نجارًا وإدريس خياطًا، إذا فقيمتك مواهبك وعملك الصالح ونفعك وخلقك، ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (الزخرف:32)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصبح آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها".

لن يسلبك الله شيئًا إلا عوضك خيرًا منه فلا تأسف على فائت، ولا تبكِ على مصيبة ولا تحزن على مفقود، فإن عمر الدنيا قصير وكنزها حقير، ﴿وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ (الأعلى:17) ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (آل العمران:139)

أسباب تزيل الهم والغم والقلق

1-القراءة والاطلاع والحفظ فى كتاب الله واتباع سنة نبيه- صلى الله عليه وسلم- والمحافظة على الصلاة في جماعة، خاصةً صلاة الفجر وقيام الليل =وصيام النوافل.

2-الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل، وأنواع المعروف، وكلها خير وإحسان.

3- الاشتغال بعلم من العلوم المفيدة أو عمل شيء نافع لنفسك أو لبيتك وأهلك فالمسلم نافع لغيره، خير الناس أنفعهم للناس.

4-لا تنتظر شكرًا من أحد لأن...

مَن يفعل الخير لا يعدم جوازيه *** لا يذهب المعروف بين الله والناس

إن من أنفع الأمور لطرد الهم أن توطن نفسك على أن لا تطلب الشكر إلا من الله، فإذا أحسنت إلى من له حق عليك أو من ليس له حق، فاعلم أن هذا معاملة منك مع الله، فلا تُبالِ بشكر من أنعمت عليه، كما قال تعالى في حق خواص خلقه: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا﴾ (الإنسان:9) ويتأكد هذا في معاملة الأهل والأولاد ومن قوة اتصالك بهم، فمتى وطنت نفسك على إلقاء الشر عنهم فقد أرحت واسترحت.

5- أمن يجيب المضطر إذا دعاه.. حق عليك أن تدعوه في الشدة والرخاء والسراء والضراء وتضرع إليه في الملمات وتطرح على عتبات بابه سائلاً باكيًا ضارعًا منيبًا، حينها يأتي مدده ويصل عونه ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ (النمل:62) ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ (العنكبوت:65) إنك إن وجدت الله وجدت كل شيء، وإن فاته فاتك كل شيء.

فالدعاء عبادة انظر إلى إبراهيم وهو في النار، ويوسف في غيابات الجب ومجاهل السجن، ويونس في بطن الحوت، وأيوب إذ مسه الضر، ومحمد- صلى الله عليه وسلم- وهو في الغار إذ نصره الله ولا ننسى ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (غافر:60).

الإيمان هو الحياة

إن الإنسان المؤمن بالله لا يعرف أبدًا معنى الهم ولا القلق، وربنا يقول: ﴿وَمَن يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ (التغابن:11) ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: 28).

إن الإيمان بالله هو سر سعادة المرء الحقيقية ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ (النحل :97).. السعادة الحقيقية هناك وليس هنا، السعادة الحقة يوم نأخذ كتابنا باليمين، السعادة الحقيقية في جنات وعيون، ﴿فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ* فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾ (الواقعة:88-89)

يوم تُنادي الملائكة سلام عليكم بما صبرتم.....، ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ (هود:108)

وصدق الله العظيم ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (الصافات:61)