بقلم: صادق أمين

لقد حفلت رحلة الإسراء والمعراج بمشاهد مثيرة ومواقف عجيبة، فقد رأى النبي- صلى الله عليه وسلم- من آيات ربه الكبرى، وقص النبي- صلى الله عليه وسلم- هذه الرؤى لأصحابه ولنا من بعدهم؛ لنقف عندها طويلاً ونتعلم منها كثيرًا.

وسواءٌ وقعت هذه الرؤى في هذه الليلة (ليلة الإسراء والمعراج) أو وقعت بعدها، وألحقها الناس بها.. لكنها على أية حال رؤى صادقة، ورؤى الأنبياء حق.

وإذا كانت الحكمة من الربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى واضحةً؛ حيث كان الإسراء إلى المسجد الأقصى والمعراج منه إلى سدرة المنتهى؛ ليعلم المسلمون أهمية هذا المسجد في حياتهم وارتباطه بحاضرهم ومستقبلهم، فإن ما شاهده النبي ليلة الإسراء من جرائم أخلاقية وعقوبات رتبها الله- عز وجل- على من اقترف هذه الموبقات لَجدير بالتأمل والنظر لاستلهام العبرة، ومعرفة الطريق لتحرير المسجد الأقصى من أيدي الغاصبين، فما نُزع هذا المسجد وما حولَه من الأرض التي بارك الله فيها إلا بمعصية، وما عاد إليهم إلا بالرجوع إلى الله، ومن بين هذه المشاهد أنه صلى الله عليه وسلم:

1- أتى على قوم تُرضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت، ولا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء الذين تثاقلت رءوسهم عن الصلاة.

2- أتى على قوم على أدبارهم رقاع وعلى أقبالهم رقاع، يسرحون كما تسرح الأنعام إلى الضريع والزقوم ورضف جهنم، قال ما هؤلاء يا جبريل قال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله وما الله بظلام للعبيد.

3-  ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم في قِدر نضيج ولحم آخر نيِّئ خبيث، فجعلوا يأكلون الخبيث ويدَعون النضيج الطيب قال يا جبريل من هؤلاء قال الرجل من أمتك يقوم من ثم (عند) امرأته حلالاً فيأتي المرأة الخبيثة فيبيت معها حتى يصبح، والمرأة تقوم من ثم (عند) زوجها حلالاً طيبًا فتأتي الرجل الخبيث فتبيت عنده حتى تصبح.

4- أتى على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها وهو يريد أن يزيد عليها، فقال يا جبريل من هذا قال: هذا رجل من أمتك عليه أمانة الناس لا يستطيع أداءها وهو يزيد عليها.

5- أتى على قوم تُقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من حديد، كلما قرضت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء قال يا جبريل ما هؤلاء قال خطباء الفتنة.

6- أُتي على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم فيريد الثور أن يدخل من حيث خرج فلا يستطيع، فقال ما هذا يا جبريل قال هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة فيندم عليها فيريد أن يردها فلا يستطيع.

7- أتى على قوم بطونهم كالبيوت فيها الحيات ترى من خارج بطونهم قلت من هؤلاء يا جبريل قال هؤلاء أكلة الربا (صحيح البخاري).

فهؤلاء الذين شاهدهم النبي- صلى الله عليه وسلم- ليلة الإسراء ممن ينامون عن الصلاة المكتوبة، أو لا يؤدون الصدقات، أو الزناة، أو خطباء الفتن، أو أكلة الربا وغيرهم، كل هؤلاء يقترفون جرائم أخلاقية حذر منها القرآن ونهت عنها السنة المطهرة.

ودائمًا نجد أن ما تعرض له المسلمون من نكبات كان معظمها بسبب ما وقعوا فيه من معاصٍ، ففي غزوة أحد كان سبب نكسة المسلمين هو المعصية، لا قلة العدد والعدة، وقد سجل الله عليهم هذا الموقف في كتابه الكريم فقال: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 152)

فلخَّص سبب الهزيمة فيما يلي:

- الفشل.

- التنازع.

- العصيان.

- الفئة التي تريد الدنيا

ولا عجب أن يقدم الله سبحانه وتعالى بين يدي هذه الغزوة (غزوة أحد) بهذه الآيات التي تنبه المسلمين على التخلي من المعصية والتحلي بالطاعة، فيقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ* وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ* وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ* وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ آل عمران﴾ (130 –136).

فينبه المسلمين على ترك الربا هذه الكبيرة التي تجر أصحابها إلى حرب مع الله ورسوله عاقبتُه محسومة سلفًا، وهي الخزي والدمار في الدنيا والندم والعذاب في الآخرة، ثم يأمرهم بتقوى الله وهي جماع كل خير، ويأمرهم بطاعة الله ورسوله، ويرشدهم ويحسهم على المسارعة إلى مغفرة من الله وجنات تجري من تحتها الأنهار أعدها الله للمتقين:

- الذين ينفقون في السراء والضراء.

- الكاظمين الغيظ.

- العافين عن الناس.

- المحسنين.

- التائبين الراجعين إلى الله الذين يسارعون إلى التوبة، الذاكرين لله كلما ألمُّوا بمعصية.. وكل هذه صفات أخلاقية يأمر الله بالحسن منها، وينهى عن السيئ، ويذكر الله مقوِّمات النصر على الأعداء في سورة التوبة، فيقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ* وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ* وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ (التوبة 45- 47)، ونرى هنا أن الصفات المطلوب تحققها في المسلمين حتى ينتصروا على الأعداء كلها صفات أخلاقية فهي:

- الثبات.

- ذكر الله.

- طاعة الله ورسوله.

- عدم التنازع الذي يؤدي إلى الفشل وذهاب القوة.

- الصبر.

- أن يكون الخروج للقتال لله وفي سبل لله وليس بطرًا ورياءً.

- ويذكر الله أن العُجب والاعتماد على العدد والعدة كان سبب هزيمةَ المسلمين في بداية غزوة حنين وتفرُّق الناس، ولم يبقَ إلا الفئة الصابرة المصابرة بجوار الرسول فتنزَّل عليها النصرُ وحقَّ على أعدائهم الهزيمة.. ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ* ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ﴾ (التوبة 25).

من أجل ذلك كانت تربية النبي للمسلمين في مكة طوال ثلاثة عشر عامًا كاملةً على الإيمان بالله ومحاسن الأخلاق ونزلت الآيات تترى على المسلمين في مكة لتغرس الأخلاق الفاضلة، وتنزع من قلوبهم الرذائل، نذكر منها قول الله تعالى في سورة الأنعام وهي من السور المكية: ﴿قُُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأنعام 151- 153)، وقوله تعالى: ﴿لاَّ تَجْعَل مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً* وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا* رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا* وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا* إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا* وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا*وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا* إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا* وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا* وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً* وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا* وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسئُولاً* وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً* وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسئُولاً* وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً* كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا﴾ (الإسراء 22-38).

فالأخلاق والفضائل جزء أصيل من كيان هذا المجتمع، فهو مجتمع العدل والإحسان والبر والرحمة، والصدق والأمانة، والصبر والوفاء، والحياء والعفاف، والعزة والتواضع، والسخاء والشجاعة، والإباء والشرف، والبذل والتضحية، والمروءة والنجدة، والنظافة والتجمل، والقصد والاعتدال، والسماحة والحلم، والنصيحة والتعاون، والغيرة على الحرمات، والاستعلاء على الشهوات، والغضب للحق، والرغبة في الخير، والإيثار للغير، والإحسان إلى الخلق كافة، وبخاصة بر الوالدين، وصلة الأرحام، وإكرام الجار، ودعوة الناس إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.. وكل خصال الخير، وخلال المكرمات، ومكارم الأخلاق.

وأولها: الإخلاص لله، والتوبة إليه، والتوكل عليه، والخشية منه والرجاء في رحمته، والتعظيم لشعائره، والحرص على مرضاته، والحذر من مساخطه.. إلى غير ذلك من المعاني الربانية التي يغفلها كثير من الناس حين يتحدثون عن الأخلاق في الإسلام، فليست الأخلاق ما يتعلق بما بين الإنسان والإنسان فحسب، وإنما تشمل ما بين الإنسان وخالقه أيضًا.

وهو في الجانب السلبي يحرم كل الرذائل، والأخلاق الرديئة، ويشتد في تحريم بعضها، فيجعلها في مرتبة الكبائر، فيحرم الخمر والميسر، ويعدهما رجسًا من عمل الشيطان، ويحرم الزنى وكل ما يقرب أو يعين عليه، ومثل ذلك الشذوذ الجنسي الذي هو علامة على انتكاس الفطرة وانهيار الرجولة، ويحرم الربا وأكل أموال الناس بالباطل، وخاصةً إذا كانوا ضعفاء كاليتامى، ويحرم عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام، والإساءة إلى الجار، وإيذاء الآخرين، باليد أو اللسان، ويجعل من خصال النفاق: الكذب والخيانة والغدر وإخلاف الوعد والفجور في الخصومة، وكل رذيلة تنكرها الفطر السليمة والعقول الراشدة جاء الإسلام فأنكرها وألحَّ في إنكارها (من كتاب ملامح المجتمع المسلم الذي ننشده للقرضاوي).

وقد لخص النبي- صلى الله عليه وسلم- هذه الملامح في قوله "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" (رواه الحاكم وصححه)، وإذا رجعنا إلى مشاهد النبي- صلى الله عليه وسلم- ليلة الإسراء ونظرنا إلى حال أمتنا لفطنَّا إلى سبب ضياع المسجد الأقصى بل وجل مقدسات المسلمين، فليس السبب هو التفوق العسكري لدى أعدائنا، على الرغم من اعترافنا به، وليس السبب أيضًا هو ضعفنا المادي والعسكري، وهذا لا ننكره.. لكن مشكلتنا الأساسية هي الأخلاق، فغياب الأخلاق لدى كثير من أبناء هذه الأمة- حكامًا ومحكومين- كان هو السبب الرئيس حول هزيمتنا الثقافية والاقتصادية والعسكرية.. فكم من المسلمين ينامون عن الصلاة المكتوبة حتى يخرج وقتها، بل كم منهم لا يقربون الصلاة أصلاً، ولا يعرفون للمسجد طريقًا؟

وكم من المسلمين يبخلون بصدقاتهم ويمنعون زكاة أموالهم، فلا يدفعون من أموالهم إلا الخبيث، وينسون أو يتناسون حق الفقراء الذي هو حق لله تعالى؟! وكم منهم يتركون ما أحل الله لهم من زوجاتهم ويتمرغون في أحضان الغانيات، وينغمسون في اللحم المنتن بعد أن أنعم الله عليهم بالحلال الطيب؟! وكم من المسلمين يرعون الأمانة التي أمر الله بحفظها.. أمانة الكلمة وأمانة المال وأمانة الصحة والولد، وغير ذلك من الأمانات التي أمر الله بحفظها فأضاعها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً؟!

وكم من خطباء ووعَّاظ، لا همَّ لهم إلا بثّ الفرقة بين المسلمين، فهم يفرقون ولا يجمعون، ويهدمون ولا يبنون، يمشون في ركاب الظالمين، يصغِّرون الكبير ويكبِّرون الصغير، ويصدون عن سبيل الله من آمن ويبغونها عوجًا، يحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون؟!

وكم من أناس يطلقون ألسنتهم بالسوء، يتكلم أحدهم بالكلمة من سخط لا يُلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفًا، فهو يحرم الحلال ويحل الحرام.. يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوًا.. وكم من أناس أعلنوا الحرب على الله فتعاملوا بالربا أخذًا وإعطاءً، وضعوا المليارات في بنوك الأعداء لتكون نارًا يصلى بسببها المسلمون، ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا، وأعلنوا الحرب على الله وعلى رسوله، فمحق الله البركة منهم في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد لو كانوا يعلمون؟!

وغير ذلك الكثير والكثير من هذه الجرائم التي ألِفَهَا الناس، فأصبح المعروف لديهم منكرًا والمنكر معروفًا، ويوم أن نرجع إلى أخلاقنا فنصلحها ونهذبها، ونخلِّيها من الصفات السلبية ونحلِّيها بالصفات الإيجابية.. يومها يأت نصر الله، ويسألونك متى هو؟ قال عسى أن يكون قريبًا ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (الروم:4، 5).